صروف الزمان......بقلمي

يبدأ اليوم بتبادل التحيات المتملقة لا سيما من قبل النساء حين تقبل عليهن فريدة ...كلهن يبتسمن لها و يوارين غيضهن فذلك على الاغلب طبعهن .

تأتي فريدة و كأنها تتراقص الى المكتب ...ربما هي السعادة تفعل بها الافاعيل و ربما هي تعرف ما تضمر زميلاتها لها فتكيد لهن كما يكدن لها و تستمتع بإذلالهن و هي تعلم أنها ان هي ادارت ظهرها ستجد ألسنتهن سياطا تجلدها بلا رحمة.

تكرهها النسوة لجمالها الشديد و لحظها الوافر فزفافها قريب جدا من أحد اوسم القضاة و اغناهم.

لم تكن فريدة تبالي بأحد لأنها ان قبلت بالزواج من مراد فلأنها احبته و لم تر فيه غير الرجل الذي حلمت به و وجدته ، ولم تكن تكن لزميلاتها أي ضغينة لكنها كانت تحب التسلية بأعصابهن مع ادراكها لما يفكرن به تجاهها.

تزوجت فريدة من مراد و مكثت ببيتها كأي زوجة تريد ارضاء غرور زوجها و اشعاره بكامل رجولته و وجدت أن الحياة التي رغبت بها لم تكن اطلاقا تلك التي تحياها فالزوج الذي اخبرها أنه سيكرس لها حياته و أنه سيخلص لها و سيملأ حياتها سعادة لم يكن سوى رجلا نمطيا تخلى عن وعوده بمجرد حصوله على مبتغاه فصار ممن يريدون القطف من كل بستان زهرة .

جرح الخيانة لا ينسى و لكن فريدة اعتادته مكرهة كي لا تعود الى بيت اهلها منكسرة الخاطر فتشمت الاعداء فيها ...اعتادته و هي تأمل في غد افضل يندم فيه مراد و يعلن توبته .

طال املها سنوات طويلة و الكل يحسدها على حياة ظاهرها سعادة و باطنها عذاب ،عضت فيها على ألمها و لم تشأ أن تشارك همها أحد

ككل زوجة فكرت فريدة في انجاب ولد يملأ عليها حياتها و قد يكون سببا في لم العائلة من جديد و لكن مراد رفض الخضوع لمعاينة طبية .

سارت فريدة سرا الى الطبيب لتتأكد من سلامتها ثم بدأت تستعد لمعركة جديدة مع مراد لإقناعه بالعلاج .

مضت تسع سنين من الآلام و الحرمان ثم اقتنع مراد أخيرا بإجراء عملية تلقيح اصطناعي مؤكدا أنها ستكون التجربة الأولى و الاخيرة و شاء الله أن تحمل فريدة على اثرها بأنثى.

لم يرق لمراد أن ينجب طفلة بطريقة اصطناعية ولعله شعر بالحرج و كأن رجولته قد مست فلجأ الى ممارسة ضغوط جديدة على فريدة مدعيا ان الطفلة ليست من صلبه .

بلغ السيل بفريدة الزبى و لم تحتمل مزيدا من ترهات مراد ...حملت أشياء بسيطة و غادرت بيتها الى بيت أهلها و كلها عزم على انهاء حياتها الزوجية .

ظن الاهل أن فريدة تتوحم و سرعان ما ستهدأ و تعود المياه الى مجاريها و لكنها ازدادت اصرارا لما رأت من جفاء مراد و عناده .

دخلت فريدة المستشفى و ولدت بنتا جميلة جدا وكانت صورة لأبيها بشكل صادم و لم يعدها زوجها و لا كلف نفسه عناء السؤال عن مولودته و بدل ذلك ارسل اليها من يخبرها أنه متبرئ من الصبية و لم يراع فترة نفاس فريدة التي انهارت في بكاء كاد يودي بحياتها .

طلقت فريدة و تشمت فيها جميع من حسدها و انقلبت حياتها الى جحيم و لام أهلها عليها تهورها و من كان يستقبلها بالأحضان صار يتجنب لقائها أو يستمتع بسؤالها عن حياتها و سبب طلاقها .

قررت فريدة الاعتماد على نفسها و البحث عن عمل يعولها و ابنتها حين صار مراد يقتر في الانفاق على ابنته ....دقت كل الابواب و عملت كل ما تستطيعه لأجل اطعام ابنتها لقمة حلالا و قلبها لم يخالجه ذرة شك في كرم الله وسعة عطائه لكن مراد لم يدخر وسيلة ليمنع عنها العمل فيضيق عليها حياتها كي لا تكون سببا في تشويه صورته ،و لا تجرأ أحد التقدم لخطبتها و هو فوق الأرض.

مضت أربع سنوات و صارت الطفلة نسخة عن أبيها و لم يشفع لها شبهها عنده بل زاد غيه و انفلتت أموره و صار ماله مباح بين اخوته و نساء الشارع و ابنته تقتات من عرق جبين أمها التي صارت تعمل أجيرة في محل تجاري و لا تكاد الدريهمات التي تجمعها تكفي حاجياتها الا ببركة من الله و ما كان هذا يزيد فريدة الا ثباتا و يقينا بقرب الفرج القريب .

في ساعة متأخرة من الليل بلغ فريدة نبأ وفاة مراد بحادث مرور ...أخذت الطفلة و سافرت في ساعتها تلك برفقة أخيها تنشد تقديم العزاء لوالدة مراد و لتعرفهم على حفيدتهم التي لم يسأل أحد عنها منذ رأت النور و لكن كمن رأى شخصا ينوي السرقة عاملها أهل مراد بجفاء و ريبة و لم يأبه أحد للطفلة و فهمت فريدة الرسالة فغادرت من ساعتها بعد أن أدركت نواياهم في الاستيلاء على ميراث الطفلة .

استغل أعمام الطفلة الوضع و استعجلوا صرف الأموال التي كان مراد قد تركها في بيته و ادعوا انهم قدموها صدقة على روحه ثم استولوا على بيته القريب من بيت اهل فريدة و حاولوا بيعه سرا لكن الله شاء غير ذلك و استعانت فريدة بمحام جيد فأستخلص منهم حقوق ابنتها كاملة و التي تعد ثروة طائلة و استقام حظ فريدة من جديد و عاد كل من ابتعد عنها يود رضاها و كل من أساء اليها يستسمحها و كثر خطابها و تكمم أعداؤها و تغيرت الدنيا عليها بين ليلة و ضحاها فسبحان من يقلب الدهر كيف يشاء و انما أمره اذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون .