بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة على رسول الله
إذا وضعنا رقعة الكرة الأرضية أمامنا، نجد المسلمين يشغلون شطرا عظيما منها، وإذا استعرضنا إحصائيات سكانها نجد رقم المسلمين يبلغ الربع منهم، وإذا فحصنا نتائج بلادهم و محصولاتها نجدها أغنى بلاد العالم و أزكاها تربة، وإذا استقصينا مواقعها نجدها أحسن موقعا و أعدل هواء و أصفى جوا، و إذا رأينا أمزجتهم واستعدادهم الفطري نجدهم أعدل مزاجا وأكمل استعدادا وأنور عقولا، وإذا نظرنا إلى ماضيهم نجده شامخ الأنف رافع الرأس بالعظماء والعبقريين حافلا بجلائل الأعمال والآثار الخالدة، وإذا التفتنا إلى إمامهم الحقيقي في هذه الحياة نجده ذلك الكتاب المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، وتلك السنة الصحيحة سنة من لا ينطق عن الهوى.
ولكن إذا نظرنا من جهة أخرى إلى حالتهم العمومية نجدهم في غفلة وجهالة، في جمود و خمول، في خنوع و تواكل، في هلع وجبن، في ذل وصغار و امتهان، في فقر و بؤس، في تعاسة و شقاء.
استأثرت الأجانب بخيرات بلادهم و كنوزها وأصبح تسعين في المائة منهم تحت الاحتلال أو الوصاية أو الانتداب، و بالمعنى الحقيقي تحت الاستعمار.
و الباقي منهم محاطا بالأهوال مهددا بالأخطار فما سبب هذه الحالة الغريبة؟ وما منشأ هذا البون الشاسع يا ترى؟؟.
الجواب على ذلك بسيط جدا و هو أنهم ضيعوا أوامر الإسلام فضيعهم الله لقاعدة}إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم{. الرعد / 11
عندما كان السلف الصالح واقفين عند حدود الإسلام أيدهم الله و أعزهم فنشروا ألوية الإسلام شرقا وغربا وهم لم يتجاوزا 200 ألف، ولكن لما تعدى الخلف حدوده خذلهم الله ولم يجدهم400 مليون فتيلا، و لا نفعتهم خيرات بلادهم الوفيرة نقيرا، بل كانت عليهم و باء مبيدا و شرا مستطيرا و سلاحا فتاكا في نحورهم، فلقد استثمر الأجانب بلد المسلمين و أحقادهم القديمة و أضغانهم المتوارثة فسلطوهم على أنفسهم بأسماء المذاهب وعناوين الطرق وألقاب القبائل و العشائر و أقسام البلاد، فبنوا بينهم أسوارا و حواجز وهمية فأذكوا بينهم نيران العداوة و البغضاء، فتواثبو وتناحروا و تنازعوا ففشلوا وأذهبوا ريحهم، والمسخ إذا جاء لا يقلب بني آدم قردة و خنازير، ولكن يمسخ النفوس و يجعلها عدوة لدودة لنفسها.
إن 400 مليون نسمة التي نعدها في زمرة المسلمين إنما هي كذلك من حيث الجنس و الجغرافيا، و أما من حيث الوصف الذي يقتضيه جوهر الإسلام فهل نجد من هذا النوع واحدا في المائة.
فلو تتألف جمعية دينية لإحصاء الممتثلين لأوامر الإسلام، و المنتهكين لها، فكم تجد منهم في المائة من المصلين بالوجه الشرعي؟ و كم نجد كذلك من المزكين و كم نجد الصائمين؟ و كم نجد من الحجاج؟ و كم نجد من الآمرين بالمعروفو الناهين عن المنكر..الخ..
ثم كم تجد في المائة من المنتكهين منهم؟؟؟ فلا محالة إنها تجد الأقلية الضئيلة من الأولين والأكثرية الساحقة من الآخرين.
أفبعد هذا نرجو من الله-و نحن نحاربه- أن ينجز فينا وعده بالتمكين في الأرض وأن يتوجنا بتاج العزة إن هذا إلا نقيض سنته في كونه.
إن كل مجد وكل عظمة وكل عز يطلبه المسلم لا من باب الإسلام فمن قبيل إتيان البيوت من ظهورها، و هل هو الإعناء في عناء مغبته الخيبة و الخسران.
لم يغلب المسلمون على أمرهم بقوة السلاح، ولكنهم غلبوا على أمرهم حينما غلبوا على دينهم بث الدعاية ضد الإسلام بأساليب عديدة في مختلف البلاد و العصور، فدخلت في عقيدة الإسلام الصحيحة الناصعة الشكوك والأوهام والخرافات، و فسدت الأخلاق، وتنافرت النفوس و تلاقحت الأضغان، وتراكمت الأحقاد، فأصبح المرء عدو نفسه و قومه وبلاده بدون أن يشعر بالسبب، وهذا نهاية الانحطاط و أسفل دركات السقوط.
أرسلت أوروبا إلى بلاد الإسلام موادها السامة و غازاتها المخنقة فخنقت بها روح الإسلام، وشوهت مرآته، و طمست معالمه، فخدرت أعصاب المسلمين وتركتهم نياما وسكارى غير شاعرين بما لحق بأنفسهم و دينهم و بلادهم.
هجمت على الإسلام بخيلها ورجلها، و حاربته و لا تزال تحارب بكل ما أوتيت من المكر و الخداع و المهارة و السياسة والدسائس و آلات التخريب والتدمير، فعقدت المؤتمرات تلو المؤتمرات، و أبرمت المعاهدات تلو المعاهدات، أرسلت جمعيات التبشير ووزعتها في أطراف البلاد طولها وعرضها كالحمام الزاجل حاملا إليها رسائل النصرانية ظاهرا، والاستعمارية باطنا، و أمدتها بكل ما لديها من مال و سلطان لإفساد العقيدة الإسلامية و تخليص النفوس من الحرية إلى عبادة العباد.
أجرت أنهارا و جداول من أنواع المسكرات في المدائن و القرى و المداشر لتجفيف العقول و مسخ النفوس.
جهزت جيشا جرارا من بنات الهوى وفتحت لها أبواب المراقص والفجور على مصارعها في أنحاء البلاد لقصف الأعمار و إفساد النسل و اكتساح الجيوب.
استحوذت على موارد الثروة العمومية فأفقرت العباد و أفقرت البلاد فثقلت وطأة البؤس و الشقاء على البشرية.
فعلت كل ذلك و غيره ضد الإسلام لكن بعنوان التمدين و مقتضيات الحضارة ومقاومة الوحشية والهمجية فأصابت بهذا مقاتل الإسلام، لولا أن تداركه الله بلطفه و رحمته.
فعلت كل ذلك و ملوك المسلمين منهمكون في اللذائذ و الشهوات و الملاهي ولو كلفهم ذلك بيع دينهم و ملتهم و بلادهم بأثمان بخسة في أسواق الخزيو المهانة و الصغار ، و علماء المسلمين ملجمون بلجام الصمت والسكوت ملازمون قعر بيوتهم مرتدون برداء الجمود و الخمول جبنا أو طمعا في لقب أو مرتب أو وظيف.
و مشايخ الطرق ـ مع مالهم من النفوذ الروحي في نفوس العامة باسم الدين وشارة الشرف النبوي ـ مشتغلون بجمع الزيارات و النذور، بل هم أصبحوا لها أداة صالحة لجمع أعنة المسلمين وإسلاس قيدهم لها، وقد اتخذتهم لطمس معالم الإسلام باسم الإسلام كأمهر جنودها.
و إغواء الشبان من المسلمين الذين كانت ترنو إليهم بلادهم بعين الأمل و الرجاء وتراهم كزهرة أبنائها، أصبحوا رسلا و طلائع لنشر ثقافتها ومزرعة خصبة لبذر بذورها.
تلك هي أسلحتها التي جربتها أجيالا فنجحت بها تمام النجاح، وهؤلاء هم جنودها الأبطال المخلصون، و هاتيك البلاد الشاسعة الأطراف هي معسكرها العام، وذلك الدين الإسلامي العظيم هو هدف رصاصها الفتاك، و لكنه ـ و الفضل لله ـ لم يصب الإسلام في شئ، لأن الله سبحانه أراده أن يبقى حيا عزيزا، وسيبقى كذلك إلى الأبد، و إنما أصاب ذلك الهول أولئك الأبطال المخلصين أنفسهم، ولئن استأصلوا كيانهم من الوجود فللإسلام رجاله، وله رب يحميه، و أرضه واسعة}وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم{محمد/38
نعم كان ذلك الخذلان الفاضح انتقاما من الله لهم وتنكيلا بهم، لما حاربوه وأعرضوا عن شريعته الغراء، ولن يرفع عنهم هذا الخزي في هذه الحياة بنبذ الإسلام و الاستخفاف بأوامره، و الاستهتار في المفاسد و الشرور، ولكن يرفعه عنهم بالرجوع إلى أمره، و الاعتصام بحبله و الالتجاء إلى حصنه الحصــين.
و الرجوع إلى أمره لا يكون بالجهل و التخاذل و التواكل، ولكن يكون بالعلم و الاتحاد و السعي و العمل و الإخلاص.
و هل آن للمسلمين أن يفتحوا أبصارهم وبصائرهم إلى هذه النقط الأساسية فيتفانوا في طريق العلم و يتسابقوا في سبيل التضامن و الاتحاد، ويتنافسوا في ميادين السعي و العمل، ويتزينوا بحلية الصدق و الإخلاص.؟
نعم لقد ظهرت منهم في الشرق و الغرب حركة ترمي إلى ما فيه إعزاز الإسلام وبلاد الإسلام وأبناء الإسلام، لكن نرجو أن تغذى بغذاء الإسلام و لبنه الصافي لا بلبن الإلحاد المسلول وسمه القتال، فإن هذا كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب.
إن الإسلام في حالة الاحتضار هذه ليس في حاجة إلى الاستكثار من عدد المنتسبين إليه، ولا إلى توسيع خريطته خيالا ووهما، فان هذا لم ينقذه مما هو فيه من الضعف و الوهن، و إنما هو في حاجة وفي حاجة أكيدة إلى إسعافه بالأدوية الناجعة إلى العدة اللازمة و القوة العتيدة من المال و العلم و الثقافة الإسلامية.
فمليون من هذا الطراز أجدى و أنفع له من أربعمائة مليون أعداء، فإن الفرد من الأولين في حكم المليون عدة و قوة، و الفرد من الآخرين في حكم الفرد لا غير أليس كذلك أيها المنصفون؟.
فليصرف زعماء الإسلام و مفكروه جهودهم إلى السير بالمسلمين في دائرة الإسلام الواسعة القابلة لأرقى تمدن في الأرض. وليداووا به أدواءهم إن شاءوا حقيقة استرداد عزهم وفخارهم، فإنه شفاء و هدى ورحمة للمؤمنين......