إنها نفيسة .................بقلمي العائد

إنها نفيسة
كانت في حارة شعبية، يختلط فيها الناس بين فقير و أفقر منه، مساكنهم لم تكن تتجاوز عتبة حياتهم الإجتماعية، يطلقون عليها إسم "عشوائيات" بينما تستطيع أن تلمس النظام فيها،إسمها "نفيسة"، سيدة في خريف عمرها تعيش وسط هؤلاء اللذين هم قومها و جيرانها، الكل يعرفها ويشفق على حالها وبها يؤرخ الناس لأحداثهم و بها يعنونون أزقتهم، فتسمع عبارات متداولة كثيرا من قبيل "إذهب إلى الدكان اللذي يوجد في درب نفيسة"....
عاشت وحيدة و جميع من في الحارة لم يدري لها أصل ولا من أين أتت، أغلبهم خرجوا من بطون أمهاتهم على يد السيدة "نفيسة"، فهي لم تترك شغلا إلا امتهنته، تكنس،تطبخ،وتنظف... أذكر أنها بمثابة معشبة و صيدلية الحي، مستشارة لشؤون نساءه، و حتى معالجة لفلذات أكبادهن.... ببساطة لم يكن لها أطفال أو حتى قريب لها فحاولت مسكينة أن تكسب حب الآخرين و تحضنهم مجانا...
اليوم و أنا أمر بجانب منزلها - بالأحرى كوخها- استحضرت أيام الصبا حين كان آباؤنا يعاقبوننا لفعلة أو لأخرى، لم يكن لدينا ملاذ سوى خالتي نفيسة اللتي تسعدنا بطريقتها، الكوخ رغم أنها هجرته إلا أنه لا يزال وفيا لما تركته عليه، الباب لازال كما هو صغيرا يكاد لا يدخله إنسان عادي بنوافذه البسيطة وشكله المربع ذي السقف الحديدي...
رحلت نفيسة لدار البقاء والحي العشوائي أصبح اليوم راقيا، توسع بشكل كبير و شيدت فيه بنايات كبيرة و سكنه أناس –مستوطنون- من طبقة أخرى غير اللذين ألفناهم إبان خالتي نفيسة، والغريب أن الحي ورث الإسم لكثرة استعماله "حي نفيسة"، إسم امرأة لا ولم يعرفوا من تكون ، وأقول لهؤلاء المعمرين الجدد أننا نحن محظوظين لأننا أمضينا أحلى فترات عمر الزهورمع هذه السيدة اللتي و إن إسترخصتها الظروف غير أنها بالفعل نفيسة.