تدخل سماح قاعة الحفلات من بابها الخلفي حيث ترى كل المدعوات و قد أدرن رؤوسهن نحوها في استغراب :ترى من تكون هذه ؟ و لما جاءت متأخرة ؟
بدت سماح عندئذ كسندريلا بجمالها البريء و ثوبها الانيق و حيائها الكبير الذي اضفى عليها رونقا و بهاءا... كادت تتعثر في مشيها من فرط حدة نظرات الكل اليها ...لوحت لها أختها بقوة من بعيد فسر وجهها و اتجهت اليها هرولة .
في خضم موسيقى الراي الصاخبة لم تكن سماح تتكلم الا تمتمة مستعينة ببعض الايماءات .
كانت أم سماح و أختها من أهم المدعوات فالعروس ستكون كنة لحماة سماح و ستعيشان في بيت واحد.
تقاسمت الطاولة الى جانب سماح و أمها و أختها سيدتان غريبتان ،تضعان زينتهن بطريقة ملفتة للأنظار و غير مناسبةاطلاقا و كانتا تتصرفان بكبرياء يفوق المعقول بينما أم سماح بدت بسيطة و منفتحة اكثر مما ينبغي و صارت تتحدث اليهما و تخبرهما بعلاقتها بالعروس و سعادتها من أجلها و انه لولا كان العروس ابن عمها ما رضي بها مع غناها و من ذا الذي سيقبل بالزواج من فتاة بمثل وزنها الخيالي ؟
شعرت سماح بالاحراج من كلام أمها و لكنها تعجز دائما عن ايقافها ان هي قررت الانطلاق فوكزتها بلطف لعلها تكف و لكنها ما استجابت.
هدأت الموسيقى وزينت الطاولات و وزع الخبز عليها و المياه المعدنية و المشروبات الغازية و غير الغازية في انتظار حضور الطعام ...شعرت أم سماح بالجوع كما الكل في الحفلة و قد تأخر تقديمه كثيرا فراحت تقضم بعض الخبز الجاف لتخفف عنها وطأة ما تجده و السيدتان تنظران اليها بحدة للتضييق عليها و لكنها ما كانت تبالي بهما .
و أخيرا حضر الطعام الذي ابتدأوه بتقديم الشوربة التي كانت أم سماح تترشفها في لذة مع اصدار صفير صغير عند كل رشفة ،بينما السيدتان تستمران في النظر اليها بعبوس و قد ابدتا عدم اعجابهما بمذاق الشوربة و اخذت احداهما ملعقة و بدأت ترفعها الى اعلى ثم تلقيها في الصحن لتوحي للجلوس أنها اخف كثافة مما يجب .
لم تلتفت الأم اليهما و قد عرفت ما تصبوان اليه فتناولت صحنها بكل لذة و اتت على الثاني و هما لا تزالان غارقتان في تعجرفهما .
قدمت السلطة كأبدع ما يكون و فيها من كل الخضار ما يفتح شهية السقيم فتكرمت السيدتان بابتلاع ورقتا خس مع قطعة طماطم و انسحبتا.
كان الطبق الثالث لذيذا جدا و قد أحبته سماح كما أختها و أمها :لوبياء خضراء مع لحم الغنم المشوي فتناولنه بصمت و أدب بينما ظلت السيدتان أمامهما تقلبان فيه بأصابعهما كأنما تفتشان عن شيئ ما ...ربما يدس أحد لهما سما بالطعام .
جاء الطبق الرابع دجاج مشوي بالزيتون و الفطر و بعض البطاطا المقلية ...من لا يحب الدجاج المشوي ؟انه حبيب الكل غير ان السيدتان مختلفتان معه في أمر ما لذا حولتا أنظارهما عنه و شتمتاه بالقول : اووووه الدجاج المقرف .
تساءلت سماح حينها ما الذي قد يرضي هاتين السيدتين و لما جاءتا للحفل أصلا و ان كانتا تنويان الصوم عن الطعام أما كان يجدر بهما تاخير ساعة حضورهما الى ان يتعشى الجميع ؟ هل من اللطف ان تعيبا الطعام و غيرهما يقبل عليه و يحبه ؟
كادت أم سماح تعلق معهن لكن ابنتها همست لها بتجاهل الامر .
و أخيرا الطبق الحلو برقوق و مشماش و لحم ...تصورت سماح ان السيدتان ستأكلان منه قليلا و لكنهما قوستا شفتيهما في استنكار و ادارتا وجهيهما عنه في انتظار المزيد.
قالت أم سماح :هل تنتظران شيئا آخر ؟ و الله سأجمع كل ما تبقى من هذه الطاولة و أمنحه للكلاب صدقة مني و لن أبقي لكمامنه شيئا .
تظاهرت السيدتان كأنهما لم تسمعا ذلك و استمرتا في أحاديثما غير مباليتين حتى قدمت الفواكه :موز و تفاح .
نظرت الام الى وجهي السيدتين و عرفت أنهما ترغبان في الفاكهة فجذبت الطبق نحوها و أقسمت ألا تذوقا منه شيئا .
انصرفت السيدتان و قد اكل وجهيهما الغيض الى طاولة أخرى و لم تنطقا بكلمة واحدة .
شعرت سماح بالخجل من تصرف أمها و لكنها في اعماقها كانت فخورة جدا بها و قد أشفت غليلها من ذينك السيدتين المغرورتين ثم علمت لاحقا أنهما خالتا العروس .