بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الأخ الكريم السائل عن فتاة خلعت الحجاب بعد ارتدائه.
فرض الإسلام الحجاب على المرأة صيانة لها، وحفاظا عليها ممن ليس له حق في رؤية ما لايجوز له، ولأنها غالية أمر الله بسترها، أما ما كان رخيصا فهو الذي يكشف ويترك لكل ناظر.
ألا ترى أن الذهب يوضع ضمن خزائن تحفظه، بينما ما صنع من الحديد أو البلور يترك مكشوفا أمام الغادي والرائح لقلة قيمته.
أليست الفتاة أغلى من ذلك الذهب؟ فتصون نفسها ولا تكون مرتعا لكل عين خائنة، ولا تكون أداة من أدوات إبليس، يستعملها لإغواء الآخرين.
إن خلع الحجاب بعد لبسه خطر على صاحبته، ومصدر هذا الخطر هو الاستخفاف بشرع الله، الذي يؤدي إلى البعد عن تكاليف الشرع، وربما أوصل صاحبته إلى ترك الصلاة، أو الاستهانة بها؛ لأن الذي يستهين بشيء هام هان عليه غيره، ولا تنس أن السفور هو الخطوة الأولى لفقدان الحياء، ورأس مال الفتاة هو الحياء، فإذا فقدته أو تجرأت عليه فهذا من علامات ذهاب الخير منها، وبقدر ما يذهب من الخير يحل محله الشر.
ولقد مدح الله تعالى ابنة شعيب عندما وصفها بالحياء، في قوله تعالى: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) القصص، 25
قال ابن جرير الطبري في تفسيره بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: مستترة بكم درعها أو بكم قميصها، وساق بسنده كذلك إلى أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: ليست بسلفع من النساء (قليلة الحياء) خراجة ولاجة.
ونقول لهذه الفتاة التي غرتها الدنيا فأخطأت المسار ما قاله الله تعالى وهو أصدق القائلين (يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) فاطر، 5-6
ونقول لأهلها كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) التحريم، 6
وإذا فرط الأب أو الأم فالمسؤولية تقع عليهما.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) متفق عليه.
ونعود لنذكر الفتاة بأن باب التوبة مفتوح وبإمكانها أن تطرد الشيطان ونزغاته وتعود إلى كنف الرحمن ومغفرته، قال تعالى: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين) آل عمران 135
ونقول لزميلات هذه الفتاة المتحجبات: إياكن أن تفت في عضدكن وتظنن أنها أصبحت أحسن حالا، وأكثر طمأنينة، لا والله فهي تشعر بالنقص في قرارة نفسها لأنها هبطت من مكان عال مرتفع إلى مكان منخفض، كمن يكون على رأس الجبل يحلق مع النسور والناس تغبطه على مكانته، وإذ به يهبط إلى قعر الوادي فيصبح مع القوارض والعقارب والثعالب، وعند ذلك تتغير الموازين، فمن كان بالأمس يغبطه على التزامه أصبح اليوم يشفق عليه إن كان من محبيه، أو ينظر له نظرة ازدراء إن كان من مبغضيه.
وأما من حيث الحكم فهي مسلمة عاصية، يقول الإمام الطحاوي: (ولا نكفر مسلما بذنب ما لم يستحله). والإستحلال أن يجعل الحرام حلالا.
وعلى جميع من يعرفها أن يدعو لها ولأمثالها بالهداية والعودة إلى طريق الخير والبعد عن طريق الشيطان ونزغاته.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره الينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين اللهم آمين.
وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المفتي الشيخ الدكتور أحمد عبيد حفظه الله