من يشتري كبشا للعيد؟
-موني , سٍأشتري أغناما للعيد إن شاء الله .
- عيد الأضحى مازال بعيدا عزيزي.
-لا,لا أقصد كبش العيد بل كِبَاشًا للتجارة ..
-صرختُ بدهشة: هل جننت, ألم تتب !؟
-لاتخافي لن تمطر مثل العام الماضي ...
-تأملته بغباء ! ,ووجدتني أتذكر تلك الأيام العصيبة ,كان ذلك منذ عام تقريبا,حين قرر زوجي مع صديقه شراء الأغنام وإعادة بيعها قبل عيد الأضحى ,ورغم المد والجزر و الصراخ والزجر , و الرجاء والتوسل والمكابرة والعناد بيني وبينه ,فقد عزم على المضي في مشروعه رغم تحذيراتي و نصحي..
قائلا لي : لاعلاقة لك بأمـــور الرجال ,أنتِ لا تفهمين شيئا وكأنه هو وصديقه المهندس ذا خبرة أو دراية بعالم الأ غنام بل أجزمُ أني كنتُ أفوقهما خبرة.
-تم لهما ماأرادا أخيرا و إشتريا "ثمانين "كبشا ومع وصول الدفعة الأولى منهم بدأت الأمطار تهطل بغزراة, ولم يكن مكان السكن الخاص بهم جاهزا بعد , فتم تجميعهم بقسوة ووضعهم في غرفة ضيقة..كان البداية الممطرة تنذر بما هو قادم ...
إستمرتْ الأمطار لمدة أسبوع دون توقف ,فعانتْ الكباش من الضيق والبلل و عاني زوجي و صديقه أكثر في محاولة لصنع كوخ كبير ليأويهم ...
كان يعود كل مساء منهكا جائعا مقهورا.. و قلقا بسبب تراجع سعر الأغنام و توفرها بكميات كبيرة وجودة رفيعة , وليت الأمر توقف هنا فما حصل في تلك الليلة كان
أمرا مثيرا للحزن وللضحك في آن , كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل حين سمعنا صراخ أخيه مع دقه العنيف على الباب,تساءلتُ بخوف : هل هذا هو الزلزال ؟
قام مسرعا إليه ليخبره أن الكباش تغرق , لحظتها لم أستوعب ما سمعت ظننتني أحلمْ, لكن لما ذهبتٌ معه رأيتُ منظرا لايتكرر, ثمانون كبشا على وشك الغرق , إنّه صنبور الماء تحطم و إنفجر بسبب شجار الكباش وضيق المكان, و لأن الأمطار كانت تهطل والريح تعصف لم ينتبه أحد لما يحصل .
كانت ليلة من العذاب ,الماء في كل مكان و إتجاه ,كل شيء تبلل الكباش ,التبن , الشعير , نحن ُ ....
طلّ الفجر ولم ننتهي بعد ثم ظهرت الشمس أخيرا بعد طول تمنع ودلال , قمنا بمحاولة لتجفيف التبن والشعير فجمعناه في ساحة البيت, و قٌسِمتْ الكباش بين أكواخ الجيران, حتى يتم تجهيز مقرهم...
وفجأة دون سابق إنذار إختفتْ الشمس و عادت الأمطار , حينها جن جنون الجميع وبدأنا في ضحك هستيري طويل , لم يكن هناك جدوى من المحاولة ضاع طعام الكباش للأبد .
إنتهى ذلك اليوم بعذابه وجنونه ,وبقي أسبوعان للعيد , ولم يُبَع ْأي كبش ,وكل يوم يزداد التوتر والقلق ,كان كل شيء ضد زوجي وصديقه ,شعرتُ بذلك يوم رأيت الكباش
تبدو غير محظوظة شكلها يوحي بالشفقة والبؤس , وقد زادتنا بؤسا فأسراب الذباب هجمتْ علينا مذكرةً إياي بطيور "هيتشكوك" وكأن عشرات المبيدات الحشرية كانت تعيدها للحياة بدل أن تقتلها ,وبيوتنا صارت تشبه الأكواخ إنقلبتْ حياتنا رأسا على عقب , و صار السؤال الوحيد الذي يشغل الجميع:
-كم بعت من كبشٍ اليوم ؟
وبقي الجواب نفسه لايتغير :-ولاكبش !
وإقترب العيد أكثر فأكثر و الثمانون كبشا ترفض أن ترحل ,أردتُ أن أساعدَ ولو ببيع كبش واحد فإتصلتُ بعائلتي و صديقاتي مستخدمة أسلوب دعاية أنثوي خالص
كبشنا رقيق ووســيم لحمه أبيض ناصع , رشيق القد , أنيق مليح, فحل, قوي القلب ليس بجريح, وكأنّني أعرض كباشا للزواج وليس للذبح ؟
وكأنني أعرض دجاجا للبيع حين قلت أن لحمها أبيض وليس خرفانا ؟ تخليتُ عن فكرة المساعدة من أساسها لأني حتما لا أصلح بائعة لا للكباش ولا للدجاج.
- إقترب العيد و قررا الصديقان بيع الكباش كيفما كان وأينما كان ,المهم أن يتخلصوا منهم وباعو نصفهم بثمن لايعادل كلفة الشراء ...
-مثل علي بابا و أربعون لصا , حضر العيد وبقي أربعون كبشا ...وبيعتْ بعد ذلك بفترة جملة واحدة ...وإنتهت القصة دون أن يربح زوجي ولا صديقه قرشا واحد
بل على العكس كانت خسارتهما فادحة ,خسرنا نحن جميع مداخرتنا ,و ضيّع المهندس وقته وجهده وماله وعمله لأجل لاشيء.
والآن زوجي بكل جرأة يعلن أنه سيعيد الأمر من جديد, ورغم تذكيري له بالذي مضى و تحذيري المتوسل ,فعل ما يمليه عليه رأسه العنيد, وقد إقترب العيد ولم يبق سوى يومان الأربعاء والخميس ومازال بحوزته عشرون رأسا من غنم سعيد , وكل شيء يوحي بإعادة سيناريو الماضي البعيد , لذا فمن يشتري منّي كبشا للعيد ,سأهديه هذه القصة وسأزيد توقيعي الجميل عليها , أهناك عرض أفضل من هذا ؟؟
قصة قصيرة وكبش عيد, ذكرني هذا العرض بالعهد الإشتراكي وأسواق الفلاح حين تجُبر على شراء "السكر" مع مطرقة أو" زيت" أو "حليب" مع" فأس"
فمن يشتري كبشا للعيد ؟.
- تمت-