الآنسة هتلر.....بقلمي

هنا ولدت و هنا ترعرعت و هنا اشتغلت .

مسكينة أميرة ،ليس فيها جميل غير اسمها فخلقها و خلقها سيان ،قبيحة منذ ولدت و زانها سوء طبعها و خيلائها .

تحقد على اختها الصغيرة وفاء لأنها تزوجت قبلها بينما لم يلتفت اليها احد و لكنها تستفزها الآن بعد أن اختلفت مع زوجها و عادت الى بيت الاسرة و هي حامل في شهرها الثامن .

تحقد أميرة أيضا على أخيها لأنه أخذ حظها من الوسامة، رغم أنه ليس بحاجة اليها فهو رجل و الرجل لا يعاب عليه غير جيبه

تمقت أميرة زوجة أخيها الجميلة ، الطيبة لأنها تذكرها بكل ما ليس فيها و تتمنى أن ترحل مع زوجها بعيدا عن هنا، كي يتسع المكان قليلا، فربما حينها يأتي من يخطبها طمعا في إيوائه ، و لما لا و البلد تعرف أزمة سكن كبيرة.

إنه يوم الأحد ، أول أيام الأسبوع و أكثرهم طولا و مللا.

تعمل أميرة في دار البلدية و تتجه إليها مشيا على الأقدام ،تعرف كل بيت و كل لافتة و كل حفرة حتى انها تستطيع الوصول الى مقر عملها معصوبة العينين.

الرتابة تقتلها في العمل ، الكل يغتابها مع أنهم يحتاجونها، طبعا فهي كاتبة المدير العام .

تعرف أميرة أن الزملاء يطلقون عليها تسمية الآنسة ''هتلر'' و لكنها لا تبالي و قد يروق لها الاسم أحيانا لأنه يشعرها بالقوة و الجبروت .

طلبت أميرة منذ يومين سلفية من الادارة لتغطي مصاريف ولادة أختها لكن المدير لم يستجب لطلبها .

فكرت و دبرت و لم تجد بدا من الدخول عليه و مطالبته بحقها.

دقت الباب بعنفها المعهود و دخلت على المدير بوجه مشرئب و سألته عن سبب رفضه طلبها .

أقبل عليها المدير في رقة عجيبة و طلب منها الجلوس ليتحدثا في هدوء .

سألها عن سبب ذاك الطلب فردت أن الأمر لا يعنيه و حاول الرجل تمالك نفسه و أضاف أن الادارة تعاني أزمة سيولة و لكنه يستطيع تدبر المبلغ ان هي أخبرته بحاجتها به .

استغربت أميرة من فضول المدير و شكت أنه لا بد اختلس مال الادارة أو شيئا من هذا القبيل و ردت أنها لا تحتاج صدقة من أحد و همت بالخروج بينما المدير يدعوها للبقاء .

شعرت أميرة بالغضب و الازدراء و ضبطت نفسها بالقوة لحين أوان فترة الغذاء .

عادت أميرة تسب و تلعن في طول الطريق الى أن وصلت الي البيت و قبل أن تفتح الباب وجدت أمها بانتظارها بالأحضان و أختها الصغيرة مبتسمة لها و حتى زوجة أخيها في عينيها بهجة لا تخفى.

طلبت الآم من أميرة أن تتغذى بسرعة و تلحق بها الى غرفة المعيشة لإجراء حديث جدي و خاص .

تعجلت أميرة في تناول السمك الذي التهمته ببعض أشواكه و ذهبت الى أمها لترى ما في الأمر .

طلبت الأم من أميرة أن تفكر على مهل في قضيتين اثنتين : الأولى، أنه قد تقدم لخطبتها صديق أخيها ''العربي'' الذي كان يزوره في البيت و قد انتقل للعيش في اسبانيا و أحواله على خير ما يرام ،لديه سكن خاص و سيارة و عمله مستقر و يقبض راتبا شهريا مغريا .

أما الثانية، فانه أيضا قد تقدم لخطبها الجواهرجي محمود و هو رغم زيجاته الثلاث و أولاده الذين لا تحصيهم و تقدم سنه الا أن ثراءه فاحش و قد يموت في أية لحظة فترث ما شاء الله لها أن ترث.

صدمت أميرة من وقع الخبرين فكلاهما يسران القلب الحزين الذي عشعشت فيه العناكب منذ زمن .

لم تدر أميرة أي الرجلين تختار و لم تعرف كيف تجيب و بقي الكل يترقب ردها حتى تداركها وقت العودة الى العمل فخرجت من غير غسل أسنانها من رائحة السمك النتنة .

بدت الطريق الى العمل مختصرة جدا و قد وصلت أميرة قبل أوانها بدقائق و نسيت أمر خصومتها مع المدير .

جلست على مكتبها في سعادة و اذا بالمدير يدخل عليها منتفضا : أخبريني ماذا تنوين أن تصنعي بالمال الذي تطلبينه ؟

ذهلت أميرة من ردة فعل المدير و أجابت :سأتزوج ،نعم سأتزوج .

ظهرت على المدير آثار الحيرة و الضياع و اقترب منها قائلا :كيف تتزوجين و مع من ؟ كيف تصنعين بي هذا ؟ أنا أحبك .

لم تصدق أميرة ما سمعت و لم تفكر سوى في شيء واحد : الهروب فحتى السباب ستعجز عنه بسبب قرب المدير منها مع ما تفرزه رائحة السمك المقززة الصادرة من فمها .

حاولت أميرة فتح باب مكتبها و اذا بكل الزملاء خلفه يصغون لما قاله المدير لتوه .

وقفت أميرة مشدوهة لما يحصل معها و أمر المديرحينها الجميع بالدخول و قال لهم و هو يجثو على ركبتيه أمام أميرة : اشهدوا أنني أحب الآنسة هتلر و أمام الكل أطلب يدها للزواج .

قالت أميرة :لا ، لا، هذا أكثر من الحلم ، و نظرت الى زملائها من باك و مبتسم و مستغرب و حاسد و قالوا جميعا : اقبلي عرضه يا أميرة .

غادرت أميرة المكتب في بكاء حار مخلوط بين الفرحة و الذهول و عادت الي البيت لا تريد سوى زوجة أخيها و راحت تخبرها بكل ما حدث لها وعن شدة حيرتها ، فطبطبت على ظهرها بحنان متدفق و نصحتها بصلاة الاستخارة قبل النوم و سيجعل الله لها نورا تهتدي به الى طريقها.

استجابت أميرة لنصيحة زوجة أخيها فصلت و آوت الى فراشها بعد يوم شق عليها احتماله .

في الصباح استيقظت أميرة في كامل نشاطها و هي تبتسم من فرط السعادة

جلست على مائدة الافطار حيث اجتمعت الأسرة كلها ....سكبت لهم القهوة بنفسها و قالت لهم : أعرف أن الكل ينتظر ردي بفارغ الصبر و لكني مع أسفي الشديد يا أمي لن أقبل الجواهرجي لإرضائك بالتمتع بثروته لأنني لست للبيع، و لن أقبل عرض صديقك أيضا يا أخي - و أنا اعتذر – لأنني لا أنوي الهجرة بعيدا عنكم و انتم أحب الناس الى قلبي وقد اخترت الزواج من مديري لأنه اكثر الناس دراية بطبعي و فهما لمزاجي .

صمت الجميع هنيهة ثم انقلب المطبخ الى مصح للمجانين حيث انفجر الكل في ضحك هستيري و الأم تسألها : أعيدي علينا من خطبك ؟

لم تدرك أميرة حجم المأزق الذي وضعت نفسها فيه إلا حين القت ناظريها على الرزنامة لترى أنه يوم الأحد.