الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب تبيانًا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين.. وبعد:
فإن القرآن الكريم خير كتاب أنزل على أشرف رسول إلى خير أمة أخرجت للناس بأفضل الشرائع وأسمحها وأكملها، وهو كلام الله المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين بواسطة الأمين جبريل عليه السلام، المتلو بالألسنة المحفوظ في الصدور، المكتوب في المصاحف، المنقول إلينا بالتواتر، المتعبد بتلاوته المبدوء بسورة الفاتحة المختتم بسورة الناس قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 192-195].
أنزله الله تعالى ليكون دستورًا للأمة([1]) وهداية للخلق وليكون آية على صدق الرسول صلى الله عليه و سلم وبرهانًا ساطعًا على نبوته ورسالته وحجة قاطعة قائمة إلى يوم الدين: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] أنزل القرآن ليقرأه المسلم فيثاب عليه بكل حرف عشر حسنات كما جاء في الحديث([2]) عن النبي صلى الله عليه و سلم، أنزل القرآن ليتدبر المسلم آياته ويتفكر في معانيه وأوامره فيمتثلها ونواهيه فيجتنبها وليتذكر ما فيه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} [ص: 29].
أنزل القرآن ليعلم به المسلم فيحل حلاله ويحرم حرامه ويعمل بمحكمه ويؤمن بمتشابهه([3]) ويتلوه حق تلاوته فيكون حجة له عند ربه وشفيعًا له يوم القيامة قال صلى الله عليه و سلم: «القرآن حجة لك أو عليك»([4])، وقد تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، قال تعالى: {مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه: 123]، وقد سماه الله روحًا لتوقف الحياة الحقيقية عليه، ونوارًا لتوقف الهداية عليه قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشـاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52]