من الأفضل أن أغادر
<< من الأفضل أن أغادر، ومن الأفضل أن يكون ذلك قريبا>>
هكذا كانت تخاطب نفسها والعبرة تخنقها.
<< أجل سأغادر حتى لا يزيد تعلقي، حتى لا يكبر ذلك الوهم في صدري ويضحى واقعا يتجسد أما عيني.
سأغادر كما أتيت أول مرة لا أحمل اي حقائب في يدي لكني الآن أحملها في عقلي وبصيرتي،حقائب رتبتها حسب أهمية وأولوية محتوياتها ثم جعلتها تصطف حسب حجمها محاولة خلق جو من التنظيم قد أعتاد عليه وسط زحمة الأفكار.>>
ولك أن تتوقعي وتتخيلي ما تشائين ......لكن لا تتأملي يا عزيزتي .
قد يتذكرك البعض وربما يبكي عليك، وقد لا تعنين للبعض شيئا فتكوني كطيف عابر لشبح خجول لا يترك خلفه أي أثر. المهم أنه بعد أسبوع على الأكثر سيُنسى إسمك تدريجيا
وتتلاشى البسمة العريضة التي طالما عطرت ذلك المكان، فأنت بالنسبة لهم مجرد آلة تشبه إلى حد ما تلك الآلات المحيطة بك من كل جانب، لا يلاحظون لا بسمتك ولا دمعتك فقط آلة تعمل إلى حين أن يتم إقافها حتى تسترد جزء من طاقتها استعدادا لليوم الموالي ولو أنهم ودُوا لو لم تتوقف.
تنهدتُ بضيق ثم أردفتُ:
<< مستحيل...لايمكن أن أرحل و أُنسى بهذه البساطة، بالطبع لا....
إن لم يتذكروا خدماتي،سيتذكرون ضحكتي،سيتذكرون وجودي أو على الأقل جلوسي طيلة النهار على ذلك الكرسي الأسود.>>
على ذكر الكرسي الأسود، أبشرك يا صديقتي بأنه قد يكون من الكائنات الجامدة التي ستشتاق لك وتفتقد حسك نظرا للمدة الطويلة التي قضيتماها معا، خصوصا أنه قاسمك مشاعر لا تُعد ولا تُحصى فهو شهد:
حزنك وفرحك، فشلك ونجاحك، إحباطاتك وإنجازاتك.......
إذن فلن تهون عليه عشرة عام كامل من المودة والتلاحم.
لازمتُ الصمت واكتفيتُ بنظرة معبرة تختزل كل ما يجول في خاطري فأنا لا أملك الرد المناسب أو الجواب الشافي الذي سيقنعني بأهميتي وسط ذلك المحيط المعقدة أسراره والمتشابكة خيوطه.
ما عليَ استيعابه الآن هو أن ما مررتُ به لا يعدو أن يكون سوى تجربة حللتُ ملاحظاتها وكتبتُ استنتاجاتها هلى ورق غير قابل للتمزيق. أو مجرد محطة من محطات الحياة وقفتُ على أرصفتها أنتظر وسيلة تُقلني إلى المحطة المقبلة، غير أن انتظارها كلفني عاما أدركتُ من خلاله أن الإبتسامة حركة لا تكفي لأن أفرض وجودي في مجتمع لا يؤمن بأنها صدقة وليست ضعف.
تمت