بعمر الزهور.....بقلمي

كنت بعمر السادسة حين كنت أحب تناول كوب الحليب والى جانبه قطعة من الجبنة في مطعم المدرسة بعد نهاية الفصل .

كانت سنتي تلك هي الأولى و الأغرب و الأجمل على الاطلاق .

كان مدرسي رجل طاعن في السن ، أبيض ،طويل، وسيم كالفرنسيين و لطالما ظننته كذلك .

كان عدد زملائي في الصف كبيرا و لا أذكر أشكالهم و لا وجوههم لأنني لم أكن مهتمة و لا راغبة في ترسيخ صورهم في رأسي الصغير .

عدت الى أمي في يومي الدراسي الأول و أنا سعيدة جدا لأنني كنت الوحيدة التي أحفظ اسمي كاملا بينما البقية كان من باك أو جاهل لاسم عائلته و ظننت ان الدراسة تتوقف على حفظ أسمائنا وكنت أطير فرحا و انا اخبر امي انني درست جيدا اليوم و ان المدرس كان فخورا جدا بي .

ضحكت أسرتي كثيرا مني حينها و شعرت بخيبة الأمل لانني ادركت حجم غبائي ...ثم انتقلت الى صراع الجلوس في الصف الأول و لم يكن الأمر سهلا فكلنا كنا نريد الجلوس في الصفوف الامامية و كنت اهلك لبلوغ المنضدة الاولى و انا اعتقد ان من يبلغها فقد فاز بالمرتبة الاولى ثم مع بعض الوقت فهمت ما هي الدراسة .

كنت في منتصف السنة الاولى أجيد القراءة و الكتابة و لكنه ظل سرا خاصا بي وحدي .

الكل عدّا من المعلم الى زملائي الى عائلتي لم يعلموا أنني كنت أحسن القراءة .

كنت في القسم حين يسالنا المعلم ان نقرأ له الكلمة التي يكتبها على السبورة اتحمس و أرفع اصبعي كالبقية فان هو اختارني و أمرني لأقرأ ينعقد لساني و أشعر أن صوتي اختفى و لا ارى السبورة و لا الكلمة و لا المعلم الغاضب ....لا أرى سوى هذه الوجوه الصغيرة التي ترمقني بازدراء ...تتوجه كل هذه العيون نحوى و تتفرسني تفرسا فاقف في صمت و قد ذهب عقلي معهم و اختفى صوتي و انا لا افهم لما ينظرون الي بهذه الطريقة و قد كنت بنتا جميلة ،نظيفة ،لطيفة و لم اكن اتبين بعد الفرق في المظاهر و لم اكن اعرف اني لا البس ما كانوا يلبسون .

كتب المعلم يوما كلمة" بئر" و كنت أعرفها كالعادة و رفعت اصبعي لقراءتها و لشدة غضب المعلم أو ربما فكر انني لا أرى الكلمة من حيث أنا واقفة فاتجه الي و أخذني من يدي الى أمام السبورة و التلاميذ كلهم خلفي و طلب مني أن أقرا في استجداء فما وجدت ما كنت أجده من خوف و قد غابت عني عيون الأطفال الحاكمة و قد خلفتهم وراء ظهري فقرات الكلمة عليه بصوت منخفض لا يسمعه الا هو .

صدم المعلم حين أحسنت القراءة و قد قرأت في محياه كل علامات البهجة و السعادة ... محى تلك الكلمة و كتب عشرات غيرها و قرأتها له كلها بسهولة و يسر.

كانت فرحة المعلم لا توصف حتى انه أحضر الى القسم بعض المعلمين يريد أن يشاركهم فرحته بالطفلة المعجزة التي كنت في نظره بكماء أمية و كان الوحي أنزل علي فصرت من بعد جهل أعلم.

لا أدري بعدها أكان المعلم معجبا بصوتي أم أدرك خجلي من مواجهة زملائي فأراد تخليصي منه فكنت دائما اول من يقرأ و كان قبيل انتهاء كل حصة يدفع بي الى أمامهم و يقف هو خلفهم و يامرني بالغناء و كان أحيانا يدعو بعض المعلمين الى حفلتي الغنائية الصغيرة و التي ليس فيها طبل و لا مزمار ....ليس فيها غير فتاة صغيرة فقيرة جميلة

سلّم سلامات على الأندلس ***بلاد شرفت حياة النفوس

بلاد العرب *** و الفن و الطرب

و جميع الالحان *** يهواها الفنان

اياي ياي ياي يايي ياي ياي ياي

هولّي



كنت اغني بصوت مرتفع فيختفي معه كل أحد ...لا عيون ترقبني و لا أحكام تصدر بحقي ...لم أكن ارى سوى معلمي الطيب المنتشي بصوتي ، الفخور بي .

رحمة الله عليك يا السي صوفي .