مبشرات في زمن الوهن..
أسرار انتشار الإسلام مع اشتداد الهجمات عليه!!
(4)
عرضنا في الحلقات السابقة من هذه الدراسة المتميزة الأسباب التي يرى الباحث (خباب الحمد) أنها أسهمت في هذا الانتشار الجميل لدين الله تعالى في مشارق الأرض ومغاربها، بالرغم من شدة الحملات المعادية التي تقوم بها جهات شتى وتسخر لها إمكانات ضخمة..
عرضنا في الحلقات السابقة من هذه الدراسة المتميزة الأسباب التي يرى الباحث (خباب الحمد) أنها أسهمت في هذا الانتشار الجميل لدين الله تعالى في مشارق الأرض ومغاربها، بالرغم من شدة الحملات المعادية التي تقوم بها جهات شتى وتسخر لها إمكانات ضخمة. ونختم الدراسة في هذه الحلقة حيث يستهل الكاتب حديثه بالإشارة إلى العنصر العاشر وهو: مناظرات علماء الإسلام مع رؤوس الملل الباطلة وإفحامهم في نهايتها.
(10) المناظرات بين علماء المسلمين ورجال المِلَل الأخرى:
لعل أول ما يتبادر إلى الذاكرة في هذا الميدان، مناظرات الشيخ (أحمد ديدات) -رحمه الله- لكثير من قساوسة النصارى، والتي كانت تنتهي بإعلان عدد من الناس دخولهم في دين الله لما يرونه من نصاعة الحق وهزال الباطل، وإني أدعو قرَّاء هذه الدراسة أن يطالعوا موقعاً لقس أمريكي كان من ألدِّ أعداء الإسلام، وبعد عدد من المناظرات مع دعاة المسلمين هدى الله قلبه حينما آمن بالله حقَّ الإيمان، وصدق الله حينما قال: {..وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ..} [التغابن: 11].
فبعد رحلة طويلة في الكنائس والدعوة إلى النصرانيَّة والهجوم على الإسلام، نجده يعلن الشهادة ويكون من أكثر الناس دعوة لهذا الدين العظيم، ويطلق ثلاثة مواقع باللغة الانجليزيَّة للدعوة إلى الإسلام، وروابطها هي:
www.islamtomorrow.comwww.islamalways.comwww.islamyesterday.comوفي بلاد أخرى يعشِّش فيها الحكم النصراني البغيض ويضطهد المسلمين -هي إثيوبيا- أعلن كثيرون إسلامهم إثر مناظرة حصلت بين أحد الدعاة المسلمين وأحد قساوسة النصارى، وما نتج عنه هو اقتناع كثير من الإثيوبيين الحاضرين بأنَّ دين الإسلام هو الدين الحق، فما هي إلا لحظات حتَّى أعلنوا إسلامهم في القاعة نفسها.
وحول ذلك تحدَّث الشيخ (صالح عبد الواحد) المدير التنفيذي للهيئة العالميَّة للتعريف بالإسلام التابعة لرابطة العالم الإسلامي) حيث خصَّ وكالة الأنباء السعودية (واس) بذكر قصَّة تشير إلى طريقة عجيبة لدخول كثيرين من غير المسلمين إلى الإسلام، فذكر: :أنَّه قد حصلت مناظرة في أثيوبيا لأحد الدعاة الذين يعملون تحت مظلة الهيئة العالميَّة للتعريف بالإسلام، أثيوبي هو الشيخ (قمر حسين) الذي ألف كتابين عن الإسلام والإنجيل والتوراة وقرأهما أكثر القساوسة هناك فطلبوا لقاء الشيخ قمر وهم عشرون قسيسًا، وبعدما انتهى اللقاء طلبوا المناظرة على الملأ فوافق الشيخ، وحضر المناظرة نحو عشرة آلاف ما بين مسلمين ونصارى وقد استمرت ست ساعات، وأسلم على إثرها 144 رجلاً وامرأة في وقت واحد ومن بينهم ثلاثة قساوسة!" (1).
(11) حالات التضييق على المسلمين:
لعلَّه قد يتبادر لذهن الكثيرين من القرَّاء ما ذكرته لنا كتب السيرة حينما قال ياسر بن أخطب لأخيه حيي بن أخطب عندما قَدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة النبوية: "أَهُوَ هُوَ؟ قال: نعم والله! قال: تعرفه بنعته وصفته؟ قال: نعم، والله! قال: فماذا في نفسك منه؟ قال: عداوته ما بقيت!".
ونتذكر كذلك حينما بلغ عبد الله بن سلام مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأتاه فقال: "إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي، ما أول أشرط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه؟ ومن أي شيء ينزع إلى أخواله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها».
قال عبد الله بن سلام: أشهد أنك رسول الله، ثم قال يا رسول الله إن اليهود قوم بهت إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك، فجاءت اليهود ودخل عبد الله البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي رجل فيكم عبد الله بن سلام» قالوا: أعلمنا وابن أعلمنا، وأخيَرَنَا وابن أخيرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفرأيتم إن أسلم عبد الله؟» قالوا أعاذه الله من ذلك فخرج عبد الله إليهم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فقالوا: شرنا وابن شرنا ووقعوا فيه، فقال عبد الله بن سلام: هذا ما كنت أخاف يا رسول الله" (2).
إنَّ هذه القصَّة تعطينا دلالة على أنَّ أعداء الدين لا يريدون للمسلمين أن يبقوا على إسلامهم ودينهم بل يقومون بشنِّ حملة هوجاء للقضاء عليهم كما قال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89]، وقال تبارك وتعالى: { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ...} [البقرة: 109].
وقد وجدنا حملة شرسة من أعداء الدين سابقاً ولاحقًا للقضاء على الإسلام، فنحن لا ننسى أنَّ من أكبر الأسباب للهجوم على المسلمين في البوسنة والهرسك والشيشان وأفغانستان عودة الكثيرين منهم إلى الدين، ورغبتهم في إقامة كيان خاص بهم ليطبقوا أحكام الإسلام، ومع أنَّ الحروب كانت ضدَّهم مجنونة وشديدة، وكان كثير من هؤلاء المسلمين مسلمين بالهويَّة فحسب أو ببعض رسوم الإسلام العامة، فإننا نجد أنًّ الله تعالى مكَّن لهم أكثر وتعلموا شيئا من أمور دينهم بعد تلك الحروب أضعافاً مضاعفة.
فيؤكد عدد كبير من الباحثين الاجتماعيين أن الحرب التي شهدتها البوسنة في الفترة الممتدة بين عامي 1992 و1995 أسهمت في عودة قوية للنساء البوسنيات إلى الإسلام، ويقول الباحثون: "إن السبب في ذلك يعود إلى عدة عوامل منها النشاط الاجتماعي لعدد من المؤسسات الخيرية الإسلامية في البوسنة في أثناء الحرب وما بعدها، وكذلك التحاق مسلمين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصفوف المقاتلين البوسنيين ضد القوات الصربية والكرواتية".
يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة سراييفو (دينو أبازوفيتش): "إن أغلب نساء البوسنة كن قليلات الالتزام بالإسلام، خصوصًا وأنهن كن يعشن في بلد بعيد عن باقي البلدان الإسلامية، وتربين في بيئة تجمعهن مع مسيحيات ويهوديات". وأضاف: "أن البوسنيات اهتممن بهويتهن الإسلامية بشكل كبير بل اعتبرنها شكلا من أشكال المقاومة لأن حوالي 100 ألف قتيل من ضحايا الحرب كانوا مسلمين".
أما أستاذة العلاقات الدولية بجامعة فلوريدا بالولايات المتحدة الأميركية (عايدة هوزيتش) البوسنية الأصل فترى: "أن البوسنيات يتعلمن كيف يبقين مسلمات رغم قرون من التقاليد، لأن هناك من دفعهن إلى هذا الإحساس".
ومن بشائر ذلك كلِّه حينما نقرأ إعلان د. (فاضل فازلتش) أستاذ القرآن والتجويد بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة (سراييفو) ونائب رئيس لجنة التحكيم المشرفة على مسابقات القرآن الكريم: "أن عدد الحفاظ البوسنيين بلغ 982 حافظاً وحافظة، وأوضح أن حفَّاظ كتاب الله من الذكور يبلغون 917 حافظاً، بينما يصل عدد الحافظات إلى 65 حافظة، وأنه في العام الجاري وحده بلغ عددهم 193 حافظاً، منهم 153 رجلاً و40 امرأة".
(12) وجود الأقليات المسلمة بين الكفار واعتزازها بدينها:
ولعلَّ ما يشهد لصحَّة ذلك حجاب طالبة أمريكية مسلمة، معتزة بدينها ومعتزة بحجابها، حيث كانت تذهب به وتروح وتغدو، وهو ما لفت أنظار الناس هنالك، ثم أدَّى لإسلام ثلاثة دكاترة من أساتذة إحدى الجامعات الأمريكية وأربعة من الطلبة، ولقد كان السبب المباشر لإسلام هؤلاء السبعة، الذين صاروا دعاة إلى الإسلام هو حجاب تلك الفتاة..!
يقول الدكتور الأمريكي (محمد أكويا) الذي أسلم قبل عدة سنوات: "ثارت عندنا بالجامعة زوبعة كبيرة، حيث التحقت للدراسة طالبة أمريكية مسلمة محجبة، وكان من بين مدرسيها رجل متعصب يبغض الإسلام ويتصدى لكل من لا يهاجمه، فكيف بمن يعتنقه ويظهر شعائره للعيان؟ كان يحاول استثارتها كلما وجد فرصة سانحة للنيل من الإسلام، وكانت تلك الفتاة معتزَّة بدينها، وتستطيع مناقشته بالحسنى! حتَّى منَّ الله تعالى بسبب تمسكها بحجابها، واعتزازها بدينا لكي يتساءل عدد من الدكاترة عن سبب ذلك، وعن سرِّ هذا الدين الإسلامي الذي تعتزّ به تلك الفتاة حتَّى أعلن عدد منهم الدخول في هذا الدين" (3).
(13) العلمانية وانفصام الشخصية:
إنَّ عدم الشعور بالطمأنينة والراحة، والتأثير المادي الدنيوي وهجوم الإلحاد وطغيان الروح الماديَّة، لهي أكبر الأسباب المؤثِّرة تأثيراً واضحاً وراء اعتناق أناس كثر للإسلام، وممَّا يشهد لذلك الحوار الذي أجرته صحيفة الراية مع البروفيسور الفرنسي (برونو كيدردوني) الذي أسلم حديثاً، وهو خبير في فيزياء الفلك، ويشغل مدير المرصد الفلكي الفرنسي، ومدير أبحاث شؤون الكواكب والمجرات في المركز القومي للبحوث العلمية، ورئيس المؤسسة الإسلامية للدراسات العليا المتطورة، ورئيس الشبكة العالمية للبحث حول العلم والدين في الإسلام..
وحينما سُئل هذا الشخص: "كيف كان دخولك في الإسلام؟" أجاب: "إنني أنتمي لجيل عصف به القلق الروحي، حيث سادت العلمانية في المناخ الثقافي العام من حولنا، ولم يسعفنا الأهل ولا المدارس بأي إجابة روحية لمواجهة ذلك الضغط، لذلك دخلت بمفردي في مسيرة بحث روحية وعقلية طويلة اعتنقت بعدها الإسلام، وذلك بعد أن قرأت الكثير والكثير، وتعمقت في رسالة الإسلام، وبخاصة خلال فترة إقامتي في المغرب ومعايشتي لذلك المد الروحي العميق الذي يسعفنا به هذا الدين الحنيف، وكان عمري 20 عامًا عندما هداني الله إلي طريق الحق..
وكان السؤال الذي طُرح علي في حينها: لماذا الإسلام بالذات؟ أليس الأقرب أن أتجه نحو المسيحية، وهي الدين الغالب من حولي؟! وكانت الإجابة واضحة بالنسبة لي، وهي أن الإسلام وحده، وربما لأنه آخر الرسالات وأقربها عهدًا بالنزول، لا زال يتمتع بسيل روحي دافق، وما زال ينبض بنور الخالق، ولا زال في عنفوان القدرة على تقديم كافة الإجابات الكونية على حيرة الإنسان المعاصر، بينما نجد أن الأديان الأخرى قد تجردت تقريبًا عن هذا بسبب هجمات المادية والإلحاد التي توالت عليها عبر القرون" (4).
ويختتم هذا الشخص جوابه بقوله: "في كل الأحوال فإن الهداية من عند الله، ولا يسعني إلا أن أحمد الله الذي هداني إلى هذا: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43] .
(14) زواج نساء غير المسلمات برجال مسلمين:
وفقاً لإحصاءات أرشيف المعهد المركزي للشؤون الإسلامية، تبين أن أغلب المعتنقين الألمان للإسلام هم من النساء اللواتي يقررن طواعية الدخول في الإسلام سواء عن قناعة ذاتية أو نتيجة ارتباط بزوج مسلم، وأغلبهن منتظمات داخل جمعيات المساجد، ويمارسن العديد من الأنشطة الدينية باللغة الألمانية، حتَّى أنَّ الباحثة الألمانية (ماريا إليزابيث باومان) والتي أصدرت كتابًا بعنوان: (طرق النساء المؤدية إلى الإسلام) قالت: "إن قرابة 250 إلى 300 ألمانية تعتنق الإسلام كل عام، وتقول الإحصاءات إن أربعة من بين كل خمسة ممن يدخلون الإسلام هذه الأيام من النساء" (4).
كما يؤكد الشيخ (عبد الكريم البازي) إمام مسجد في المركز الإسلامي بمدينة (بيلفيلد) الألمانية: "أن ظاهرة انتشار الإسلام بين الألمان في زيادة مستمرة" وعن الأسباب التي تدفع الألمان إلى اعتناق الإسلام، تؤكد (مونيكا فريتاج) المتخصصة في السوسيولوجيا الثقافية: أن أسباب اعتناق الألمان للإسلام كثيرة ومتنوعة تلخصها في الزواج من مسلم بشكل أساسي، وهناك عوامل عديدة أخرى على حد قول هذه الباحثة، أبرزها: "رغبة الألمان في تغيير نمط حياتهم من خلال بناء نظام أخلاقي جديد".
(15) إحسان بعض الحركات الجهادية للأسرى:
لا ينسى المتابع للشؤون السياسية حادثة اختطاف حركة طالبان الأفغانية للصحفية الإنجليزيَّة (إيفون رادلي) وقد ألقت هذه المرأة محاضرة في أحد المراكز تحكي فيه قصَّة اعتقالها من البداية إلى النهاية، وعن تجربتها أثناء الاعتقال، وذكرت: "أنَّها حينما اعتقلها (الطالبانيون) لم يفتِّشوها شخصيًا بل استدعوا امرأة قامت بتفتيشها بعيداً عن أعين الرجال" وذكرت: "أنَّه أثناء التحقيق معها بصقت في وجه المحققين معها، ومع هذا لم يقابلوها بإساءة بل عفوا عنها وصفحوا وأنَّه لم يكن لتصرفها أثر على رجال طالبان الذين استمروا في حسن معاملتها". وذكرت تلك الصحفية: "أنَّهم وعدوها بإطلاق سراحها بعد أن تأكدوا من أنها ليست جاسوسة، ولكنَّهم دعوها للدخول في الإسلام، فوعدتهم أنَّها بعد إطلاق سراحها ستتعرف على دين الإسلام عن قرب، وفعلاً فحينما أطلق سراحها توجهت للقرآن وقرأته وعلمت أنَّه مصدر للأخلاق الإسلامية، فأعلنت إسلامها".
وقبل الختام:
فإنَّ ما ذكرته مجرد غيض من فيض، وقطرة من بحر، على أنَّ هذا الدين العظيم -الإسلام- محفوظ بحفظ الله تبارك وتعالى، وأنَّ نكبات المسلمين وما يعتريهم من هموم ومآسٍ يجب أن تعطيهم روح الفأل الحسن، وقد كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «...ويعجبني الفأل» (أخرجه البخاري في الأدب المفرد (701) بسند صحيح).
فعلى المسلم أن يدرك أنَّ الضربات الموجعة تزيده قوَّة وصلابة وإصراراً على التمسك بدينه (فالضربات التي لا تميت تقوي، ودين الإسلام لن يموت أبداً) ولا بدَّ أن يأتي اليوم الذي يستبشر فيه المسلمون بوعد الله، ويرون بأمَّ أعينهم تهاوي سبل الضلالة والباطل، وعلو الرايَّة الإسلاميَّة الخفَّاقة في كل مكان: {...وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ...} [الروم: 4، 5]. ولا بد للميلاد من مخاض ولا بد للمخاض من آلام.
فكل هذه الأخبار والأنباء عن تزايد انتشار الإسلام، ما هي إلا بشائر للمسلمين، وآمال في رحم الآلام التي يعيشونها، وإرهاصات تعطيهم نظرة متفائلة، على أنَّ المستقبل لهذا الدين، وأنَّ ذلك كله يجب أن يدفعهم إلى مواصلة بذل الجهد في نشر هذا الدين، والتمسك بثوابته، والاعتزاز بالانتماء إليه، وهنيئاً لقلب حي بالإسلام، وبشرى لكل نفس تعلم أنَّه لا حياة مع اليأس، والنفس التي تربط انتماءها للإسلام، فإنَّ عليها أن تنفض عنها غبار الكسل، ووسائل الراحة، وتقول كما قال الدعاة: "لقد مضى عهد النوم".
وإنَّ مما هو مسطور في كتب الحكماء، ومزبور في كتب الفطناء أنَّ من آثر الراحة فاتته الراحة، وأنَّ النعيم لا يُدْرَكُ بالنعيم، ويا أيتها النفس اتركي الوسادة لكي تلحقي بالسادة، وبقدر ما تتمنَّى تنال ما تتعنَّى، وعندها لا هم ولا غم ولا يأس ولا حزن، بل عزيمة وثَّابة، وهمَّة صادقة، وإرادة جادة، {...وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141].
والليل إن تشتد ظلمته فإن الفجر لاح
أبشر فهذا الفجر لاح ها نحن جئنا يا صلاح
قد أدبر الليل العميم وجاء للدنيا صباح
ما دام عرقي نابضاً لن تعرف النفس ارتياح
فقم يا أخي الكريم، واستشعر مسؤوليَّة الدعوة إلى الله واعلم أنَّك ستنال الشرف العظيم من الله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]. وربك يقول لك: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].
وهذا ابن تيميَّة -رحمه الله- يقول: "الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا،وطاعتهم فيما أمروا" (5). ويقول تلميذه العلامة ابن القيم: "فمقام الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد" (6). وكان ابن الجوزي يقول: "أول قدم في الطريق، بذل الروح، هذه الجادة فأين السالك؟!" (7).
ووالله لا نجاح للدعوة ولا وصول، إن أعطيناها فضول الأوقات، ولم ننس أنفسنا وطعامنا، إن جاهلية القرن العشرين زادت ظلام القرون الأخيرة ظلاماً، فلا ترض العيش في الظلام بل:
كن مشعلاً في جنح ليل حالك *** يهدي الأنام إلى الهدى ويبين
وانشط لدينك لا تكن متكاسلا *** واعمل على تحريك ما هو ساكن
والله يأمر بالعشيرة أولاً *** والأمر من بعد العشيرة هين(
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.