الدنيـا طريــق الآخـــرة
يدّعى الكثيرون رغبتهم في إرضاء الله عز وجل و استعدادهم لفعل كثير من العبادات و الطاعات طمعاً في الجنة و رهباً من النار
و لكن تتعدد السبل وتتباين الطرق التي يتخذها هؤلاء للوصول إلى بغيتهم و أملهم، ولعلنا في تتبعنا لأحداث التاريخ قد رأينا الكثيرين من اتباع الملل والنحل والفرق التي ادعت جميعها أنها الأصح طريقهً و منهجا و سلوكا رغم الاختلاف البين بينها.
سنحاول في بحثنا السير ببطء وتدرج مع تعاليم الدين و أحكامه رغبة في السير السليم والحذر واختيار الأصوب من الآراء في العبادات والمعاملات والصفات التي يجب على المسلم أن يتصف بها.
و هنا نتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"إن الدين متين فأوغل فيه برفق ، فان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى" ففي هذا الحديث يحذر صلى الله عليه وسلم من التسرع في فهم الدين ثم التسرع في التنفيذ والتطبيق بدون وعى وفهم كافيين لأحكام الدين وظروف نشأتها وكيفيه تطبقيها.
و لهذا يشبه صلى الله عليه وسلم في حديثه المتسرع في التحدث والتنفيذ لكل شرائع الإسلام باندفاع وعاطفة ملتهبة بالمسافر الذي يسرع بالدابة التي يركبها و يترك القافلة أملاً في الوصول المبكر والأسرع ظنا منه انه يبذل جهدا أو مشقة للوصول للأفضل ، وهو نشيط مجد لا ينكر ذلك أحد و لكنه بتسرعه و تخليه عن الجماعة فقد دابته و أصبح في وسط الطريق لا يملك أن يكمل رحلة سفره و لا هو ظل في جماعته يستأنس بها و يلتزم بطريقها.
و لهذا نقول : إن الإسلام دين له أُسس و قواعد يجب السير عليها دون التسرع في إحداها ظنا منا بعدم أهميتها و أننا قد أحطنا بها علما أو أنها جزئية بسيطة من قواعد الدين لا يجب الوقوف أمامها طويلا ، فكم من أمور أُهملت وظهر بعد فترة من الزمن أهميتها البالغة و كم من أقوال تم تفسيرها و تأويلها على غير وجهها الصحيح مما تسبب في فتنة قاسية بين طوائف المسلمين .ولهذا كان من الضروري التأكيد على السير المنتظم الدقيق الحذر بدون تسرع أو تعجل و أيضا بدون تراخى أو تكاسل في تنفيذ تعاليم الدين وقواعده و شرائعه.
وهناك من تعاليم الدين و قواعده ما لا يفارق المسلم في لحظات حياته وهو العقيدة الصحيحة الخالية من الشوائب والبدع. وهناك الصلة بين العبد وربه وهى العبادات فمنها ما يتم يوميا مثل الصلاة أو شهرا في العام مثل الصوم أو مرة في العمر مثل الحج؛ وهناك المعاملات مع الناس و التي يظهر فيها بوضوح مدى فهم الإنسان لدينه و استطاعته تنفيذه وتطبيقه مع من حوله من أفراد المجتمع
ولهذا رأينا أن نبدأ في دراستنا بالحديث عن أركان الإسلام وكما وضح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأركان التي لا يقوم الإسلام إلا بها هي شهادة أن لا اله إلا الله وان محمد رسول الله و إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج إذا توافرت القدرة المادية والصحية.
وهذه الأركان هي الأهم على الإطلاق فان فرط فيها مسلم لا تغنى عنه جميع السنن وان قام بها فهناك فروض معينة فرضها الله تعالى في أوقات وأماكن محددة لا يجوز لنا الإفراط أو التفريط فيها بل علينا أداءها كما أمر الله تعالى بها أو كما فعلها صلى الله عليه وسلم
و كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إفطار يوم في رمضان بدون عذر لا يعوضه صيام الدهر وان صامه" فهذا هو الشهر الذي اختصه الله بالصيام فلا يجوز لشخص ما أن يختار لنفسه شهرا آخر و يصوم فيه.وصلاه الفجر ركعتان فلو قام الشخص وصلاها بعد فوات وقتها فمهما فعل من السنن لن يعوض هذا الفرض و إن كان ما قام به من السنن أكثر واشق إلا أن الله أمرك بعمل محدد في وقت معين فلا يجوز لك التكاسل فيه أو التراخي في أدائه.
أركان الإسلام:
الركن الأول :العقيدة الصحيحة ؛ لا اله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أساس العقيدة الصحيحة هو الإيمان الصادق بالله عز و جل و أن يؤمن المسلم باتصاف الله بصفات الجلال والكمال و القدرة ، و أن يعلم أنّ الله تعالى يعلم كل شئ و قادر على كل شئ.
وبعيدا عما دار بين العلماء من صفات لله تعالى مثل السمع والبصر و العلم و القدرة 000 فان هذه التقسيمات و التفريعات لم يحدث أن تكلم بها أحد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم و صحابته الكرام حتى آيات القرآن التي تناولت صفات الله تعالى سمعها الصحابة ولم يسألوا عنها حتى لا يدخلوا في أشياء لا قدره لعقولهم على استيعابها فاخذوا بالأحوط والأسلم ولم يتدخلوا في أمور لم يصرح به القرآن ولم يشرحها الرسول صلى الله عليه وسلم .فيعلمونَ جميعهم قوله تعالى : "الرحمنُ على العرش استوى " و "يد الله فوق أيديهم " و قوله صلى الله عليه وسلم :" إن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل وينادي : هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فاغفر له …." و قال صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة و زوجته :" لقد ضحك الله من فعلكما البارحة" لإكرامهما ضيفهما . و لم يسال الصحابة كيف نزل الله تعالى إلى السماء الدنيا و كيف ضحك الله من فعل الصحابي و زوجته.
و كيف يشرح الرسول صلى الله عليه وسلم لهم مثل هذه الأشياء ولا يوجد في الدنيا ما يمكن أن نشبه لهم به الله عز وجل ثم جاء بعد ذلك من تدخل في هذه الآراء والأقوال فضل و أضل فظهر المشبهة والمعطلة وفرق وسطية معتدلة وفرق رفضت الدخول في ذلك الجدل وتلك المناقشات .
وظهرت قضايا علم الكلام و فرق الاعتزال التي أصبحت تناقش كل القضايا بمفهوم العقل والسبب والمسبب والعلل للأشياء وهي أقوال و آراء لا يمكن تطبيقها في كل قضايا الدين ولهذا قال على بن أبى طالب "لو كان الدين يؤخذ بالعقل لكان مسح باطن الخُف أولى من ظاهره إذ انه المعرض للاتساخ و التأثر بالأذى و لكن الذي أمر به الشرع مسح ظاهر الخف وهكذا فعل الرسول و صحابته و يجب علينا الالتزام و الإتباع .
وكذلك حكم التيمم في حالة السفر والمرض والبرد الشديد فكيف نحّكم عقولنا في التطهر بالتراب و هو مظهر من مظاهر الاتساخ إلا انه حكم الله و يجب الإيمان بأنه الأصح و الأنفع دون محاولة تبرير تلك الأفعال فلا نقول أن التراب يقتل الميكروبات و الجراثيم مثلا لتبرير التيمم أو أن الصوم ليشعر الأغنياء بجوع الفقراء فنحن لا نحاول إيجاد الأسباب والعلل للاقتناع بأداء تلك العبادات بل نلتزم بها رغبهً في إرضاء الله و نيل ثوابه والبعد عن عقابه .
ونذكر قوله صلى الله عليه وسلم :"خذوا عني مناسككم" و قوله صلى الله عليه وسلم :" صلوا كما رأيتموني أصلي " أي افعلوا مثلما فعلت ولا تسألوا عن علة و سبب لكل أمر و أن الصحيح و المفيد ما يأمر به الله و رسوله . وكما قال صلى الله عليه وسلم ( أنا زعيم بيت فى ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا ) أى أنا كفيل بالجنة لمن ابتعد عن الجدال فيما لا يفيد ويبتعد عن الخلاف مع الآخرين فى الفرعيات والجزئيات الغير هامة فى حياتنا .وعندما سافر عمر رضى الله عنه للحج و ذهب ليقبّل الحجر الأسود قال :" إني اعلم انك حجر لا تنفع ولا تضر و والله لولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك" إذاً هو الإتباع لأوامر الله عز وجل و أقوال و أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ، و لكن تدخل العقل في كل أمر فهذا يؤدي للحيرة و الاضطراب .
ونذكر عندما حدثت فتنة ( خلق القرآن) أن تحدث البعض هل القرآن مخلوق عند الله منذ القدم أم انه أقوال لم توجد إلا في مناسبة معينة استدعت نزول آيات خاصة بها لم توجد من قبل فقال البعض أن القرآن هو كلام الله و كلام الله صفة من صفاته الأبدية و الأزلية و لا يجوز الاعتقاد بخلقها حديثا وقال آخرون بل هو مخلوق ورفض البعض الدخول في هذا الأمر الذي لا فائدة منه ولا ضرورة للحديث فيه و منهم الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه فهي قضايا فلسفية فجرها المعتزلة و استعانوا بالحكام لإجبار علماء الدين على الحديث فيها و القول بآراء توافق آراءهم فضلَّ الكثيرون بسببهم وعُذب الإمام احمد بن حنبل لرفض القول بخلق القرآن و إنكاره على من يقول بذلك
وهكذا نرى أن الحديث في أمور لم يرد بها نص صريح في كتاب الله أو نص صحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز إذ يترتب عليه اضطراب في فكر المسلمين وكما يقال : ( علم لا ينفع وجهل لا يضر ) ، وكيف يتحدث الإنسان في أمور لن يجدي الحديث فيها نفعا له في حياته أو آخرته ، فالعقل نعمة وهبها الله للإنسان لاكتشاف خبايا نفسه وخبايا الكون من حوله و كيفية الاستفادة بما فيه وبما تتحقق به رفاهية الشعوب و الارتقاء بها .
لكن الحديث في أقوال نظريه لا دليل عليها و يعارض آخرون بأقوال لا دليل عليها أيضاً فكأننا نسبح في محيط بلا سفينة فكيف يستطيع الإنسان الدخول في مجال للحديث لا يمتلك دليلاً وبرهانا يؤكد كلامه و يدحض آراء الآخرين مثل الحديث عن صفات الله وخلق القرآن والروح داخل الجسم و تكوين الجن والشياطين…..
ونذكر قول شيخ الأزهر جاد الحق على جاد الحق عليه رحمة الله عندما أعلن انه لا يقرا في الفلسفة لأنها نوع من " البروباجندا" أي الضجة المفتعلة في أمور غير هامة أو ضرورية .
و خلاصة القول في العقيدة الصحيحة إن شهادة ألا اله إلا الله هي الإيمان بصفات الجلال و الكمال و القدرة والعلم عند الله عز وجل دون التدخل في أمور لم يرد فيها نهى من كتاب أو سنه، و شهادة أن محمد رسول الله وانه بشر تجرى عليه أحوال البشر من يقظة ونوم و نشاط وتعب و صحة ومرض وزواج وتناسل ، ولكنه القدوة والنموذج الذي يحتذي به كل مسلم و المثال الأعلى في العبادات والأخلاق والمعاملات وانه خير البشر من آدم إلى يوم القيامة وانَّه خاتم الرسل و لا تجوز بحقه العيوب والنقائض وانَّه معصوم من الخطأ مغفور الذنوب.
الركن الثاني
الصـلاة )
الصلاة عماد الدين وهي الصلة بين العبد وربه ، فكيف يرضى العبد لنفسه أن يقطع الصلة بينه وبين الله، فهل استغنى عن الله تعالى؟! فالله أغنى منه عنه، ولكن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى فإذا حسب الإنسان أن له من المال والنفوذ و المتعة ما يكفيه ويمنع عنه الضرر و الخطر اعرض واستغنى وهو بهذا يسعى بنفسه إلى هلكتها ، فإذا رفض الإنسان الالتقاء مع الله إذن هو يأبى اللجوء إليه والاعتماد عليه ويظن انه في غنى عن الله.
إذا امتنع الإنسان عن الصلاة فهو كافر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال :" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة من تركها فقد كفر " و قال صلى الله عليه وسلم :" بين الإسلام و بين الشرك الكفر ترك الصلاة " وان كان البعض يفرق بين تارك الصلاة جحودا وإنكارا لفرضيتها و من تركها إهمالا وتكاسلا فحكموا على الأول بالكفر والآخر بالفسق و عدم الخلود في النار لأنه مسلم ، ولكننا نقول :هل تارك الصلاة جحودا أو إهمالا موحد بالله ؟! الحديث صريح وواضح في أن الصلاة هي الفاصل بين الاسلام والكفر فلماذا نحاول اللجوء إلى الحيل و الأقوال الملتفة لكي ندخل البعض دائرة الإسلام وهو منهم براء ، فهم يهملون الصلاة ولا يهتمون بها لأنها لا قيمة لها عندهم وإلا لقاموا لها وجاهدوا في سبيل القيام بها ،فهل يستحق هؤلاء أن نتحايل علي ديننا من أجلهم.
وما أشبه ذلك بمن يقول بعدم طلاق الغاضب وأنه يكون خارجا عن وعيه وإدراكه و بهذا لا يقع طلاقه ، وكأنه يوجد من يلقي اليمين علي زوجته أثناء فرحه وسروره ولهوه معها ، إذا هي حيلة يلجأ إليها البعض ظنا منهم أنهم بذلك يدافعون عن الحياة الزوجية وعن الآسر من التفكك والانهيار بسبب استهتار رجل أو عصبيته ، ولكن الإسلام كان صريحا واضحا أنه من تلفظ بلفظ الطلاق واعيا قاصدا له فقد وقع طلاقه سواء كان غاضبا أو مازحا فهذا شأنه وعليه أن يتحمل عاقبة تهوره واستهتاره فهل ينفعل الرجل ويتسرع في أقواله ثم يحاول العلماء تبرير أخطائه ومحاولة إصلاح ما قام به ؟!!
و يدّعى البعض عدم المقدرة على المحافظة على الصلاة لعدم اعتياده عليها منذ الصغر و عجبا لهذا القائل فلقد اسلم عمر بن الخطاب و عمره 26 سنه فهل قال مثل هذا القول وكان عمر مدمن خمر لا يكاد يفيق منها فهل استمر على ذلك ؟ واسلم حسان بن ثابت وعمره 60 سنه فهل قال بمثل تلك الحجج و المزاعم .
فالأولى بتارك الصلاة أن يسارع إليها حتى يدفع عن نفسه العذاب و عن أهله لتقصيرهم في تعليمه و إلزامه بها منذ الصغر و كما نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم :" علموا أولادكم الصلاة لسبع و اضربوهم عليها لعشر ".
الركن الثالث : الزكاة :
كما رأينا في الشهادة فهي قول باللسان وتصديق بالقلب ، و الصلاة و الزكاة والحج والصوم أعمال تقوم بها الجوارح مع تصديق القلب بها وإيمانه بضرورتها و تنفيذا لأمر الله تعالى بأدائها .
و الزكاة حق لطوائف محددة من المسلمين مستحقين لها لحاجاتهم الضرورية ، و يجب على كل إنسان أن يعلم أن لأخيه المسلم حق في رقبته من ماله و صحته ووقته و جهده و علمه و إن المال الذي قُدّر للبعض الحصول عليه ليس معتمدا على ذكائه وفهمه و قدراته فقط بل بتوفيق الله تعالى له وقد يكون هذا المال فتنة لاختباره : هل يشكر هذا الإنسان لما منحه ربه من نعمة أم تتحول هذه النعمة لنقمة و مصيبة امتلكها و أساء استعمالها, و لعلنا نلاحظ أنه كم من عبقري لم يوفق في حياته و عمله و كم من قوى فشل فى إيجاد وسيلة للرزق وقد يدخل المرء عملا تجاريا فتتوالى عليه الأحداث فيخسر ماله بينما يدخل آخر في مجال مختلف فيكتب له الربح الوفير, فهي أمور يبذل فيها المرء جهده و لكنه لا يضمن النتائج فإن كان خيرا فليشكر الله وإن كان غير ذلك فليصبر ويحتسب .
وليعلم أصحاب الغنى و الثراء أن ذلك الفضل من الله و ليس لشدة ذكائهم وإلا فما أشبههم بقارون عندما قال " إنما أوتيته على علمٍٍِ عندي " أي أنه استطاع الحصول على الرزق بعلمه وذكائه و خبرته, ونذكر صاحب الجنتين الذي ورد ذكره في سورة الكهف إذ نسى فضل الله عليه فتكبر على الفقراء و تباهى عليهم بغناه حتى قضى الله على ما لديه من أملاك ليكون عبرة لغيره , و كذلك أصحاب الجنة في سورة القلم عندما بخلوا بفضل الله عليهم و كرهوا أن يعطوا الفقراء من حصادهم فحرمهم الله من أرضهم و حرقها جزاءاً لهم على بخلهم و جشعهم .
بينما نجد آخرين يطعمون الطعام على حبه مسكيناً و يتيماُ و أسيرا لا يريدون منهم جزاءاً ولا شكورا إلا رغبة فى إرضاء الله و خوفا من عقابه
وحذر الله مانعي الزكاة عن الفقراء بمحق البركة من أموالهم فى الدنيا و العذاب الأليم فى الآخرة فقال تعالى :" والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم , يوم يحمى عليها فى نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ".
فكيف يبخل الغنى بماله عن الفقراء واليتامى و ذوى الحاجات ممن لا يشعر بهم أحد ولا يفكر إلا في نفسه وأطماعه ورغباته, فهذا القدر القليل من المال يعطى لغير القادرين على العمل من الشيوخ و المرضى و الأرامل و اليتامى حتى يحقق لهم القدر اليسير من الأمان في حياتهم, والزكاة نسبه قليلة من المال ولكن عندما تتجمع من العديد من الأشخاص تحقق الأمان و الاستقرار للكثير من الأسر و تضمن لهم حياة كريمة بعيدا ً عن ذل السؤال .
وتارك الزكاة إهمالا وتكاسلا مرتكب لكبيره من أكبر الكبائر و حكم بعض العلماء هل تؤخذ الزكاة من الأغنياء قهرا ولو امتنع يقاتل حتى يؤديها كما فعل أبو بكر الصديق مع المرتدين من مانعي الزكاة, ولكن هذا دور الحاكم المسلم ولا يجوز للأفراد القيام به.
و هناك طوائف من المسلمين حددها الإسلام لمن يستحقون الزكاة وتقسم عليهم وفقا لاحتياجاتهم وقال تعالى عن الزكاة والمستحقين لها :" إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و في الرقاب والغارمين و في سبيل الله و ابن السبيل فريضة من الله و الله عليم حكيم ".
العاملين عليها : مثل العمال الذين يوليهم الإمام لجمعها و حفظها و رعايتها و الكتبة لديونها .
و المؤلفة قلوبهم :هم مسلمون أو كفار؛ إما مسلم سيد في قومه أو ضعيف الإيمان و يرجو الإمام تثبيت الإيمان في قلبه أو مسلمون على الثغور يدافعون عن الإسلام ودياره , وقد يكون كافرا يرجى إيمانه أو كافرا يخشى شره على سبيل عدم زيادة الأعداء واجتناب شرورهم , ولكن إذا زادت قوة المسلمون و اطمئنانهم عل أنفسهم جاز لهم إيقاف هذا القدر من المال و يكون الأولى بهم هم المسلمون بطوائفهم المختلفة مثلما فعل عمر عندما أوقف سهم المؤلفة قلوبهم من الكفار.
وفى الرقاب:هم المكاتبون والأرقاء يساعدون بمال الصدقة لفك رقابهم من الرق ويشترى العبيد فيعتقون.
و الغارمون : هم اللذين تحملوا الديون وتعذر عليهم أداؤها أو تحملوا أمانات وحدث لهم طارئ أضاع المال منهم.
و فى سبيل الله : هم المجاهدون المتطوعون اللذين يأخذون أجرا من الدولة على جهادهم.
وابن السبيل : هو المسافر البعيد عن وطنه ويعطى ما يستعين به على قضاء حوائجه.
الركن الرابع : الصيام :
يقوم المسلمون بالصوم في شهر رمضان تعبدا و تقربا إلى الله تعالى, وقال صلى الله عليه وسلم :" الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" وقال صلى الله عليه وسلم :" من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ مما كان ينبغي أن يتحفظ منه كفر ما قبله "وقال صلى الله عليه وسلم :" من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"
وكما شجع الإسلام على الصوم وأدائه حذر من الإهمال فيه وعدم أدائه فقال صلى الله عليه وسلم :" عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاث , عليهن أسس الإسلام , من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال دمه : شهادة ألا إله إلا الله و الصلاة المكتوبة و صوم رمضان "
وقال صلى الله عليه وسلم :من أفطر يوما في رمضان في غير رخصة رخصها الله له لم يقض عنه صيام الدهر كله و إن صامه" وقال الإمام الذهبي : عند المؤمنين مقرر أن من ترك الصوم في رمضان بلا مرض أو عذر مباح فهو شر من الزاني و مدمن الخمر بل يشكون في إسلامه و يظنون به الزندقة و الانحلال ولعلنا نلاحظ أن الصيام له العديد من الفوائد بالنسبة لاعتياد الأشخاص على السيطرة على أنفسهم و شهواتهم وعدم تلبية جميع رغبات النفس و فيه بذل المشقة و الجهد تنفيذا لأوامر الله ورغم أن الصيام يهدف إلى بذل الجهد إلا أنه لا يهدف إلى إهلاك النفس و إتلاف الجسد فلقد جاء الإذن صريحا في جواز إفطار المريض و المسافر و الشيخ العجوز و الغير قادرين على الصيام لأي غزر يقبله الشرع و يبيحه أهل الدين و المتخصصين في الطب و نلاحظ أن البعض يذكر الحكمة من الصوم وهى أن يشعر الأغنياء بما يعانيه الفقراء من الجوع ولكننا نتذكر أيضا رد الشيخ الشعراوى رحمه الله على هذا القول عندما قال : إذاً لماذا فرض الله الصوم على الفقراء وهم دائما على هذا الشعور بالجوع وهنا نذكر بما قيل من قبل أن لا نحاول تبرير أسباب العبادات من وضوء و صلاة و صوم و حج فهى عبادات أمرنا بها الله بطريقة محددة لا يجوز لنا التغيير فيها بل التنفيذ و التطبيق رغبة فى إرضاء الله و الحصول على ثوابه والإفلات من عقابه.
الركن الخامس: الحج:
الحج ركن من أركان الدين تشترك فيه الجوارح مع العواطف و المشاعر الملتهبة شوقا إلى رؤية البيت الحرام و أماكن مقدسة حدثت عندها الكثير من وقائع التاريخ الإسلامي .
ولابد من توافر النية الصادقة المخلصة في جميع الأركان حتى لا يبذل جهدا و يفاجئ بعدم القبول من الله يوم القيامة بسبب الرياء في العمل وعدم إخلاص النية لله وحده و إشراك غيره معه في الاهتمام بهم .
وكما قال صلى الله عليه وسلم :" إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ٍ ما نوى " وكما قال تعالى في حديثه القدسي :" أنا أغنى الأغنياء عن الشرك".
و لا يجوز لأحدنا أن يشكك في نوايا الآخرين فهذا الأمر لا يعلمه إلا الله ، فعلينا الأخذ بما أمامنا من مشاهد ولا صله لنا ببواطن الأمور و كما قال صلى الله عليه وسلم :"إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان " ولاحق لنا في الحكم على نية الرجل فقد يكون مرائياً يحبط الله عمله وقد يكون مخلصا يستحق الظل من الله تعالى يوم يشتد الحر بالعباد وكما قال تعالى في حديثه القدسي :"سبعه أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي …..رجل قلبه معلَّق بالمساجد"
وامرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأداء فريضة الحج مرة في العمر و لم يقم بها صلى الله عليه وسلم إلا مره واحدة حتى لا يقتدي به المسلمون فيشق عليهم الأمر، ولكن من استطاع القيام بالحج و العمرة أكثر من مره بدون إسراف أو تبذير أو إهمال ضروريات أخرى فلا بأس بفعله . ولكن كما قال د.يوسف القرضاوى و الأستاذ فهمي هويدى أن الحج مره واحدة الأولى و الأفضل لعموم المسلمين بدلا من أداء الحج و العمرة أكثر من مرة أن يُكتفى بمرة واحدة و تكلفة المرات الأخرى يتم التبرع بها للمسلمين في فلسطين و الشيشان والبوسنة وكشمير فهم في أشد الحاجة للمساعدة و مساعدتهم أفضل من تكرار الحج و العمرة فمساعدة المسلم المحتاج فرض والحج و العمرة للمرة الثانية و الثالثة ليس بفرض .
يقول صلى الله عليه وسلم :" تابعوا بين الحج و العمرة فإنهما ينفيان الفقر و الذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد و الذهب و الفضة ، وليس للحج المبرور إلا الجنة " وشجع الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته على الإسراع في أداء فريضة الحج قبل كبر السن و كثره الأعمال وقبل أن تشغلهم حوائج الدنيا فيقول صلى الله عليه وسلم تعجَّلوا الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له "أي ما قد يتعرض له من المشاغل و الأحداث التي قد تعوق أدائه للحج فيسُأل أمام الله عن تقصيره وإهماله حتى ضاعت منه فرصة الحج .
وحذر الرسول من التهاون في أداء تلك الفريضة فهي دين على المسلم يجب أن يؤديه عند إتاحة الفرصة فقال صلى الله عليه وسلم :" من ملك زاداً و راحلة تبلغه إلى بيت الله و لم يحج فما عليه أن يموت إن شاء يهوديا أو نصرانياً " .
إذن هذه هى الأركان التى لا يقوم الإسلام إلا بها وان تهاون المسلم فيها بدون عذر أو مبرر استحق من الله العذاب الأليم فى الدنيا والآخرة واستحق من المسلمين المواجهة والمقاومة ، وتختلف درجته بين الكفر والفسوق وفقا لقدر المعصية واقتناعه بها وممارسته لها فرأينا قتال أبى بكر لمانعي الزكاة لأنها حق فرضه الله على عباده القادرين يؤدى للفقراء منهم ، ولكن فى أمور أخرى مثل التكاسل عن الحج فلا يجوز لنا أن نتهم هذا المتكاسل فى دينه بل نتوجه له بالنصح والعتاب ونترك لله عز وجل حسابه على تقصيره .