بين زمنين
الأمر هنا بسيط بساطة كوخ البدوي..
خرجت تلك الليلة لأوزع رسائلي على كل من يحمل هم الحروف الأبجدية و البشرية حتى..كي يستفيق من غفوته..
لكن عندما تذكرت ..وقفت منحنيا للنداء القادم من وراء ذاك الضباب..فوقفت أمامي جبال الحيرة سدا منيعا كي لا أفعل..
كنت أنصت لخطاب هذا المنع بروية عندما اخترق سمعي صوت ذاك الشيخ الهرم و هو يلوح بعصاه قائلا :
ويحكم يا أجيال الكدح و الفضح كل شيء في زمانكم بثـــــــــمن..حتى كلمة حق في شهادتكم بيعت بالمجون ..
و عري بناتكم و نسائكم أصبح مباحا و إلا أنتم متخلفون ..
شربتم حتى الثمالة من بقايا الدنس..و أصبح الرجل هو بائع عرضه و دينه..و المرأة تتاجر بثدي ابنتها في السوق العليا
للعهارة..أدخلوكم سوق النخاسة فهمسوا في آذانكم الصماء أن هذه هي الحضارة..وسيقت شعوبكم الى المقصلة نهارا جهارا
و أنتم هاهنا تعثون في الأرض فسادا...
ثم قال : كان موتي أفضل من أن أعيش معكم هذا الضلال..
فتشت عن الرجل لأرد عليه الكلام ..كان وحيدا يقبع بحضن الغبش..وحيدا يصارع آخر قلاع الظلام ..
ظلام بنته أجيال مرت ذات يوم راكبة صهوة الجهل و الغدر و العار ..فرفعت صوتي و لوحت بيدي الى الوراء قائلا:
هذه بضاعتكم ردت اليكم يا عم ..فلو أحسنتم لأحسنا ..فمنكم الصالح و منكم الطالح فلا يغضبنك ما تراه من قبح و لؤم و فساد ..
فنحن مثلكم.. جيل تمرد واستفاق بعد غفوتكم ليزيح الغشاوة ..و يرسم شكلا للطريق و آخر للقمر ..
اقتربت منه أكثر وجدته جثة هامدة طواها الزمن ..تيقنت أن سفري في ذاك الإتجاه لم يكن سوى أحلام تائه أعياه الإنتظار..
و أنني الآن وحيد أعيش بين زمنين .. حملت كراسة مذكراتي و عدت أدراجي و نواقيس الزمن الحزين توصيني أن لا أنكسر و لا أستكين...