إختارت لها مكانا على الشاطئ المكتظ ،جلست مقابل البحر تحاول نسيان ما آلت إليه الأمور في العمل . أن يصبح مركزها المهني في خطر لهو أكبر تهديد واجهته في حياتها .
أخذت نفسا عميقا متمنية لو كانت من المدخنين لعل السجائر تريح أعصابها .
لفت إنتباهها شابة تجلس إلى جوارها يقبع إلى جانبها كلب ضخم يدفن رأسه بين قائمتيه الاماميتين ،كانت تحمل ملونة و أمامها لوحة بيضاء رسم في أعلاها دائرة غريبة الشكل .
رائع! ها أن عالمها يتداعى فيما لدى البعض وقت فراغ لإضفاء المزيد من الألوان للعالم المعتم !
مزاجها السودوي جعل نبرة صوتها تقطر سخرية و هي تخاطب" الرسامة ": - يوم سيء ؟؟
أجابت وقد فوجئت بمخاطبتها :- عفوا ! سيء ؟ لا فقط كباقي الأيام أحاول تلوين الدائرة بلون الشمس.
رائع غريبة أطوار ! -لكن يا آنسة ليس هناك شمس زرقاء ..على حد علمي ! ربما ..هل ترسمين سريالي ؟
إبتسمت دون أن تشيح بوجهها عن لوحتها :- أزرق؟ آسفة ! ربما السبب أني لم أر أي منهما .
قيل لي ان السماء زرقاء و أن الشمس ذات لون برتقالي عند الشروق و تتحول للأصفر عند الظهيرة بينما تحمر خجلا إذا آن الغروب ..رائعة!! أتمنى في يوم ما ان أشاهد لحظة الغروب ،أو نظرة الفرح في عيني أمي أو نور الصبح و هو يضيء الأرض ،أعيش على ذلك الأمل . أتعلمين ..أكثر ما يحزنني أن أسمع شخصا من حولي ينادي زوجته أن تناوله النضارة الشمسية لأن أشعة الشمس تزعجه!
ربما لم اسمع جيدا، هل قالت حقا أنها عمياء ؟؟أصابتني صدمة أعقبها ندم شديد على اللهجة المتعالية التي كلمتها بها .هل يومي"أسود" لأني قد أطرد؟ رباه ! تعيش في ظلام أبدي و لم تفقد الأمل !!
إقتربت منها قليلا فانتبه الكلب الذي كان يدعي النوم و نبح عاليا، قلت بحذر حتى لا اغضبه:
-كلبك لا يحبني يا.. أنا سناء ما اسمك؟
- أمل..إسمي أمل ، لا شيء شخصي فمهمته حمايتي لكن مزاجه سيء لانه يكره المياه بدءا من مياه المطر إلى مغطس الحمام و يجن جنونه لأن البحر أكبر بكثير ، صح هو أكبر بكثير ؟
مشاعر إشفاق إقتحمت صدري فنبذتها و حاولت الا أعاملها بما لا تشعر به : - أتعلمين هناك خلاف بسيط بيني و بين الكلاب حول من يكره الآخر و من يضطهد الآخر !
عندما كنت في الخامسة من عمري نلت أول عضة من كلب كنت أضنه دمية كالتي إشتراها لي أبي فشددت ذيله !!
سمعت صوت ضحكها فأتممت حديثي بنبرة إشفاق على الذات :- بعدها و في السابعة من عمري و في مزرعة جدي نلت العضة الثانية ،ذلك أن كلب الرعي _و كانت أنثى_ولدت جراء جميلة حاولت لمس أحدها فاعتبرت الأم ذلك تعديا سافرا على حدودها!! أما العضة الثالثة فقد إستحققتها عن جدارة بعد أن دست على ذيل كلب الجيران و كنت معصبة العينين ألعب "الغميضة" مع أبنائهم في حديقة البيت !
كانت أمل تضحك بطريقة هستيرية و تمسك بطنها من شدة الضحك واصلت الكلام بنبرة أعلى:
-المؤلم في الموضوع اني أنال عضة كلب تعقبها حقنة من الطبيب و الأمران متلازمان !
أما تعاليق أفراد الأسرة فأشد إزعاجا مثلا :عضة رابعة و تربحين جروا ! أو :قد يخرج لك ذيل
مع العضة السادسة !! كم أكره ذلك .
-أرجوك لم أعد أقدر! بطني يؤلمني من كثرة الضحك ،أنت حقا مسكينة . إقتربي لأعرفك على "ريكس"، هات يدك .
نظرت بريبة للكلب الذي وقف بعدسماع إسمه التعارف مع"ريكس" لم يكن همي و لا مطلبي لكني رضخت للأمر الواقع و اليد الممدودة .أخذت يدي ووضعتها على رأس ركس ولم أدري ما قالته له لان أذناي كانتا تطنان من شدة الخوف .إقترب الكلب الضخم و إشتم يدي ولعق وجهي بعد أن نلت إستحسانه على ما يبدو .الحمد لله مرت على خير !!
-أرأيت سناء ..لم يكن الأمر صعبا . تنفستْ هواء البحر بعمق و أردفتْ : -على أمل ان "أراكِ" ذات يوم هزمت خوفك و اقتنيت كلبـا ً