اسماء مدير المنتدى
عدد المساهمات : 4125 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 17/07/2012 العمر : 29 الموقع : https://ibde3nawa3im.yoo7.com
| موضوع: اللغة كنسق رمزي محدود و له القدرة على تحقيق التواصل الأربعاء سبتمبر 05, 2012 8:15 am | |
| إن كلمة "لغة في العربية مشتقة من اللغة أو اللغو ويعني الكلام الفارغ غير المفيد كما تعني مجموعة من الأصوات التي يعبّر بها أفراد مجتمع معين عن حاجاتهم وأغراضهم وبالنسبة إلى "غوسدورف" تتحدّد اللغة باعتبارها وسيطا بين الإنسان والعالم، بين الإنسان والآخر وبين الإنسان وذاتهّ، وسيطا يمكن الإنسان من تحقيق التواصل وتحقيق إنسانيته التي تشترط الفعل التواصلي ذلك أن الوجود في العالم بالنسبة للإنسان عند "غوسدورف" يعني أخذ الكلمة أي تحويل التجربة إلى عالم من الكلام فالكلام هو طريق الدخول في الواقع الإنساني، وهذا يعني أن الطفل بعد أن يقطع صمت الحياة العضوية بفضل التحكم المتدرج في اللغة يتحدد كذات ويتمكن من التواصل مع بني جنسه. فالعالم «ينتظر إيحاء الإنسان حتى يظهر ظهورا تاما» وهو ما يعني أن اللغة تؤسس عالما رمزيا متميزا يستحضر العالم ولكن لا يشبهه لأن الكلمات ليست الأشياء ولذلك كانت اللغة نظاما رمزيا، و الوظيفة الرمزية في اللغة تتمظهر في القدرة على استعمال رموز أي شيء ما، علامة تمكننا من تمثل شيء آخر رغم غياب هذا الأخير. وهذا يعني أن اللغة هي نسق من العلامات ليس له علاقة مادية بما تعنيه هذه العلامات وهذا الاختلاف عن الواقعي يعطي اللغة نوعا من الاستقلالية على ما هو كائن ومن هذا المنطلق تمكننا اللغة مثلا من طرح مشكلة الحقيقة أي مشكل تطابق اللغة مع الواقع ومشكل الكذب بما هو اللاتطابق المقصود بين اللغة والواقع كما تمكن الإنسان من تسمية ما لا يمكن تحسسه كالمفاهيم العامة والمفاهيم المجردة. و هذه الاستقلالية التي للغة على الواقع تجعل اللغة قادرة على تكوين معاني مستقلة عن الواقع أي الكلام عما لا يوجد أو الكلام عمّا لم يوجد بعد (المستقبل) أو الكلام عما لم يعد موجودا (الماضي) واللغة بهذا المعنى هي ما يمكّن الإنسان من الارتباط بالعالم ولكن أيضا ما يسمح له بالارتحال عنه. وهذه الاستقلالية والتسيير الذاتي للغة جعل "غوسدورف" يعتبرها الوسيلة الجوهرية التي تمكن الفرد من تمثل ثقافة المجموعة التي ينتمي إليها إذ أنها تمثل النسق الثقافي الذي يمكن الإنسان من تعلم كل الأنساق الثقافية الأخرى، و بالتالي فإن اللغة تمكن الإنسان من تجاوز كينونته البيولوجية لأن «الكائن البشري لا يتموقع داخل ذاته، وإذا كانت حدود جسمه تشكل خطا فاصلا فإنها ليست أبدا حدّا مطلقا» مثلما عبر عن ذلك غوسدورف، وهو ما يعني أن الوظيفة الأولى للغة هي التواصل بين الناس. فأن نتكلّم هو أن نتواصل، وبالتالي فعل الكلام هو فعل تمرير المعلومات، وهو ما يتضمن كوننا نستطيع أن نتكلّم دون أن نفهم أو حتى أن نتكلم لكي لا نقول شيئا، ذلك أن البعد الإنساني في اللغة لا يتمثل في المحتوى المتبادل أو في المعلومة المتبادلة ولكن في فعل التواصل ذاته، أي في الفعل الذي يجعلنا نقتحم عالما مشتركا وإنسانيا. وهكذا يقرّ "غوسدورف" بأن اللغة تكوّن الإنساني ذاته كشبكة للتبادل والمشاركة، لذلك فإن اللغة هي قبل كلّ شيء رابط اجتماعي فاللغة منظومة اجتماعية وهذا المصدر الاجتماعي للغة جعل "غوسدورف" يعتبر أن البحث عن الإنسان الذي اخترع اللغة هو بحث غير مجد لأننا مهما عدنا إلى الوراء في التاريخ فإننا لن نتمكن من تحديد الأصل الجذري للغة. وهذا الأصل الاجتماعي للغة يجرنا إل التمييز الذي يقوم به الألسنيون بين اللسان والكلام فاللسان هو الجانب الاجتماعي أي منظومة العلامات والقواعد التي تنظم استعمال هذه العلامات (الجانب الاجتماعي الذي لا دخل للفرد فيه) أمّا الكلام فهو الاستعمال الفردي للسان لذلك فإن «دي سوسير» عندما حدّد اللغة كنسق من العلامات افتتح بذلك عهدا جديدا في دراسات اللغة، عهد المقاربات الموضوعية ومن هذا المنطلق تمثل نظرية "العلامة اللسانية" أحد المرتكزات الإنسانية للمقاربة اللسانية للغة فالعلامة اللسانية هي واقع يتكون من عنصرين لا يمكن الفصل بينهما: الدال أو الصورة الصوتية والمدلول أو الصورة الذهنية أو الفكرة أو المفهوم الذي يحيل إليه الذال، ويؤكّد الألسنيون بصفة عامة بأن العلامة اللسانية هي جزء من اللغة كظاهرة مستقلة بذاتها لذلك لا يجب أن لا نخلط بينها وبين الواقع الذي تمثله أي ما يسميه الألسنيون بالمرجع، وهكذا فإن المدلول "شجرة" هو مفهوم مجرّد لا يجب خلطه مع أي شجرة خاصة في الواقع، باعتبارها نسقا من العلامات تتميز اللغة كليا عن الواقع فبالنسبة لـ"دي سوسير" تدخل دراسة اللغة كنسق من العلامات في علم أوسع من اللسانيات هو السيميولوجيا «هو علم أنساق العلامات». لكن هذه الاستقلالية التي للغة والوظيفة التواصلية التي تضطلع بها تفتح على مفارقة داخل اللغة بين التعبير الذي يرتبط بالكلام والذي يسعى إلى إخراج عمق الذاتية دون اعتبار المتقبل وبين التواصل الذي ينحى قبل كلّ شيء إلى الموضوعية الواضحة والخالية من اللبس لتجنّب سوء التفاهم. ذلك أن التواصل حوارٌ، و لأنه حوار فإنه يقتضي إفساح المجال أمام الناس للتعارف المتبادل كمقدمة للفهم والتفاهم، و لذلك فإن الآخر مثل طرفا أساسيا في فعل التواصل اللغوي ففي هذا التواصل يحضر الآخر حتى عند غيابه، وفي أبسط أشكال هذا الحضور يندرج حوار الذات مع ذاتها. وهذا يعني أن وعي الذات بذاتها يتحقق عبر اللغة كنظام رمزي وأن الاعتراف المتبادل يقتضي بدوره الأنظمة الرمزية. وإذا كان "غوسدورف" قد أقرّ بأن اللغة هي وسيط ضروري بين الإنسان والعالم الذي يناجيه بين الإنسان وذاته، رغم أن الإنسان ليس وحيدا، وبين الإنسان والآخر فإن اللغة هي أداة التواصل التي تفترض البينذاتية إذ في الانفتاح على الآخر عبر اللغة يحصل التواصل الحقيقي. غير أننا عندما نحدّد اللغة كوسيلة للتعبير أو للتواصل فإنّ ذلك يفترض أن التفكير سابق عن اللغة التي تأتي بعده لتحاول التعبير عنه كذلك هو الشأن مع "ديكارت" عندما أقر بتعالي الفكر على اللغة، فنجد أنفسنا أمام مشكلين على الأقل، أولا هل أن اللغة تتوصل حقا إلى الاضطلاع بهذه الوظيفة على أكمل وجه؟ أي هل أنّ اللغة بالنسبة للفكر هي وسيط شفاف ووفي أم أنها عائق و تزوير للحقيقة؟ وثانيا، هل أنّ اللغة ليست إلا مجرّد أداة لتخريج الداخلية أم أنها تتدخل في تكوين هذه الداخلية أي الفكر؟ يرى "برغسون" أن اللغة تحجب عنا حقيقة الذات وحقيقة العالم الخارجي، إذ لها الوظيفة الاجتماعية والنفعية المتمثلة في التعرف والتواصل حول ما هو عام ومكرور في الواقع بما أنها تسمّي الأشياء وتسهّل على الإنسان الفعل في العالم. ولكن طابع العمومية الذي يسم اللغة والأسماء التي تنتجها يجعل منها عاجزة عن التعبير بدقة عمّا هو أصيل في المسميات سواء تعلّق الأمر بأشياء العالم أو بحالات الذات، وهذا الفشل الذي يشدد عليه برغسون، يرجع في الحقيقة إلى مسلمة برغسون بكون الحقيقة تدرك مباشرة في صمت الحدس غير القابل لأن يقال. ومهما تكن زاوية نظر "بروغسن" لعلاقة اللغة بالتفكير فإنها تفترض تبعية الفكر بالنسبة للغة، تبعية تعرّض الفكر إلى عديد الأخطار التي رغم تعدّد تمظهراتها يمكن اختزالها في خطر واحد هو خطر تعويض اللغة للفكر فينتفي الفكر كفكر، وهو ما يحدث عندما نعتقد أنه يكفي أن نتكلّم حتى نفكّر أي عندما يتخلى الفكر عن مقتضياته ويقع في اللفظية (le verbalisme) أي غلبة اللفظ على المعنى بحيث نمنح الألفاظ من الأهمية أكثر ممّا نمنحه للمعاني ومن هذا المنطلق بالذات يذكّر "ألان" بأن مهمة الفلسفة ليست تقديم محتويات جديدة بقدر ما تتمثل في الصياغة الواضحة لما يعرفه العقل بعد بشكل غامض. ولكن هناك خطر آخر أعظم من اللفظية فعندما نستعمل اللغة قصديا لتنويم الفكر والإرادة، للتأثير في المتقبل تتجلى خطورة اللغة على الفكر بأكثر عمق إذ تكون الكلمة وسيلة للفعل في الآخر، وذلك ما يكشف عنه "بارط" عندما أقرّ بأن "اللغة سلطة تشريعية اللسان قانونها" بحيث تمارس اللغة اكراها بنيويا يستحيل فيه التمييز في عملية التواصل بين المحتوى والشكل، مما يجعل منها أداة هيمنة و نفوذ لا يكاد خطرها يفارقها حتى في اقوى اللحظات التي تظهر فيها كوسيلة كأداة تغتني بها التجربة التواصلية، بل إن اللغة لا تنفك عن خداع المتكلم كلما زادت ثقته بها، فما أن تعتقد الذات أنها امتلكت اللغة و أصبحت الفاعل و المتصرف فيها، ما أن تعتقد أنها تتحكم في مشيئتها حتى تستيقظ على الخطر الثاوي فيها، مما جعل هيدغر لا يتوانى في الإقرار بأن اللغة « خطر الأخطار جميعا لأنها هي التي تبدأ بخلق إمكانية الخطر.» وهكذا فإن لعبة السلطة داخل اللغة تبدأ بما تحمله اللغة من قواعد و علامات، أي أن شروط تحقق اللغة كوسيلة للتواصل، يجعل اللغة تحمل في ذاتها هيمنة على الذات، إكراها بنيويا. غير أن سلطة اللغة تتمظهر في الفعل التواصلي من جهة كون اللغة هي أيضا سلطة إقناع و استقطاب، لا بما تفرضه، هذه المرة، على المتكلم من قواعد و علامات، بل بما تمنحه للمتكلم من صيغ القول فتجعله في مرتبة الحاذق للعبة الكلمة فتنصبه الكلمات التي ينطق بها سيدا للكلام و بالتالي سيدا على المتقبل فتسقط الذات في لعبة العبودية التي للغة. ذلك هو «نفوذ القول الجازم و تبعية التكرار و الاجترار» الذي يتحدث عنه بارط، ذلك أن اللغة ليست مجرد أداة طيعة تخضع لسلطان الذات المتكلمة و إمرتها بل هي «سلطة توجيه و إخضاع معممان». إنها فاشية، و الفاشية عند بارط ليست أن نمنع من القول و لكن أن نرغم على القول. للكلمة سلطة إذن، إنها تمارس عنفا رمزيا، العنف الرمزي الذي يولّد حسب "بورديو" تبعية لا تُرى بالاستناد إلى انتظارات جماعية واعتقادات اجتماعية أنتجتها ورسختها وسائل الاتصال، وفي هذا العنف الرمزي تتجلى السلطة الرمزية باعتبارها سلطة تكوين المعنى بمجرّد التصريح به، سلطة الفعل في العالم عبر الفعل في تمثل العالم وتتحقق في علاقة تنتج الاعتقاد في شرعية كلمات أو شرعية الأشخاص الذين ينطقونها وهذه العقيدة العملية هي حقّ الدّخول الذي تفرضه بطريقة خفية كلّ الحقول الاجتماعية (السياسية، والعلمية...). والفرض لا يتمّ فقط بمعاقبة أو استبعاد من يسعى إلى تحطيمها بل بأن تجعل من عملية الاختبار والتكوين للمنتدبين الجدُد من طبيعة تجعل المنتدبين أنفسهم موافقين على الافتراضات القبلية الأساسية للحقول الاجتماعية فيتم القبول دون نقاش، يتحقق القبول بشكل سابق عن التفكير، وأفعال الاعتراف المتعدّدة والتي تمثل عملة هذا القبول المؤسس للانتماء أو التي تولّد بصفة متواصلة اللا اعتراف الجمعي هي في ذات الوقت شرط ونتيجة اشتغال هذه الحقول الاجتماعية. [b][i] | |
|