---عطرٌ لا يُرسم !---- ((بقلمي))

كان الليل يلفظ أنفاسه الأخيرة بينما يتسحب ذلك الشاب في هدوء بين أشجار الحديقة أمام عمارتنا ...لم أتبين ملامحه شككت أول الأمر في نظري.

في خلال تحركه بين الشجيرات ومع تمايلها مع الرياح , أحسست أنه يتمايل هو الآخر كعودٍ هزيل تتلاعب به الرياح !, كان يسير مترنحاً ...أحسست أول الأمر أنه سكير يهذي في ظلمة الليل

...ولكنّ يقيني أنّ أقرب بار يبعد عن بيتنا مسافة الثلاثين كيلو,جعلني أصرف نظر عن ذلك الهاجس ...كان يتلفت في ريبة يميناً ويساراً وكأنه يخشى قدوم أحد أو يتمنى لقاء أحد ! ,توقف مؤقتاً حينما لمح ضوئاً أزرق ينبعث من أعلى

عربة دورية الشرطة ...فانسل سريعاً وسط حشائش الحديقة التي لم يهذبها أحد منذ فترة مُحاولاً الاختباء


في تلك الأثناء توقفت عربة الدورية

بينما تسربت نغمات من شرفة الشقة تحتنا

أشكيك لمين ...أشكيك لمين

اشعر بقلبي اللي انظلم وياك سنين


اشكيك لمين والخصم انتا والحكم

اشكيك لمين


لحسن حظ الشاب لم يلمح الظابط المترجل حركة الحشائش بينما يشتري حاجياته من المحل بجوار بيتنا

ساد الهدوء مرة آخرى وأخذ الليل يُصارع الفجر القادم بينما يُمسك الضوء القادم من اللاشيء تلابيب الظلام ويبدأ بمحوه من أسفل

بينما يظهر الشاب من بين الحشائش ثم يقف بجوار شجرة ويبدأ بالتحدث ...استغربت أول الأمر وبدأت أشك في سلامة عقله ...ولكنه كان يُحرك ذراعيه شأن من يشرح وجهة نظره إلى جمع من المعترضين على رأيه ... كانت الشجرة كبيرة

حتى أنها كانت تُخفي يديه بينما يلوح بهما ...وبالتالي أظن أن هناك أحد آخر تُخفيه خلف جسدها...فجأة ودون سابق إنذار أخرج من جيبه ظرف وسكين ..

انتابني الخوف بينما أحاول التحرك في أنحاء الغرفة محاولاً سبر غور ماهية الشخصية خلف الشجرة


حاولت الصراخ محذراً وملقياً الخوف في قلب الفتى ولكن أعتقد أني فقدت صوتي تحت تأثير الخوف

فجأة أسند الشاب يديه على الشجرة وأسند الخطاب عليها ثم هوى بيديه الآخرى الممسكة بالسكين على الخطاب فظل راسخاً على الشجرة


بينما تتصبب قطرات من العرق على وجهي رغم برودة الجو

يعدو الفتى مبتعداً ... بينما تبدأ أنفاسي بالانتظام بعد تلك اللحظات اللاهثة

بينما خطرت في رأسي فكرة نابعة عن زوال الخوف من عقلي وزوال الليل من العالم

أن أذهب لرؤية الخطاب وما فحواه !


أصابني القلق أن يكون هناك شيء كان يتحدث إليه الفتى بالفعل


ولكنّي استجمعت شجاعتي وقررت النزول

اصابتني قشعريرة بينما اقترب من الشجرة وقطرات العرق على جبهتي قد تجمدت من الخوف والبرد

ينبح كلب كدت أن أدوس عليه فطار قلبي داخل صدري ...ثم تابعت المسير مرة آخرى وأنا أقول مبتسماً سامحك الله لما لم تتذكر النباح وذاك الفتى هناك!!

...
اقترب من الشجرة ألمح الجواب وفي منتصفه السكين

ويحيط بهما خطوط قد رُسمت على ساق الشجرة تتجمع وتصنع شكل قلب بهتت خطوطه بفعل نمو الشجرة المستمر عليه , أزلت السكين بطرف كمي خشية أن يكون الفتى قد قتل بها أحد الأشخاص

ظهر تحت المكان الذي ثُبت فيه الخطاب حرفان كلاهما ميم

افتح الخطاب فأجد بعض الكلمات أقرأها بصوت عالٍ

مللت انتظارك ولم أشك يوماً أنكِ سوف تعودين يوماً

فجئت هنا عسى أن استمد عطرك الذي بدأ نسيمه في الزوال من حياتي

لقد استطعت أن أرسم وجهك

ولكن كيف بي أن أرسم عطرك