قَــرْنَـانِ...عمرسلام
" وَأَوْهَــى قَرْنَــهُ الوَعِـلُ "
الأعشى الأكبر
ينهض في الصباح زاعقا في الفراغ بأقذع الشتائم :
_تبا لكم يا أبناء...........
يرسل كلمةً نابيةً كالقذيفة في الهواء راكلاً إِياه بقدميْه الحافيتيْن المُتقرحتيْن من كثرة ارتطامهما بالفراغ .
إِنه لا يعرف شيئا اسمه حذاء أو نعلاً ولا لباساً مُهندَماً لائقاً ولا حالةً سويةً..فقط يعيش هكذا.
فوضوي هو كما هي أيامه ولياليه.لا عائلةَ له لا أصدقاء..وحدها نفسه تثقل كاهلَه ببَوَارها وكسادها.
يحدق في المرآة(نعم،لاعجب،حتى هو يهتم بصورته منعكسة على الزجاج)،
ينظر الى الشخص الماثل أمامه.إِنه يعرفه، هو عينه تماما،لم يتغير البتة.
لازال كما تركه مساء البارحة..العينان هما العينان..الفم هو الفم و الأنف...
حتى القَرنان لازالا هناك في مكانيْهما فوق جبهته.
يتحسسهما ليطمئن على وجودهما. يستشعرهما كما كانا دائما.
يتنفس الصعداء. يبتسم بعض الشيئ قائلا : _ كلهم ذهبوا وبقيتُ وحدي.
يَصْمُتُ برهةً ثم يردف مخاطبا أعلى جبهته ماسكا بالقرنيْن:
_ الحمد لله أنكما لازلتما في مكانيْكُما.. المهم هو أنتما..
لا يعنيني أن يتغير العالم أو يذهب الى الجحيم... يا عزيزاي....
أراد تقبيلهما لكنه لم يجدْ لذلك سبيلا، فاقترب من المرآة
والتصق بها زامًّا شفتيْه مطبقا على صورتهما المنعكسة قُبلة
مَديدة أنهاها بقهقهة عريضة لم يستطعْ على إِثرها إِمساك توازنه ،
فسقط على الأرض مغشيا عليه.
* * *
يستيقظ وسط زريبة تصخبُ بالثُّغاء واليُعَار.ينظر حوله مُتفقداً
حاله غير مُدركٍ بالتحديد الوضع الذي يوجد عليه .. أين هو ؟؟..
ماذا يفعل في هذا المكان المُحاصَر بآلاف الوعول والوعلات
المُتوجَة بآلاف القرون الناتئة والمُنحنية والمُحْدَوْدَبَة ؟؟؟؟....
يتشممه هذا الحشد من البهائم،
ثم ينصرفون عنه تاركين إِياه غارقا في تساؤلاته..ما شأن هذه الحيوانات؟
و مَنْ جمعها هنا ؟؟ وما هذا المكان ؟؟؟ ......وووووو.........
وَضع يديْه على جبهته ثم تَنفس عميقا .
وعندما هَــمَّ بالوقوف لم يستطعْ الثبات الا ثواني معدودات ،
إِذْ سرعان ما هوى بيديْه على الأرض ليضبط توازنه..
انه التنمل.. لقد نام كثيرا ..لا بد أن يكون الأمر كذلك..هذا أكيد...
سوف يستريح قليلا قبل أن يحاول النهوض من جديد....
مــــــرَّ بعض الوقت.دخل الزريبة رجل متجهم .منتفخ الأوداج.
أحمر الخديْن، ففرت الحيوانات لَدَى رؤيته إِلا هو ظل
في مكانه مُستلقياً على جانبه الأيمن لا يلوي على شيئ .
يَخِـــزُهُ الرجل بقدمه ثم بقبضة قوية متحكمة وخاطفة
من يده اليسرى يطوقه رافعا إِياه الى الأعلى ليطرحه أرضا ،
وفي لمح البصر يمرر الشفرة على حلقومه.
لم يحدثْ شيئ بعد ذلك... فقط كانت مجموعة من الأوعال
تنظر بعيون باردة الى تيسٍ يضرب بظلفيْه المشقوقيْن
المتقرحَيْن الهواءَ ودم كثيف يسيح من عنقه جائرا:
_تبا لكم يا أبناء الـــ......
ولم يكدْ ينهي جملته حتى هوى الرجلُ بساطور على قرنيه........
ثم لا شيئ.