تهور
لدي هموم لا أعرف إسما و لا عنوانا لها، تأتيني من ماضي سحيق يتبعني لاهثًا يقترب مني تارة و أهرب عنه تارة أخرى، يوقظ في الرغبة جامحة في الانتقام و تطويق رقبته ومرات في مسامحته و نسيان ما فات و لم يمت بعد . كان بالنسبة لي منقذي و كنت بالنسبة له علاقة حب عابرة و جسدا يفرغ فيه شهواته. أتذكر قوله انه رجل صالح، يحب "المَعْقُول"و أن له مدة طويلة يبحث عن الاستقرار و المسكين يعاني من فراغ و ملل قاتلين و سيكون معي في السَّراء و الضَّراء.
ثم طلب مني أن اذهب معه ليعرفني بأمه ، فأجبته بنبرة طفولية :
-(لا يجوز أن اذهب معك و أنت لم تعقد القران بي بعد على حسب قول أمي)
- و ماذا تعرف أمك و هي لا تجيد إلا الأمر و النهي، لم تستطع حتى ربط زوجها بوثيقةلذلك لا تهتميبالشكليات يا عزيزتي .)
سرحت طويل و أنا عائدة للمنزل في كلامه الصائب فبالفعل أمي لا تجيد إلا تكديسنا في غرفة واحدة ولومنا أننا سبب هرب زوجها الثالث.
دخلت ،وضعت أحمر الشفاه بسرعة، أطلقت العنان لخصلات شعري و خرجت على أصابعي رجلي كي لا يحس بي
أحد ثم إنزلقت على مقعد سيارته المكشوفة بكل حيوية و حماس .
كانت الطريق خالية إلا من بعض السيارات، فالظلام بدأ يكتسح السماء , طوال الطريق كنت أرمقه يتطلع بوجهي الملائكي بعينيه الخضراويين الغائرتين و نبضات قلبي تزداد سرعة ، لم أعد أحس بأعضاء جسمي ،و العرق بدأ يتصبب من جبني يا ترى أين سينتهي هذا الحب الأفلاطوني!و بصوته المبحوح أردف قائلا :
-(لقد وصلنا)
كان المكان فسيحا لا يسمع فيه غير زقزقة الطيور التي تتأهب للرحيل و نباح كلب شرس .و بحركة سريعة فتح لي الباب بكل رقة و أدب, و طلب مني النزول شعرت حينها برغبة جارفة بالبكاء و العودة لمنزلي، أمسكت قميصه و همست
في أذنه:
-( أريد العودة أتركها لمرة أخرى من فضلك)
قََطب حاجبيه و تغيرت ملامحه فامسكني بقوة من معصمي و أخذني نحو الباب و هو يقول
-(لا تخافي لست غريبا دعيني أريك قصرك يا ملكتي)
و بينما هو يبحث عن المفتاح فررت من يديه ثائرة بحث عن مخرج بكل ما أوتيت من قوة لكنه كان أقوى و اعلم بالمكان شدني من شعري و لفه بين يده جيدا كغول متوحش إنقض على فريسته ..
أدخلني المنزل المهجور، ربط يدي و أجلسني على كرسي اسود يغطيه الغبار.
توجه مباشرة إلى أريكة قريبة مني و تمدد عليها. كانت رائحة المكر و الخداع تفوح منه ،و قذارة الرغبات تعشش في بريق عينيه ،و الكلمات النابية تسكن كلامه وهو يخاطبني قائلا "لماذا تخافين مني حلوتي ...تمثلين أمامي الآن هههه أتردينني أن اصدق انك طاهرة و تخافين على شرفك، كما قبلت أن تأتي معي أكيد انك فعلت أكثر مع آخرين..."
لم اجبه أخفضت راسي ،و أنا العن و اشتم نفسي سرا و اشعر باشمئزاز و كره من أفكاري من سذاجتي من عجزي و كذا كل من يدعوا إلى حرية الفتاة وكذا من ساهم في اختزال المرأة في جسدها...
لم أتذكر أي شيء بعد تأنيب الضمير الذي ساورني، و السؤال الذي حاصرني و تردد على هذا السطل الذي املك بدل عقل. و قبل أن اخرج من دهشتي و يفقد السؤال قواه الاستفهامية و جدتني فوق سرير غارقة في بركة من الدماء و كل عضلاتي تؤلمني واقعة في دهشة أخرى و سؤال أخر
(ماذا عساني افعل)..
