بعض المواقف والأيام بقدر ما نشهد فيها من مشقة وضيق إلا أنها تبقى ذكريات جميلة ومضحكة أحيانا أو تجارب مفيدة لنا في أحيان أخرى وقد كان يومي مزيجا من الاثنين.
خلال رمضان هذا العام كان عندي امتحان للتوظيف في مدينة الرباط ، ولأني لست معتادة على التنقل هناك بسهولة ولأن زميلة لي كانت ستذهب في نفس اليوم لنفس الشأن طلبت منها أن نذهب معا،
وتم الاتفاق على مكان اللقاء في محطة القطار وقالت لي أن موعد انطلاقه هو السادسة والنصف صباحا.
حرصا مني على الوقت لم أنم بعد الفجر بل نمت ساعتين فقط طيلة الليل. وصلت قبل الموعد وأديت ثمن تذكرتين وجلست أنتظر..اتصلت بها وأخبرتني أنها في الطريق. عدت إلى انتظاري وأنا أجول بنظري أكتشف المكان لأول مرة، وإذا بي أنتبه إلى اللوحة الالكترونية فأكتشف أن رحلتي على الساعة السادسة والربع لا النصف ولم يبق إلا دقائق معدودة، فأرسلت إلى زميلتي رسالة على هاتفها أستعجلها.
أخذت أروح وأجيء بين القطار وبين باب المحطة وأنا متوترة..وفي اللحظات الأخيرة ذهبت إلى عامل المحطة أسأله إن كان القطار ينطلق في الدقيقة نفسها أم يبطئ قليلا فقال لي: "اذهبي سينطلق حالا" ..
اتصلت بي زميلتي حين انتبهت للرسالة.. كنت أحدثها وأنا في طريقي إلى القطار ولا أدري هل علي أن أذهب دونها أم أتنازل عن الرحلة..
ما إن اقتربت حتى أخذ يتحرك شيئا فشيئا، أردت اللحاق به لكن أشار إلي العامل بيده أن الأوان قد فات..
كنت لازلت مع زميلتي على الهاتف، وبشبه استسلام كنت أقول لها: "إيمان..train مشااااااا" ..لم تصدق كانت تقول لي "آآو راني وصلت راه قدامي".. وأنا أؤكد لها أنه غادر وانتهى الأمر.
ثم أردفت : "لالا هناك آخر من جهة الحائط ذاك هو، أنا بقربه"..رغم أني كنت واثقة أن القطار المعلوم قد غادر فقد أردت أن أتشبت بخيط أمل وهمي..
ذهبت إلى حيث أشارت وطلبت منها أن لا تقطع الاتصال، كانت تلمح لي إلى الجهة وأنا أسير بسرعة لأعثر عليها بين جموع المسافرين لكن دون جدوى..
وأخيرا نطقت بما لم يكن في الحسبان:"ياك نتي في casa port؟؟" ..آآخخ صدمت حين سمعت الاسم فأنا كنت في محطة أخرى تسمى "casa voyageur".
كانت كل منا في البداية تنطق الاسم ولا تنتبه إلى نهاية ما تنطق الأخرى، أما الآن فكلمة بسيطة أحدثت كل الفرق.. أنا أضعت رحلتي وأديت ثمن تذكرتين بالمجان سأحتفظ بهما كتذكار وهي في محطة أخرى ولازال لديها أمل لكنها مضطربة بسبب ما حدث وهي في غدو ورواح بين القطار وباب المحطة في انتظاري.
وفي غمرة استسلامي وحيرتي خطرت لي فكرة، وهي أن ألتحق بها هناك بواسطة "سيارة أجرة" لكن 5 دقائق قد لا تكفي لذلك خصوصا بسبب زحمة الطرقات بالدار البيضاء.. كنت أهرول حتى وصلت أول سيارة أجرة اشترطت على صاحبها ألا يأخذ أي شخص آخر غيري وأن يسير في أقرب مسار إلى المحطة المنشودة . وفعلا كان رجلا طيبا ومتفهما فعل ما بوسعه وأوصلني في ظرف دقائق لم أعدها بقدر ما أردت أن أصل إلى باب المحطة وفقط.
هناك رأيت زميلتي فتأملت بذلك خيرا..دفعت للسائق أكثر مما يجب وكان هو أيضا متفاعلا مع الموقف يسرع ويسأل زميلتي هل غادر القطار أم لا ههه.
ما إن وصلنا حتى كان الآخر يستعد للانطلاق كنت أعدو وأعدو أنا وزميلتي وأقول لها "اجري آإيمان اجري"..حتى دخلنا أول مقصورة..
كنت متعبة جداااااااااا وأحس أن صدري يشتعل نارا خصوصا وليس بوسعي أن أشرب قطرة ماء فنحن في رمضان. وفقط حين جلست كنت أتحدث وأحكي لها ماحدث معي وأنا أضحك وأضحك..ولحد الآن لازلت أحتفظ بالتذكرتين. لا مانع عندي إن أرادهما أحد فليس عليهما علامة المراقب ههه.
كانت تلك أول رحلة لي في القطار، وقدر لها أن تكون مميزة جدا..والحمد لله وصلت إلى وجهتي في الوقت المناسب لكن لا تسألوني عن نتيجة المباراة فلم تظهر بعد، وماعدت آبه بها ..