<a href="http://zahratelboustain.3oloum.com/register"><img src="http://t0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcSugyPpklkaInwbbBJ0tRyrGBD1DSOCu4g2rPHoJqCPK9eN7c0VAg" border="0"></a>
<a href="http://zahratelboustain.3oloum.com/register"><img src="http://t0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcSugyPpklkaInwbbBJ0tRyrGBD1DSOCu4g2rPHoJqCPK9eN7c0VAg" border="0"></a>
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


مرحبا بك عزيزي الزائر في رحاب منتدانا المتواضع . الذي رغبنا من خلاله اثراء رصيدكم المعرفي و التقافي و الادبي .في حلة ترفيهية .طيبة حسنة . مرحبين بكم من خلالها بقلب منشرح . راغبين من خلالها ان تنظموا الى منتدانا بعقل منفتح . و الهدف من كل هدا حسن خدمتكم
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
-
اعلانك هنا
 الشباب وطريق النجاة  Images15  الشباب وطريق النجاة  Images16

 

  الشباب وطريق النجاة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
اسماء
مدير المنتدى
مدير المنتدى
اسماء


عدد المساهمات : 4125
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 17/07/2012
العمر : 29
الموقع : https://ibde3nawa3im.yoo7.com

 الشباب وطريق النجاة  Empty
مُساهمةموضوع: الشباب وطريق النجاة     الشباب وطريق النجاة  Emptyالسبت نوفمبر 03, 2012 10:57 am

في خضم العولمة والانفتاح الاعلامي وتقارب المسافات وذوبان الحدود بفعل سهولة الاتصال وفاعلية وسائل التأثير وتغيير القناعات ، فقد كثير من الشباب الشخصية الإسلامية المتزنة ، ووقعوا فريسة تيارين متنافرين متضادين في الظاهر، لكنهما متفقان في الأهداف والمآلات ، هما : التيار التغريبي والتيار التكفيري


فالأول يسعى إلى سلخ الشباب عن دينهم والتخلي عن ثوابتهم بحجة التقدم والرقي والمعاصرة والعولمة ، أما الثاني فتيار لا يعرف سوى لغة القتل ولسان التكفير والإقصاء لكل من لا يتماشى مع أفكاره وتوجهاته المتطرفة .


إن التغريب يسعى إلى حمل المسلمين على قبول ذهنية الاستسلام والاحتواء حتى تسقط الشخصية الإسلامية ويسقط العقل الإسلامي صريع الخلاف والاضطراب بين الفكر الذي نشأ عليه والفكر الوافد الجديد الذي يسعى إلى فرض نفسه بالقوة مستغلاً تنوع وسائل الاتصال والإعلام وسطوة تأثيرها وضخامة الانجذاب إليها وسرعة انتشارها حيث تخاطب معظم الناس بمختلف شرائحهم ومستوياتهم : المتعلم والجاهل ، والغني والفقير والرجل والمرأة والصغير والكبير والرئيس والمرؤوس ألخ .
والهدف من التغريب هو ضرب خصوصية الفكر الإسلامي ، بما يخلق لدى المسلمين شعوراً بالنقص في نفوسهم وذلك بالتأثير في النفس والروح لإخراجها جميعاً من مفاهيمها الأصيلة وفرض مفاهيم جديدة عليها مخالفة لها في الأصل متباينة معها في الجذور .
والمشكلة أن البعض لا زال يظن أن اتباع هذا الفكر من علامات الرشد وأمارات السداد. فقلَّد الغربيين، وتأثر بكثير من عاداتهم ، وتسربل بأنماط سلوكهم، وكلما ازداد انغماسًا في الحياة الغربية، وتفاعلًا مع صورها، وتكيُّفًا مع اهتماماتها، ازداد بعدًا عن الشخصية الاسلامية ، وانسلاخًا عن قيمها.
أعانه على ذلك بعض المفكرين من العرب الذين يفكرون من داخل دائرة الفكر الغربي ويتحركون خارج إطار الفكر الإسلامي ويتبعون منهجاً لا هو غربي صرف ولا هو إسلامي خالص، وإنما هو منهج هجين يحاول أن يوائم بين الماء والنار وبين الشيء وضده ، ومن هنا كان التخبط الكبير الذي تشهده اللبرالية والعلمانية في البلدان الاسلامية .
والبعض دعا إلى استنساخ كل ما في الغرب بعجره وبجره ، دون القيام بعملية تصفية وتنقية لما يضر المسلمين أو يناقض عقيدتهم ، ويصادم العفاف والحشمة والحياء، كما دعوا إلى الانحياز إلى ثقافتها، والتفكير بنفس الفلسفة التي تنادي بها وهي تناقض العلم والدين إضافة إلى اقتباس نظمها الاقتصادية ولو كان فيها محاربة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم .


لا يفهم من هذا أننا ضد النافع المفيد سواء جاء من الغرب أو الشرق، إنما ندعو إلى التعامل مع الحضارة الغربية تعاملًا متوازنًا ، يتمثل في الحفاظ على ثوابت الأمة وأصولها ، مع السعي في الوقت نفسه إلى الاستفادة مما عند الآخرين من إيجابيات وتطور وتقدم.
لكنها دعوة إلى التحذير من مخاطر التغريب التي أدت إلى ضياع قسم من أبناء الأمة لعدم قدرتهم على المواءمة بين القيم الأصيلة والثقافة الوافدة ، ففقدوا هويتهم ، وأصبحوا مجرد تابع للغرب يدور في فلكه ، وهذا خطر حقيقي يهدد الأمة كلها ما لم تستدرك ذلك بزيادة عوامل مناعتها.
وهي دعوة إلى تعميق انتماء الشباب إلى أمتهم بتحذيرهم من الذوبان في أتون الغزو الفكري وتمتين ارتباطهم بدينهم في المجالات التربوية والاقتصادية والاجتماعية ... ألخ .وتحصينهم ضد ثقافة ستار أكاديمي والأخوة الكبار وسوبر ستار والمسلسلات المدبلجة المكسيكية والتركية وآخرها مسلسل مهند ونور الذي أصبح حديث الشارع وقهوة الصباح وحديث الأمسيات . فما إن يحين وقت المسلسل حتى ترى الشاب والكبير والطفل الصغير أمام الشاشة لمتابعة أحداث المسلسل ، وربما ترك الطالب دراسته، وأهملت الأم بعض واجباتها المنزلية ، السكون مطبق والأعين شاخصة ، فإذا انتهت الحلقة ارتفعت الأصوات بالتوقعات لأحداث الحلقة القادمة . وقد تمتد السهرة إلى ما بعد منتصف الليل حيث ساعة الإجابة عندما يتنزل الجبار جل وعلا فيقول هل من داع فأستجيب له ، هل من مستغفر فأستغفر له هل من سائل فأعطيه !.
وإن أخطر ما في هذه المسلسلات أنها تروج لنموذج" المسلم الإباحي" الممثلون يؤدون أدوار أشخاص مسلمين لكنهم في الوقت نفسه يقترفون الزنا ويشربون الكحول ويعاقرون ألوان المحرمات ، مما يؤدي إلى تدمير الشخصية الاسلامية في نفوس المعجبين والمتابعين والمتأثرين بهذه المسلسلات وما شابهها .
هذا فضلاً عن الفتنة بشخصية مهند وزهد كثير من النساء بأزواجهن ، بل حدثت حالات طلاق عديدة بسبب مقارنة الزوجة بين شخصية زوجها وشخصية مهند . يقول أحدهم : ( لا أرى بالبطل شيئا جذابا إلا أن زوجتي معجبة به حد الجنون وتقارنني به دائما لماذا لا تتحدث مثله؟ ولا تتصرف بمثل حركاته ؟اجلس معي وتعلم منه) .
ويقول آخر : ( إني لا أدخل المنزل إلا بعد نهايته ،لان زوجتي وبناتي لا يسمحون لا أحد بالحديث أثناءه،وزوجتي تنصرف لمتابعة المسلسل وأحداثه بشكل كامل وأحيانا تبكي على مجرياته، وهذا يزعجني كثيرا، بحيث تكون غير مستعدة لتحضير العشاء أو الحديث معي وأنا اختصارا للمشاكل التي قد كثرت بيننا في الآونه الأخيرة بسبب المسلسل ، أتعمد التأخر خارج المنزل حتى ينتهي ، وأنتظر نهايته بفارغ الصبر ليعود منزلي وأسرتي إليَ ) .

أما التيار الثاني الذي يخطف بعض الشباب فهو تيار الغلو والتكفير والتفجير، وما ينشأ عنه من سفك الدماء، وتخريب المنشآت، وما يترتب عليه من إزهاق أرواح بريئة، وإتلاف أموال معصومة، وإخافة للناس، وزعزعة لأمنهم واستقرارهم. فيفخخ الدماغ ويوهمه أن ليس بينه وبين الجنة إلاّ أن إلاّ أن يُزهق النفس الحرام، وأن ليس بينه وبين المغفرة إلا أن يفجع الأطفال باليُتْم، وأن ليس بينه وبين الجنة إلاّ أن يفجع النساء بالترمّل، والزوجات بالثُكل ، وأن نَصر الإسلام يكون في ترويع الآمنين واستهداف المسلمين ، وأن طرد المستعمرين عن بلاد الإسلام يكون بالتفجير والتدمير والتخريب والتهريب.
إن من يحرك هؤلاء الشباب الأغرار المخدوعين يريد أن يقلب الاستقرار إلى فوضى باسم الجهاد ، ويريد أن يزعزع الأمن وينشر الخوف باسم نصرة الأمة ، ويريد أن يصد الناس عن دين الله باسم الدعوة إلى الله . فبتنا نرى الجهاد في تفجير المباني ، وبتنا نرى نصرة الأمة في قتل الأبرياء وبتنا نرى إزالة المنكرات بسفك الدماء وترويع الآمنين .

وليس غريباً لو قلنا إن تيار التغريب وتيار التكفير يلتقيان في كثير من الأهداف نوجز بعضها :


- كلا التيارين يضر بالمجتمع ، من حيث ادعى الحرص على مصلحته وإصلاحه ، فالتغريب يؤدي إلى مسخ المجتمع عن هويته وأصالته وتحويله مجتمعاً هجيناً سلبياً يقبل كل وافد حتى لو كان فيه عطبه ، أما التيار التكفيري ، فإنه يكفِّر المجتمع ، دون النظر إلى شروط التكفير وموانعه ، ويتساهل في الدماء والأرواح والتفجير والتدمير .
- كلا التيارين يؤدي إلى تدمير الشباب ، فروح دعوى التغريب هي الإفساد وزج الشباب في أتون الرذيلة ، وصرفهم عن معالي الأمور إلى سفاسفها ، وتهميش اهتماماتهم بدلاً من الجدية والعمل بما ينفع دينهم ووطنهم ومجتمعهم ، ويأتي التيار التكفيري ليوقع من بعض من سلموا من المكر التغريبي في فخ التكفير، حيث استقطب هذا الفكر شريحة من الشباب مستغلاً التجاوزات التي يقوم بها التغريبيون ، فاندفعت إليه هذه الفئة ظناً منها أن اعتناق هذا الفكر نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فتحولت إلى طاقات هدم وتخريب بدلاً من أن تكون طاقات بناء .
- كلا التيارين ينفر الناس من الدين ، فالتيار التغريبي يهاجم المتدينين بحجة أنهم متزمتون لا يواكبون روح العصر ولا يسايرون ركب الحضارة ، وأن الدين هو سبب التخلف . ويأتي التيار التكفيري بأفعاله الدموية لينفر الناس أيضاً بالإيحاء بأن الدين لا يعرف لغة سوى القتل والتفجير .
- كلا الفريقين يدعو إلى التساهل ، فالفكر التغريبي يدعو إلى اقتحام حدود الله وكسر باب المحرمات والتساهل في أحكام الدين ، أما الفكر التكفيري فيتساهل في التكفير بحجج وشبه واهية لا تقوم لها قائمة إذا وضعت تحت المجهر العلمي وإذا حرثت بالمحراث المنهجي.


قال تعالى { يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ} وقد فهم البعض من القول بيسر الشريعة وتحذيرها من التشديد أنها دعوة إلى التساهل في أمور الدين عقيدةً وأحكاماً وأخلاقاً، أو ترغيباً في التنصل من أحكام الإسلام والضعف في التمسك بالدين.
- فليس من التيسير التساهل بالأحكام الشرعية والأوامر الربانية ، وليس من التيسير التهاون بالموبقات المهلكات، وليس من التيسير التنكر للفضائل وأصول الأخلاق ، وليس من التيسير الإهمال في تربية البنين والبنات، وتركهم نهباً لزيغ العقائد وتيارات الإنحراف والبعد عن الالتزام بأحكام الإسلام والحفاظِ عليهم من دواعي الفجور بحجة التحضّر والبعد عن التعقيد وتغيّر الزمان.
إن هذه الشريعة رخصة بعد عزيمة، ولين من غير شدّة، ويسرٌ من غير عسر، ورفع للحرج والآصار والأغلال ، والعسر والتنطّع والتكفير والتخريب ليسا من سماتها ، كما أن التساهل والتميع في أمور الدين ليسا من سماتها أيضاً. وكثيراً ما يدعو إلى هذا وذاك قلةُ الفقه في الدين، والجهلُ بمقاصد الشرع وأصول الملة . ولذا وجب على الشباب أن يسلكوا مسالك التوسط والتيسير في الأمر كلّه، لكن بلا مداهنة ولا مجاملة ولا مجافاة للحق .عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات ".


لا نجاة إلا بتحقيق الشخصية الإسلامية الحقيقية المتزنة التي تتمثل روح الإسلام وسماحة الدين وسمو الشريعة ، فالإسلام صاغ شخصية المسلم ورسم حدودها ومعالمها وأتاح له أن يحقق ذاته من خلال الإطار العام لهذه الشخصية ، يتجلى ذلك في قوله تعالى { قل كلّ يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً}، وقوله {ولكل وجهة هو مولّيها فاستبقوا الخيرات}. فـ ( لكل إنسان شخصيته المستقلّة ، فإذا هو حافظ على هذا الاستقلال ، ودعم أصوله وزكّى فروعه ، وعاش في نطاق ذاتيته الخاصة ، فقد مضى على سنّة الله إذ أراده أمّة وحده ... ودولة قائمة بذاتها ) . (جدد حياتك للغزالي 151 ) .

وفي قوله تعالى { قد علم كل أناس مشربهم } إشارة إلى أن لكل منا طريقته وأسلوبه وشخصيته في التنافس في العمل الصالح والتسابق في ألوان البر { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم} .


فالشخصية الإسلامية ليست قالباً جامداً أو نموذجاً واحداً لا يتعدد، بل هي شخصية مرنة تتناسب مع ميول الإنسان وأسلوب تفكيره وطاقاته وقدراته .
ولذا كان في الصحابة الفقيه والقائد العسكري والقاضي والمنفق ماله، والناصح وراوي الأحاديث والعالم بالفرائض والمقرئ والمؤذن وغيرهم.
وإذا كانت الشخصية الإسلامية تتنوع من شخص لآخر ، فإن ثمة سمات عامة تميزها عن غيرها من الشخصيات ، ولها مجالات تجعلها مستقلة تماماً ، فأول هذه السمات :


- صفاء العقيدة ، المستقاة من الكتاب والسنة ، وتحقيق التوحيد واجتناب الشرك . فالتوحيد أول دعوة الرسل وأول منازل الطريق قال تعالى {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } وقال { لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} وقال هود لقومه {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} ، وقال صالح لقومه {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}، وقال شعيب لقومه {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره }. والتوحيد روح القلوب وقُوتُها، ونور البصائر وقُوَّتُها، وهو حق الله على العبيد ، وبه عرف المعبود وعمر الوجود ولأجله أعدت الجنة والنار ، وهو أول مطلوب وأعظم محبوب وهو أشرف المقاصد ، وأعذب الموارد وأجل الأعمال وأحسن الأقوال ، وأعظم القضايا، وأهم الوصايا ، وخير زاد يحمله العباد ليوم التناد ، وهو قرة عيون الموحدين وبهجة صدور العابدين ، وهو غاية الآمال وأنبل الخصال ، بل هو أعظم الكفارات، وأرفع الدرجات ، وأكبر الحسنات .

وقد عرف الأنبياء السابقون فضل التوحيد وأهميته ، فبذلوا الغالي والنفيس في التمسك به حتى ولو أدى ذلك إلى بذل أرواحهم ثمناً له .
فإبراهيم عليه السلام توقد له النيران بسبب تمسكه بتوحيد الله وإفراد العبادة له ، فنجاه الله بالتوحيد فقال حسبنا الله ونعم الوكيل فقال تعالى { قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } ، بعد أن كسر الأصنام بيده { فراغ عليهم ضرباً باليمين } ، ومع ذلك يدعو ربه قائلاً { واجنبني وبني أن نعبد الأصنام } وفي هذا تنبيه على أن المسلم لا يأمن على نفسه من الشرك ووسائله .


وعُذَّب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد العذاب لتمسكهم بالتوحيد، روى الحاكم في المستدرك وصححه وكذا صححه الذهبي في السير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أول من أظهر الإسلام سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر ، وعمار ، وأمه سمية ، وصهيب، وبلال ، والمقداد . فأما رسول الله فمنعه الله تعالى بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه ، وأما سائرهم فأخذهم المشركون وألبسوهم أدرع الحديد وصهروهم في الشمس، فما منهم من أحد إلا وَاتَاهم على ما أرادوا - يعني من الأخذ بالرخصة- إلا بلالاً فإنه هانت عليه نفسه في الله ، وهان على قومه ، فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول : أحد أحد .
وعذبت سمية رضي الله عنها حتى الموت من أجل التوحيد ، روى ابن سعد في الطبقات بسند صحيح عن مجاهد قال: أول شهيدة في الإسلام سمية والدة عمار أما أبو جهل فطعنها بحربة في قُبُلها . وقال ابن سعد : (أسلمت قديماً بمكة، وكانت ممن يعذب في الله لترجع عن دينها ، وصبرت ، حتى مر بها أبو جهل يوماً فطعنها بحربة في قبلها فماتت ).


والتوحيد هو إفراد الله بالعبادة في الأقوال والأفعال والنيات والمقاصد، فلا معبود بحق إلا الله ولا صلاة ولا زكاة ولا دعاء ولا توكل ولا استعانة ولا استغاثة إلا بالله فيما لا يقدر عليه إلا الله ، وكذا طلب المدد والولد وتفريج الكربات وقضاء الحاجات من غير الله تعالى مما لا يقدر عليه إلا الله.
وقد ظن بعض من لبَّس عليهم الشيطان أن التوحيد يكون بالكلمة فقط ( لا إله إلا الله ) ولو توجه بعبادته وقلبه ورغبته ورهبته وذبحه ونذره ودعائه لغير الله ،فهذا كله شرك أكبر مخرج من الملة .
أما ما كان شركاً أصغر فقد انتشر بكثرة كالحلف بغير الله قال صلى الله عليه وسلم :" من حلف بغير الله فقد أشرك " ، وكالتشاؤم والطيرة ، ولبس الحِلَق وتعليق الحروز والتمائم والودعات بحجة أنها تدفع الشرور بل وتعليق الأحذية على السيارات والمنازل وغير ذلك بحجة الحماية من الحسد ، والله تعالى يقول { وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو } .
يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله : ( من العجب أن أكثر المصنفين في علم التوحيد من المتأخرين يركزون على توحيد الربوبية ، وكأنما يخاطبون أقواماً ينكرون وجود الرب – وإن كان يوجد من ينكر الرب- لكن ما أكثر المسلمين الواقعين في شرك العبادة ، ولهذا ينبغي أن يركز على هذا النوع من التوحيد حتى نخرج هؤلاء المسلمين الذين يقولون بأنهم مسلمون وهم مشركون ولا يعلمون ) . (القول المفيد 1/18).
وقال أيضا وهو يرد على بعض الذين يجعلون الربوبية وإثباتها هو غاية التوحيد: ( والتوحيد عندهم : أن توحد الله فتقول: هو واحد في ذاته لا قسيم له ، وواحد في أفعاله لا شريك له ،وواحد في صفاته لا شبيه له ، ولو كان هذا معنى لا إله إلا الله ، لما أنكرت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم دعوته ولآمنت به وصدقت ، لأن قريشاً تقول : لا خالق إلا الله ولا خالق أبلغ من كلمة لا قادر لأن القادر قد يفعل وقد لا يفعل أما الخالق فقد فعل وحقق بقدرة منه ، فصار فهم المشركين خيراًمن فهم هؤلاء المتكلمين والمنتسبين للإسلام ، فالتوحيد الذي جاءت به الرسل في قوله تعالى { ما لكم من إله غيره}أي : من إله حقيقي يستحق أن يُعبد وهو الله . ومن المؤسف أنه يوجد كثير من الكتاب الآن الذين يكتبون في هذه الأبواب تجدهم عندما يتكلمون على التوحيد لا يقررون أكثر من توحيد الربوبية ، وهذا غلط ونقص عظيم ويجب أن نغرس في قلوب المسلمين توحيد الألوهية أكثر من توحيد الربوبية ، لأن توحيد الربوبية لم ينكره أحد إنكاراً حقيقياً ، فكوننا لا نقرر إلا هذا الأمر الفطري المعلوم بالعقل ونسكت عن الأمر الذي يغلب فيه الهوى هو نقص عظيم فعبادة غير الله هي التي يسيطر هوى الإنسان على نفسه حتى يصرفه عن عبادة الله وحده ، فيعبد الأولياء ). (القول المفيد 1/ 76-77).


- ومن سمات الشخصية المسلمة : اتباع السنة وتجريد المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم ، واجتناب البدع . عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن العرباض بن سارية قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال :" أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن أمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة". رواه الحاكم في المستدرك قال البغوي "قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن افتراق هذه الأمة ،وظهور الأهواء والبدع فيهم ، وحكى بالنجاة لمن اتبع سنته ، وسنة أصحابه –رضي الله عنهم – فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلاً يتعاطى شيئاً من الأهواء والبدع معتقداً ، أو يتهاون بشيء من السنة أن يهجره ويتبرأ منه ويتركه حباً ، فلا يسلِّم عليه إذا لقيه ، ولا يجيبه إذا ابتدأ إلى أن يترك بدعته ويراجع الحق ا.هـ . (شرح السنة 1/ 224) .


وقال صلى الله عليه وسلم :" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". رواه البخاري ومسلم واللفظ له .
البدعة اتهام لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لم بلغ الرسالة كاملة، قال الإمام مالك "من ابتدع في الدين بدعة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة" .
بل إن البدع طريق من طرق الشرك ، فأول شرك وقع في الأرض كان بسبب البدع، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تعالى {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} قال ابن عباس : هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح لما ماتوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم ، قال : ففعلوا ولم تعبد، حتى إذا هلكوا وتنسخ العلم – أي قل العلم ونسي - عبدت من دون الله .

والبدع من وسائل زعزعة الأمن وسفك دماء المسلمين ، روى الدارمي وغيره عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه قال : كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل الغداة ، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد ، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال : أخرج إليكم أبو عبد الرحمن ؟ قلنا : لا فجلس معنا حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعاً ، فقال له أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته ، ولم أرى والحمد لله إلا خيراً . قال : فما هو ؟ فقال : إن عشت فستراه ، رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ، ينتظرون الصلاة ، في كل حلقة رجل ، وفي أيديهم حصى، فيقول : كبروا مائة ، فيكبرون مائة ، فيقول : هللوا مائة ، فيهللون مائة ، ويقول سبحوا مائة ، فيسبحون مائة . قال : فماذا قلت لهم ؟ قال : ما قلت لهم شيئاً أنتظر رأيك أو أنتظر أمرك . قال : أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم ، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء ؟.


قال : ثم مضى ومضينا معه ، حتى أتى حلقة من تلك الحلق ، فوقف عليهم وقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا : يا أبا عبد الرحمن ، حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح. قال : فعدوا سيئاتكم ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة أهدى من ملة محمد ، أو مفتتحوا باب ضلالة .قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير . فقال : وكم من مريد للخير لن يصيبه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا : إن قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم . وأيم الله ما أدري ، لعل أكثرهم منكم ، ثم تولى عنهم . فقال عمرو بن سلمة : رأينا عامة أولئك الخلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج.


- السمة الثالثة من سمات الشخصية المسلمة : تقوى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، ففي التقوى النجاة في الدنيا والآخرة.
أما في الدنيا فيقول تعالى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } ، ويقول سبحانه { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}.


وأما في الآخرة فلنتأمل قوله تعالى { ويَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا *أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا * فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا * ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا * ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا * وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}، وقال تعالى { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } .


يقول ابن القيم رحمه الله: "وأما التقوى فحقيقتها العمل بطاعة الله إيمانًا واحتسابًا أمرًا ونهيًا فيفعل ما أمر الله به إيمانًا بالأمر وتصديقًا بوعده ويترك ما نهى الله عنه إيمانًا بالنهي وخوفًا من وعيده". وقال ابن مسعود في قوله تعالى {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال : "أن يطاع فلا يعصى،ويذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر". وقال طلق بن حبيب: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله ".


- السمة الرابعة من سمات الشخصية المسلمة : التميز في المنهج بسلوك سبيل الوسطية .
والوسطية لا تعني التوسط بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكفر وبين الطاعة والمعصية أو بين التقوى والفسق . ولا تعني الدمج بين الأديان، أو جمع الفضيلة مع الرذيلة ، بل إن مفهوم الوسطية الحقيقي هو: التمسك بجميع تعاليم الشريعة السمحة واعتبارها قانوناً يمثل أفضل صياغة للمعادلة بين العقل والنفس.


أورد الإمام البخاري في" كتاب الإيمان" من صحيحه" باب : الدين يسرٌ ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : أحب الدين إلى الله الحنيفيّة السَّمْحة " ، وساق بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن هذا الدين يسرٌ ، ولن يُشاد الدينَ أحدٌ إلا غلبه ، فسدِّدوا وقاربوا وأبشروا ، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ".


الوسطية هي النظام المتوازن الذي يعجز البشر عن وضعه ، بلا وكس ولا شطط، ولا غلو ولا تقصير، ولا طغيان ولا إخسار ، لأنها أمر رباني كما أشار إلى ذلك كتاب الله بقوله { وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} ، فالقادر على إعطاء كل شيء حقه بحساب وميزان هو الله سبحانه وتعالى ؛ فهو الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا ، وأحاط بكل شيء علماً ، وأحصى كل شيء عددا . ولو تأملنا حولنا لوجدنا الليل والنهار، والظلام والنور، والحرارة والبرودة، والماء واليابس، والسالب والموجب ، كلها بقدر وميزان وحساب، لا يطغى شيء منها على مقابله، ولا يخرج عن حده المقدر له. وكذلك الشمس والقمر والنجوم والكواكب ، كل يسبح في مداره ، ويدور في فلكه ، دون أن ينحرف أو يخرج عن دائرته أو يصطدم بغيره من الأفلاك والأجرام { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}. وإن الذي قدر هذا التوازن وأعطى كل شيء حقه هو القائل { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً }.


والوسطية هنا هي العدل ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" يجيء نوح وأمته فيقول الله تعالى هل بلغت فيقول نعم أي رب فيقول لأمته هل بلغكم فيقولون لا ما جاءنا من نبي فيقول لنوح من يشهد لك فيقول محمد صلى الله عليه وسلم وأمته فنشهد أنه قد بلغ وهو قوله جل ذكره { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس } والوسط العدل". رواه أحمد والبخاري واللفظ له .


والوسطية هي الاستقامة ، والبعد عن الميل والانحراف. فالمنهج المستقيم هو الصراط المستقيم والطريق السوي الواقع وسط الطرق الجائرة عن القصد ، ولذا أمر المسلم أن يسأل الله الهداية إلى الصراط المستقيم كل يوم ما لا يقل عن سبع عشرة مرة - عدد ركعات الصلوات الخمس المفروضة في اليوم والليلة - عندما يقرأ قوله تعالى {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} ومعلوم أن المغضوب عليهم هم اليهود وأن الضالين هم النصارى ، وكلا الفريقين يمثلان الإفراط والتفريط في كثير من القضايا ، فاليهود قتلوا الأنبياء، والنصارى عبدوهم من دون الله وادعوا فيهم الألوهية ، واليهود أسرفوا في تحريم ما احل الله ، والنصارى أسرفوا في تحليل ما حرم الله ، واليهود غلوا في الجانب المادي، والنصارى قصروا فيه . فجاءت آيات أم الكتاب لتعلم المسلم أن يحذر من تطرف كلا الفريقين، وأن يلتزم المنهج الوسط والصراط المستقيم، الذي سار عليه كل من رضي الله عنهم وأنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.


يقول الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله: ( ما من أمر إلا وللشيطان فيه نزغتان : إما إلى غلو، وإما إلى تقصير، والحق وسط بين ذلك).وأكثر الناس قد أخذوا في هذين الواديين وادي التقصير ووادي التعدي والمجاوزة، والقليل منهم من ثبت على حقيقة الدين والصراط الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم .


تجاوز قوم الحد ؛ فتشددوا وتنطعوا في الدين ، وقصَّر آخرون فأعرضوا عن تزكية أنفسهم حتى أظهروا القبائح وجاهروا بالفسق دون حياء أو خوف والله تعالى يقول {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها}.
إن الوسطية سمة بارزة وميزة ظاهرة وحقيقة راسخة كانت سبباً في تبوّؤ هذه الأمة مكانتها المرموقة بين الأمم ، ومنحِها مؤهلات القيادة والريادة للبشرية، ومقومات الشهادة على الناس كافة. إنها حقيقة الاعتدال والوسطية التي تُجَلّي صور سماحة الإسلام ، وتبرز محاسنه ورعايته للمثل الأخلاقية العليا والقيم الإنسانية الكبرى { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.

يقول الإمام الشاطبي رحمه الله : ( إن الشريعة جارية في التكليف لمقتضاها على الطريق الوسط العدل الآخذِ من الطرفين بقسط لا ميل فيه، فإذا نظرت إلى كلية شرعية فتأملها تجدها حاملةً على التوسط والاعتدال، ورأيت التوسط فيها لائحاً، ومسلك الاعتدال واضحاً، وهو الأصل الذي يُرجع إليه، والمعقِل الذي يُلجأ إليه). ويقول الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله : (الأولى بالمرء أن لا يأتي من أقواله وأعماله إلا بما فيه جلب مصلحة أو درء مفسدة ، مع الاعتقاد المتوسط بين الغلو والتقصير) .

إن وسطية الشريعة تختلف بشكل جذري عن النظريات المادية أو الفلسفية التأملية ، منطَلَقاً ومبدأ، فهي تنطلق من مبدأ خُلُقي مسدَّدٍ بالوحي مصحَّحٍ بهدي النبوة ، لا من مبادئ خاضعة لتأملات عقلية إنسانية عبثت بها ذات اليمين وذات الشمال.
وفي مسألة الإيمان ؛ فريق جفا وتساهل بالإيمان حتى انسلخ من دينه شيئاً فشيئاً . وفريق غلا وتشدد حتى كفر مرتكب المعصية .
وأما أهل الوسطية في هذا باب فإنهم وسطٌ بين من جَفَوْا فلم يتعاهدوا إيمانهم وتساهلوا بدينهم وأعرضوا عن عبادة ربهم، وبين من غلَوا فأخرجوا من دائرة الإيمان من عمل بعض المعاصي. والبعض كفروا بالكبيرة ، وأهل الحق لا يكفِّرون بالذنوب ما لم تُستحلّ، كما لم يجعلوا المذنب كامل الإيمان ، بل هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته.
وفي مسألة الولاء البراء نرى أن البعض يتنكَّر لهذا الأصل العظيم ويدعو إلى الذوبان والتبعية وتقليد كل ما مستورد دون تمسك بثوابت ولا اعتراف بأصول ولا خصوصية لاهثاً خلف كل دخيل {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِير}.
وآخرون تشددوا فوقعوا باسم البراء في التعدي ومجاوزة الحد فظلموا من لا ذنب له واستحلوا دماء معصومة .
والحقيقة أنه ليس كل كافر مباح الدم والعرض والمال ، فالشريعة لم تبح سوى دم الكافر الحربي الذي يقاتل المسلمين ويظاهر على حربهم وعداوتهم {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }.

أما المعاهدين والمستأمنين الذين دخلوا بلاد المسلمين بعهد وأمان فلا يجوز بحال من الأحوال قتلهم أو الغدر بهم . عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة،وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً"رواه البخاري.
وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل رجلاً من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً". رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني .


قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ( جاءت شريعتنا الغراء بالتحذير الشديد من قتل المعاهد والذمي، وهو كلّ من له عهد مع المسلمين بعقد جزية أو هدنة من حاكم أو أمان من مسلم ). ( الفتح 12 / 259 ) .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون}.
وفي مسألة الغرائز والشهوات ، تنطع وتشدد غلاة المثاليين الذين تصوروا الإنسان تصوراً مثالياً فجعلوه كالملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ، وتساهل غلاة الواقعيين الذين أنزلوا الإنسان إلى دركات الحيوانية لا يعيش إلا لشهوته ولا يهتم إلا بغريزته .
ولكن الحقيقة وسط بين هؤلاء وهؤلاء ، فقد اعتبرت هذه الشريعة الإنسان مركباً من عقل وشهوة ، فإن قاده عقله للإيمان بربه وضبط شهوته وإعمار الأرض وفق ما شرع خالقه سما حتى تجاوز في سموه الملائكة المقربين ، وإن عطل عقله أو أساء استخدامه فنسي سر وجوده و جهل الحكمة من خلقه وتحكمت به شهواته ونزواته سقط حتى صار أدنى من الحيوان .
أقوام أعرضوا عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح وتلبية الغرائز بالطرق المباحة ، بينما تجاوز آخرون وتهاونوا بالأعراض فارتكبوا الزنا واللواط.لكن هذه الملة السمحة راعت مقتضيات الفطرة وحققت الانسجام الكامل بين متطلبات الروح والجسد، بلا غلو في التجرّد الروحي، ولا ارتكاس في الدرَك المادي، فلا رهبانية ولا مادية، بل تناسق واعتدال ، بنور من قوله تعالى {وَٱبْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا }.

لقد رد النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أصحابه التبتل ، وأنكر صلى الله عليه وسلم على من حرَّم نفسه طيبات الدنيا قائلاً: " أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". رواه البخاري ومسلم .

كما حذَّر تعالى من الزنى وإطلاق العنان للشهوات والنزوات.قال تعالى { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا}وقال صلى الله عليه وسلم :" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود .

الإسلام دين الفطرة ودين الوسطية ، وما من شهوةٍ أودعها الله فيه إلا فتح لها قناةً نظيفة تسري خلالها . وإن الأمم التي ضلت وانحرفت عن هذه الشريعة عادت الآن لتطبق دين الله لا عن إيمان وقناعة ولكن بضغط من الواقع وتحقيق مصالحها .
الاتحاد السوفيتي منع الخمر قبل أن ينهار ، وبعض الجامعات في أمريكا منعت الاختلاط ، لأنهم وجدوا أن عدد اللقطاء في الحدائق أصبح لا أصبح ظاهرة منتشرة ، والشرطة البريطانية أصدر كتيباً تنصح فيه النساء الإنكليزيات بالحجاب إذا أردن التخلص من تحرش الرجال بهن.
إن حقيقة هذه الشريعة أنها تنأى بأهلها عن كل الكبوات والنبوات والهزات والهفوات التي تُخِلُّ بغاية وجود الإنسان ، وتضيِّع حقوق البشر، وتفرط في تحقيق التوازن بين متطلبات الروح والجسد ، حيث تأرجحت كثير من النظم المادية ــ كما هو ظاهر معلوم في المدنية الغربية التي تنطلق من نظرات ومقتضيات مادية صِرفة ، حتى تنادى عقلاؤهم ومنصفوهم بالحاجة إلى منهج يحقق التوازن بين الرغبات والتناسق بين المتطلبات ، ويرتفع بالبشرية إلى مستوى إنسانيتها وتحقيق قيمها ومثلها، وينتشلها مما تعاني منه من بؤس وطغيان وشقاء. ولن يجدوا ذلك إلا في هذه الشريعة الربانية الخالدة .
وشهدت مسألة النظرة إلى الحياة الدنيا والاستمتاع بما أحل الله من الطيبات صراعاً وتطرفاً . فهناك المتساهلون المتكالبون الذين عدُّوا الحياة الدنيا كل شيء وقالوا { إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين } فعبدوا شهواتهم ومصالحهم المادية . وهناك المتنطعون الذين عدُّوا وجودهم في الدنيا شراً فانسحبوا من الحياة وحرموا أنفسهم من زينتها المشروعة.


ولكن حقيقة هذه الشريعة أنها وسط في نظرتها إلى الحياة الدنيا وزينتها ، فقد جعل الإسلام الحياة في الدارين متكاملة ، فالأولى مطية للثانية .
فالمسلمون وسط في حياتهم العملية، يدخلون في الإسلام كله ويجمعون الدين كله: فمنهم من يلي القضاء، ومنهم من يلي الوظائف الكبيرة ، ونهم من هو صاحب مال وسعة وفضل، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الكاملة، فقد كان فيهم أهل الثراء والغنى ، كما كان فيهم أيضاً أهل الفاقة والفقر، وأهل الصبر والزهد، وكان فيهم أهل العبادة والذكر، كما كان فيهم أهل الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... .
و أما مَنْ بعدهم، فحصل عندهم الاضطراب في ذلك: فبعضهم مال إلى الدنيا وركَنَ إليها ولم يتحرَّز في قبول أي ولاية، أو منصب، فتوسعوا في ذلك توسعاً أخرجهم عما كان عليه السلف...ومنهم طائفة مالت إلى العكس، فأخذوا بالزهد وتركوا متاع الحياة الدنيا، حتى أنهم حرموا الطيبات، أو نظروا إلى من يأخذ شيئاً من الطيبات بأنه خارج عن الصواب وعن إصابة الحق.
والتوسط ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخبر عنه أنس بن مالك رضي الله عنه بقوله:" كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ".

ففي هذه الوسطية التقت الثنائية المعقدة ( المادية والروحانية ) {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا }، ولطالما نُظِر إلى هذه الثنائية على أنها ثنائية حادة شديدة التضاد ، لا يمكن اجتماعها ولا تجاورها لا عقلًا ولا اعتقاداً، بل طالما لعب التناقض في هذه الثنائية دوراً فعالاً في تشكيل حضارات كاملة بصورة معينة .
يقول الشيخ عبد القادر الكيلاني : ( أما الفرقة الناجية فهي التي تسلك ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو : أن لا يترك الدنيا بالكلية ولا يقمع الشهوات بالكلية . أما الدنيا فيأخذ منها قدر الزاد . وأما الشهوات فيقمع منها ما يخرج عن طاعة الشرع والعقل ولا يتبع كل شهوة ولا يترك كل شهوة . بل يتبع العدل ولا يترك كل شيء من الدنيا ولا يطلب كل شيء من الدنيا بل يعلم مقصود كل ما خلق من الدنيا ويحفظه على حد مقصوده . فيأخذ من القوت ما يقوي به البدن على العبادة ومن المسكن ما يحفظه عن اللصوص والحر والبرد ومن الكسوة كذلك . حتى إذا فرغ القلب من شغل البدن أقبل على الله تعالى بهمة واشتغل بالذكر والفكر والعلم وبناء الأرض طول العمر ، ويظل محافظاً على حد الاعتدال والتوسط في الشهوات حتى لا يجاوز حدود الورع والتقوى ).أ . هـ .

فالإسلام يحقق توازناً بين الروحية والمادية وهو وسط بينهما ، بين الدين والدنيا ، بين القيم والحاجات، بين الغريزة والعقل ، الإسلام جعل الإنسان كما أراده الله عز وجل ليس الذي ينقطع عن العالم وينسحب من الحياة ويتفرغ للعبادة ويتبتل فلا يعمل ، ويتقشف فلا يتمتع ويتبتل فلا يتزوج ويتعبد فلا يفتر ؛ ليله قيام ونهاره صيام ، يده من الدنيا صفر وحظه من الحياة خبز الشعير ولبس المرقع ليس هذا هو الإنسان الذي أراده الله ، كما أنه ليس كصاحب الجنتين يفخر على صاحبه بثروته مختالاً بجنته قائلاً أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً فأحاط الله بثمره، وليس كقارون الذي آتاه الله من الكنوز ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ، فبغى على قومه واغتر بماله وعزا الفضل إلى نفسه وقال { إنما أوتيته على علم عندي }، فخسف الله به وبداره الأرض .

المسلم المتمسك بالحقيقة ليس هذا ولا ذاك بل مزدوج الطبيعة يقوم كيانه على قبضة من طين الأرض ونفخة من روح الله ، فهو بعنصره الطيني المادي قادر على أن يسعى في الأرض وعلى أن يعمرها وعلى أن يكتشف ما أودع الله فيها من كنوز ونعم وعلى أن يسخر قواها لمنفعته والنهوض بمهمته ، وهو بعنصره الروحي مهيأ للتحليق في أفق أعلى والتطلع إلى عالم أرقى والسعي إلى حياة هي خير وأبقى ، وبهذا يُسخِّر المسلم المادة ولا تسخره ويستخدم ما على الأرض من ثروات وخيرات دون أن تستخدمه ودون أن تستعبده {يا أيها الذين أمنوا لا تحرموا ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون } .


وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة لي من كل شر " .



الشيخ سعد بن عبد الله البريك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ibde3nawa3im.yoo7.com
 
الشباب وطريق النجاة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» النجاة من الهلاك
»  الشباب والتيار الماديات في حياته ...بقلمي ...
»  فريق الهدى:حمــــــ (اركب معنا سفينة النجاة ولا تقل من اين سأبدا) ـــــلة العــ1ــدد
»  ابن عباس.. قدوة الشباب
»  حب الشباب واللطع والبقع الجلدية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الفضاء الديني :: شروحات وافية لكتاب الله تعالى العظيم-
انتقل الى: