ابتدأ الامام عبد الحميد _ رحمه الله _ بذكر تعريف علم مصطلح الحديث وقد سبق الكلام على تعريفه
وتعريف السند والمتن في جملة من التعريفات نحيل عليها
ثم قال رحمه الله
(أقسام الحديث
وينقسم الحديث باعتبار تلك الأحوال إلى أنواع ، كلّ نوع منها يلقب بلقب
فمنها ):
قلت
تنقسم الاحاديث في الجملة الى ثلاثة اقسام
الصحيح والحسن والضعيف
والمحدثون الاوائل كانو يقسمون الحديث الى قسمين صحيح وضعيف
ويدرجون الحسن في قسم الصحيح
واستقر الامر عند المتاخرين على تقسيم الحديث الى الثلاثة اقسام المذكورة
قال السيوطي:
(والأكثرون) قسموا هذي السنن *** إلى صحيح وضعيف وحسن
ويقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
وأهل هذا الشأن قسموا السنن *** إلى صحيح وضعيف وحسن
_والصحيح بدوره ينقسم الى قسمين صحيح لذاته وصحيح لغيره
وكذلك الحسن قسمان حسن لذاته وحسن لغيره كما سياتي بيانه
واما الضعيف فهو انواع كثيرة سياتي ذكر بعضها باذن الله
1_ اولا الصحيح لذاته
عرفه الامام بقوله (وهو ما رواه العدل الضابط التّامّ الضبط ، عن مثله ، واتّصل كذلك من أوّل السند إلى آخره وسلم من العلّة والشذوذ)
_قلت
الحديث الصحيح لذاته
هو الحديث الذي يرويه العدل تام الضبط عن مثله متصل السند الى منتهاه من غير شذوذ ولا علة قادحة .
يقول الحافظ العراقي:
فالأول المتصل الإسناد بنقل عدل ضابط الفؤاد .
عن مثله من غير ما شذوذ وعلة قادحة فتوذي
انظر : "المقدمة في علوم الحديث" (
والذهبي في "الموقظة" (24)
وحاصله أنه ما اشتمل على شروط خمسة.
1- عدالة رواته.
2- تمام ضبطهم
3- اتصال السند.
4- انتفاء العلة القادحة
5- انتفاء الشذوذ.
_ الشرط الاول عدالة الرواة
العدالة هي: ملكة تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة،_والملكة الصفة الراسخة _
التقوى: فعل المأمورات واجتناب المنهيات.
والمروءة
: آداب نفسانية تحمل مراعاتها على التحلّي بمحاسن الأخلاق وجميل العادات
ويرجع في معرفتها إلى العرف، فيختلف باختلاف الأشخاص والبلدان، فكم من بلد
جرت عادة أهله بمباشرة أمور لو باشرها غيرهم لعدّ خرماً للمروءة( - نقله
السخاوي في فتح المغيث 1/270 عن الزنجاني في شرح الوسيط )
و العدل : المسلم البالغ العاقل السالم من أسباب الفسق و خوارم المروءة .
فقولنا:
المسلم، يخرج الكافر فهو غير مؤتمن على الدين.
البالغ يخرج به غير البالغ فهو غير مكلف
العاقل ، يخرج المجنون وهذا واضح.
السالم من أسباب الفسق، لا يتعاطى ما يفسق من المعاصي.بارتكاب كبيرة او اصرار على صغيرة .فلاتقبل رواية الفاسق .
السالم من خوارم المروءة، لا يفعل ما تعارف عليه الناس أنه يذهب بحشمة الرجل..ومروءته
والعدالة شرط اداء وليست شرط تحمل
التحمل : أخذ الأحاديث عن الشيوخ
والأداء هو رواية الاحاديث للتلاميذ اي حين تؤدي إلى التلاميذ،
فمن تحمل الحديث حال كفره او فسقه ثم اداه حال اسلامه وعدالته قبل حديثه
فالعبرة بحال الاداء لا حال التحمل
ففي «صحيح البخاري» عن جبير بن مطعم قال: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ في المغرب بالطور»
فالصحابي
الجليل جبير بن مطعم رضي الله عنه كان كافر عندما سمع و تحمل هذه الآية ،
.فإنه كان وقت التحمل أسيراً من أسارى بدر قبل أن يسلم،
ولكنه حين اداها كان مسلما فقبلها المسلمون واخرجها البخاري في صحيحه
قال الحافظ ابن حجر: (واستُدِلَّ به على صحة أداء ما تحمله الراوي في حال الكفر، وكذا الفسق إذا أداه في حال العدالة)
لكن لا بد من التمييز حال التحمل ولايشترط البلوغ
والدليل على ذلك: حديث محمود بن الربيع رضي الله عنه في
صحيح البخاري في كتاب العلم قال: (عقلت مجة من النبي صلى الله عليه وسلم
مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين). ولا شك أن الغلام في هذه السن لم يبلغ،
ولكنه حينما ميّز وعقل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم معه وهو في هذه
السن قلنا بصحة التحمّل قبل البلوغ،
ولأن المسلمين قبلوا رواية صغار الصحابة كالحسن وابن عباس وغيرهما من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ أو بعده .
وتثبت العدالة بالشهرة بين أهل العدالة واستفاضة الثناء عليه بالعدالة أو بتتصيص عالمٍ ثقة على أنَّ فلانٌ عدل.
_الشرط الثاني الضبط التام
الضبط التام هو قوة الحافظة والوعي الدقيق وحسن الإدراك
في تصريف الأمور والثبات على الحفظ وصيانة ما كُتِب منذ التحمل والسماع إلى
حين التبليغ والأداء عالما بما يحي المعاني ان روى بالمعنى
فلضابط هو : الحافظ اليقظ غير المغفل والشاك والساهي في حالتي التحمل والأداء،
الضبط نوعان :
1) ضبط الصدر: ويُطلق عليه أيضا ضبط الفؤاد : وهو أن يحفظ الراوي ما سمعه حفظا يمكنه من استحضاره متى شاء.
2)
ضبط الكتاب : وهو أن يصون كتابه الذي كُتِب منذ سمع فيه وصححه إلى أن يؤدي
منه ولا يدفعه إلى من لا يصونه ويمكن أن يُغيّر فيه أو يُبدّل.( - نزهة
النظر ص 83 . ).
قال الحافظ العراقى فى ألفيته :
بِأَنْ يَكُونَ ضَابِطًا مُعَدَّلًا ... أَيْ يَقِظًا وَلَمْ يَكُنْ مُغَفَّلًا
- يَحْفَظُ إِنْ حَدَّثَ حِفْظًا يَحْوِي ... كِتَابَهُ إِنْ كَانَ مِنْهُ يَرْوِي
- يَعْلَمُ مَا فِي اللَّفْظِ مِنْ إِحَالَهْ ... إِنْ يَرْوِ بِالْمَعْنَى .
ومجموع العدالة والضبط ينتج منهما وصف لا بد منه في الرواية هو الثقة،
الثقة: هو عبارة عن اجتماع العدالة والضبط،
فقد يكون الرجل عدلا بمعنى مستقيما على الطاعة مجتنبا للمعاصي ولكن لايكون ضابطا حافظا فلا يكون ثقة .
وعندما نقول الضبط التام ليس معناه ان لايخطئ وانما معناه ان يكون خطاه يسيرا وقليلا في جانب حفظه وضبطه وصوابه
وعبرنا بالضبط التام لان من خف ضبطه يكون حديثه حسنا ولا يكون صحيحا كما سياتي بيانه
_بماذا يعرف الضبط
يعرف الضبط بامور منها
-استفاضة ضبط الراوي بين الأئمة، وهذه الصورة هي أعلى الصور
_تزكية بعض أئمة الجرح والتعديل للراوي بأنه يحفظ حديثه ويتقنه .
_
بسبر مروياته وتتبعها ، وعرضها على رواية الثقات الحفاظ ؛ فإن كان الغالب
عليه الاستقامة والموافقة فهو الثقة ، وإن كان الغالب عليه المخالفة
والمنكرات فهو الضعيف أو المتروك ، وإن كانت وجدت عنده المخالفة مع أن
الغالب عليه الاستقامة فهو الصدوق وحسن الحديث
_باختبار الراوي وطرق الاختبار كثيرة .
_بالنظر
في كتاب الراوي : فيُعرف اختلاطه - مثلاً - وذلك إذا كانت رواية القدماء
عنه مستقيمة ، ورواية الأحداث عنه مضطربة ، فَيُعْلَم من ذلك اختلاطه بأخرة
.
_الشرط الثالث اتصال السند
الاتصال هو هو سماع كل راو من الراوي الذي فوقه
فلا يكون هناك انقطاع في السند بين الرواي ومن روى عنه بل لابد ان يكون سمع الحديث ممن رواه عنه
بمعنى أن نتأكد أن كل راو سمعه ممن رواه عنه .
والسند تقدم تعرفيه وهو سلسلة الرواة الموصلة لمتن الحديث
ويثبت الاتصال بطرق منها
1. أن يصرح الرواي بالسماع ويكون ذلك بقول حدثني أو سمعت
2. أن يثبت التقاء الراوي مع شيخه .
3. أن يكون معاصراً له مع امكانية اللقاء
وقد أشترط البخاري في صحيحه ملاقاة الراوي مع شيخه, ولم
يشترط مسلم في صحيحه الالتقاء واكتفى بالمعاصرة مع امكانية اللقاء لإثبات
اتصال السند باعتبار أن العدل لا يكذب.
فاذا روى الراوي حديثا واسقط منه روايا او اكثر كان هذا انقطاعا في السند
والسند غير المتصل يسمى منقطعاً هذا في الاجمال
وصور الانقطاع في السند اربعة
أن يكون الانقطاع من أول السند ويسمى المعلق
_أن يكون الانقطاع من آخر السند بعد التابعي وصورته أن يقول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ويسمى المرسل
_أن يكون الانقطاعُ في أثناء السند (وسطه) براوٍ واحد أو أكثر لا على التوالي ويسمى المنقطع
_أن يكون الانقطاعُ من أثناء السند بإثنين فأكثر على التوالي ويسمى المعضل
وسياتي باذن الله مزيد تفصيل حول هذا عند الكلام عن الحديث المنقطع .
_الشرط الرابع انتفاء الشذوذ
والشاذ لُغَة: الْفَرد أَي بِمَعْنى الْمُنْفَرد.
واصطلاحا الشاذ: هو ما خالف فيه الثقة من هو أوثق منه اما عداد او توثيقا ..
صورته ان ياتي راو ثقة فيخالف من هو اوثق منه واحفظ او يخالف جماعة من الثقات
فتقدم رواية الاحفظ او رواية الجماعة التقات ويرد حديث من خالفهم ويسمى شاذا
والشذوذ يكون في السند وفي المتن .
ويأتي الحديث عن الشاذ في موضعه إن شاء الله.
_الشرط الخامس انتفاء العلة القادحة
العلة لغة المرض
واستعيرت في الحديث
وفي الاصطلاح
العلة القادحة :هي سبب خفي غامض يقدح في صحة الحديث الذي ظاهره السلامة
منها، ولا تظهر الا للمتبحر في هذا الشان .و تكون في الاسناد وفي المتن
وزدنا كلمة قادحة لان هناك عللا لا تقدح في صحة الحديث .
وياتي الكلام على العلة عند الحديث المعلل
________
فهذه الشروط الخمسة متى اجتمعت في الحديث كان صحيحا لذاته واذا فقد منها شرط فقدت الصحة
_حكم العمل بالحديث الصحيح