الحديث التحليلي هو
أن يركز الباحث على حديث واحد و يقوم بتخريجه وبيان درجته قبولا وردا ، وجمع الألفاظ التي روي بها قدر الطاقة ، وخصوصا التأليف بين الألفاظ التي تبدو متعارضة ، وبيان معاني المفردات ، والبلاغة والإعراب لما لذلك من دور في ابراز المعنى وتوضيحه.
وايضا سبب الورود إن وجد لمعرفة اللفظ ما يراد به ، وبيان فقهه في ضوء النصوص الأخرى مع بيان فضله و منزلته ، ليعرج بعدها إلى آخر محطة محطة استخراج الفوائد و الأحكام الفقهية و العقدية
و ينبغي على المحلل أن يسير وفق المنهجية المعمول بها في الجامعات و الدراسات العليا ، خطوة بخطوة للوصول إلى النتائج المرجوة ، و تقديمها للقارئ سهلة مستساغة كالثمرة الجنية.
أولا :
تخريج الحديث بالرجوع إلى مضانه من كتب الحديث بدءً بالصحيحين ، ثم السنن الأربعة ، فموطأ مالك ، فمسند الإمام أحمد .. ثم
المصنفات و المستدركات و الجامع بين الصحيحين للحميدي ، و جامع الأصول ، و مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي .. و خاصة المصنفات
لما تحويه من من أقوال الصحابة ، و فتاوى التابعين ، و فتاوى أتباع التابعين أحيانا .
ثانيا :
بيان درجة الحديث صحة و ضعفا ، وذلك بالرجوع إلى كتب التخريج
المشهورة ، كتخريج أحاديث المهذب للحازمي ( ت ـ 584 هـ ) ، و نصب الراية لأحاديث الهداية للزيلعي ( ت ـ 762 هـ ) ، و البدر المنير لابن الملقن ( ت ـ 804 هـ ) ، التلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني .. و زيادة للتوثيق يُستحسن للباحث أن يرجع إلى ما قرره بعض المحققين
المعاصرين الذين جمعوا بتوفيق من الله طرق كل حديث و ما يتعلق به سندا و متنا على ضوء ما وصل إليه جهابذة علماء الحديث الأوائل ، و من هؤلاء ؛ الشيخ / محمد أحمد شاكر في تعليقاته على مسند الإمام أحمد ، و محمد الخضر الجكنّي الشنقيطي في كوثر المعاني الدراري ، و الشيخ ناصر الدين الألباني في السلسلة الصحيحة
ثالثا :
ترجمة خفيفة لرواة الحديث مع ذكر مرتبته من الجرح و التعديل
بشهادة علماء هذا الفن و يُستحن الرجوع إلى كتب الجرح و التعديل ؛ كالتاريخ الكبير للإمام البخاري ( ت ـ 256 هـ ) ، و الجرح و التعديل لابن أبي حاتم ( ت ـ 327 ÷ـ ) ، الجمع بين رجال الصحيحين لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي المعروف بابن القيسراني ( ت ـ 507 هـ ) ، الكامل في أسماء الرجال للحافظ عبد الغني المقدسي ؛ و هو من أشهر الكتب التي جمعت تراجم رجاال الكتب الستة ،و تهذيب الكمال للحافظ الشهير " أبو الحجاج يوسف بن زكي المِزّي ( ت ـ 742 هـ ) ، و المصنفات التي خُصّصت للثقاة و الضعفاء ، مع ذكر أسماء شيوخ رواة الحديث و أسماء بعض تلاميذته ، و في الأخير ذكر تاريخ وفياتهم ..
رابعا :
بيان تعدد روايات الحديث و اختلاف ألفاضه
ففي حديث الحلال و الحرام و المشبهات جاءت لفظة " المشبّهات" ؛ يعني شُبّهت بغيرها مما لم يتبين به حكمهمها على التعيين ، و في رواية الأصيلي " مشتبهات " ؛ أي اكتسبت الشبهة من وجهين متعارضيين ، و في رواية الدارمي " متشابهات " ، و في الطبري " متشبّهات" و في رواية مُشبهات .. قال العيني " و الكل من اشتبه الأمر إذا لم يتضح ، و يقال اشتبه إذا أشكل ، و منه قوله تعالى " إن البقر تشابه علينا " .
خامسا :
ذكر نكت الحديث و لطائفه الإسنادية .. و بهذا المثال يتضح المقال : قال محمد بن إسماعيل البخاري رحمة الله عليه : حدثنا أبو نعيم حدثنا زكرياء عن عامر قال سمعت النعمان بن بشير يقول : " الحلالُ بيّنٌ و الحرامُ بيِّنٌ و بينهما مشبهّات لا يعلمها كثير من الناس .." الحديث .. فهذا الحديث فيه لطائف إسنادية ، منها التحديث و العنعنة ، و رجاله كلهم كوفيون ما عدا النعمان بن بشير و قد دخل الكوفة .، و منها أنه وقع للبخاري رباعي الإسناد ، و وقع له من جهة أبي نعيم خُماسيا ، و وقع لمسلم في أعلى طرقه خماسيا .
و منها ؛ التصريح بسماع النعمان من النبي صلى الله عليه و سلم ، و فيه ردٌّ على من زعم أن النعمان لم يسمع منه صلى الله عليه و سلم ..
سادسا :
بيان سبب ورود الحديث إن كان له سبب مع التحقق من ذلك .
ومعرفة سبب الورود يعين على فهم مراده ؛ فإن العلم بالسبب يُورِث العلم بالمُسبب؛ ولهذا كان أصحُّ قولَي الفقهاء أنه إذا لم يُعرَف ما نواه الحالِفُ رُجِعَ إلى سبب يمينه وما هيَّجها وأَثارَها .. ومن الأمثلة التي تبين أهمية العلم بأسباب ورود الأحاديث وأثره في الفهم الصحيح: قولُ رسول الله : " أنتم أعلم بأمور دنياكم" رواه مسلم. فهذا الحديث يتخذ منه بعض الناس تُكأةً للتهرب من أحكام الشريعة في المجالات الاقتصادية والمدنية والسياسية ونحوها لأنها كما زعموا من شؤون دنيانا، ونحن أعلم بها، وقد وكلها الرسول إلينا!! والوقوف على قصة هذا الحديث وسبب وروده يقطع الطريق على أولئك العلمانيين الكارهين للمشروع الإسلامي والرافضين الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية؛ فسبب ورود هذا الحديث هو قصة تأبير النخل، وإشارته عليه الصلاة والسلام عليهم برأي ظني يتعلق بالتأبير، وهو ليس من أهل الزراعة، وقد نشأ بواد غير ذي زرع، فظنه الأنصار وحيًا أو أمرًا دينيًا، فتركوا التأبير، فكان تأثيره سيئًا على الثمرة، فقال: إنما ظننت ظنًا فلا تؤاخذوني بالظن .. إلى أن قال: " أنتم أعلم بأمور دنياكم" .. فهذه هي قصة الحديث))... و من الكتب التي تكلمت في هذا الباب :
البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف لابن حمزه الحسيني الحنفي الدمشقي ،
اللمع في أسباب ورود الحديث
سابعا :
ذكر أهمية الحديث و منزلته ، و عظم شأنه ، بسرد أقوال العلماء الدالة على ذلك كحديث الحلال و الحرم الذي عدّه أبو داود السجستاني بأنه قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة حيث قال " الإسلام يدور على أربعة أحاديث.. ثم ذكر حديث الحلال و الحرام " أو كحديث " إنما الأعمال بالنيات .." الذي عده الشافعي بثلث العلم مع
الدليل طبعا .. و للحافظ أبي الحسن طاهر بن مفوز المعافري الأندلسي هذا النظم :عمدة الدين عندنا كلمات أربع من كلام خير البرية
اتق الشبهات و ازهد و دع ما ليس يعنيك و اعملن بنيةثامنا :
بيان لغة الحديث من الناحية النحوية و البلاغية
تاسعا
شرح الحديث شرحا إجماليا من خلال بيان مقصده الأساسي ، و يختلف هذا الشرح من حديث إلى آخر حسب خصوصية كل حديث .
عاشرا :ذكر فوائد الحديث ، و ما يستنبط منه .
و حادي عشر :
ذكر الأحكام العقدية و الفقهية للحديث مشفوعة بمذاهب العلماء و الفقهاء ، مع التدليل و التوجيه و فق ما يقتضيه المنهجالعلمي ، مع مراعاة خصوصية موضوع الحديث .