كانت الحافلة تعج بالركاب فهي الاخيرة لنهار هذا اليوم.
كل الوجوه عابسة ،متعبة ،بائسة و بعضهم يغمض عينيه يبتغي بعض الراحة او تفاديا لحوارات محتملة عقيمة أو احراج سيدة عجوز أو حامل أو حتى سيدة متعبة ،فيضطرالمرء حينها تسليم مكانه مكرها لاحداهن .
تقدمت احدى السيدات من أحد الرجال و مالت بجسدها كله نحوه فاستحى و وهبها مكانه .
جلست السيدة في سرور لا تكاد تخفيه و وسع الباقون لها المجلس فهي امرأة و هم رجال و ان لم يفعلوا فقد تلتهمهم بنظراتها و تتهمهم بالتحرش ولا طاقة لأحد في مثل هذه الساعة على العراك.
تقدم بائع التذاكر يتمايل يمينا و شمالا لا يبالي ان هو دفع هذا أو دفعه ذاك فللحافلة قوانين و مواقف لا يمكن معها الا التنازل في صمت و التسامح قدر الاستطاعة ريثما يبلغ كل راكب محطته .
وصل بائع التذاكر عند صاحبتنا فتفقدت محفظتها و لم تجدها.
ارتبكت ...جزعت و نظرت الى السيد الذي منحها مكانه .
راحت تفتش في عينيه عن علامات خيانة او قلق ...شعر الرجل بالتوتر من حدة نظراتها نحوه فاتهمته بالسرقة و حاولت تجميع الناس حوله قبل ان يفكر بالهرب ...زاد ارتباكه حين هم بعض الناس بتفتيش جيوبه فامتنع عنهم و رفض ان يقترب منه احد.
نطق صوت رشيد من أعماق الحافلة طالبا من السيدة التمهل واعادة تفتيش حقيبتها في حين أحكم بعض الناس قبضتهم على الرجل يخشون انفلاته.
فتشت في شك موقن و اذا بها تخرج محفظتها من جيب حقيبتها السري .
بدا الذهول و الخجل عليها جليا و قد فتحت فمها مدورا على كبر حجمه أمام الجميع : وجدتها ،انها هنا.
انقلبت نظرات التعاطف نحوها بقدرة قادر الى سخط و صار المتهم بريء و اخلي سبيله في الحال و الذي بدأ بسلسلة تذمر تفتت القلب مؤنبا السيدة بعد ان اشفق عليها و منحها مكانه و قد كان التعب يضنيه و لايقوى على الوقوف على قدميه أيكون أول من تشك به و تسيء اليه ؟ قالت مبررة بعذر اقبح من ذنب انه كان اقرب شخص اليها لذا كان احتمال سرقته اكبر ثم ان منظره المتسخ دعم شكها اكثر .
كاد الرجل ينفجر من سماع كلماتها بحضرة الكل :ماذا تقصدين بمظهري ؟هل أبدو لك متشردا أم متوحشا ؟
لم تشعر السيدة بالخجل و لا بالندم على ما قالت ...أدارت وجهها ممتعضة و كأن حديث الرجل ازعجها حين اعطى لكرامته اكثر مما تستحق فقالت : ماذا تريد ؟ لقد اعتذرت و انتهت القصة .
نطق الصوت الرشيد ، يحكي قصة مماثلة ففرض صوته الهادئ الرصين بعض الصمت في ارجاء المكان :منذ شهر أو يزيد حدث شيء مماثل تماما، افتقدت سيدة هاتفها النقال في الحافلة و لم تتردد لحظة واحدة في توجيه الكل رأسا الى مركز الشرطة و تم تفتيشهم فردا فردا و لقي كل ذي حق حقه من الشتيمة ثم اهتدى أحد عناصر الشرطة الى طلب رقم هاتف السيدة السيدة و اتصل به فاذا بانتها ترد من خلاله مؤكدة ان امها نسيت هاتفها صبيحة اليوم في المطبخ ، أليس هذا جنونا ؟؟؟
راح الكل يتمتم برأيه يحكي حكايته و عادت الفوضى العارمة الى الحافلة حتى استوقفت السيدة السائق بعد أن بلغت محطتها فنزلت غير مبالية و لا متأثرة و نزلت السكينة خلفها و ساد الصمت من جديد .
