حديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
السؤال
: في الحديث : (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) ، هل المقصود
أن الشخص كافر - حتى لو أنه يؤمن بالقرآن والسنة - حتى يحب إخوانه ، أم
المقصود أنه غير كامل الإيمان ؟ أرجو التوضيح .
الجواب :
الحمد لله
يرد
نفي الإيمان في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ويراد به تارةً : نفي
أصل الإيمان ، فيكون الشخص كافراً . ويراد به تارة أخرى : نفي كمال الإيمان
، فيكون الشخص معه أصل الإيمان ، فهو ليس كافراً ، غير أنه ناقص الإيمان .
والحديث المسؤول عنه هو من النوع الثاني .
قال النووي رحمه الله :
"قال العلماء رحمهم الله : معناه : لا يؤمن الإيمان التام ، وإلا فأصل الإيمان يحصل لمن لم يكن بهذه الصفة" انتهى .
"شرح مسلم" (2/16).
وقال القرطبي :
"معناه
: أنه لا يتم إيمانُ أحد الإيمان التام الكامل ، حتى يضم إلى إسلامه سلامة
الناس منه ، وإرادة الخير لهم ، والنصح لجميعهم فيما يحاوله معهم" انتهى .
"المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم" (1/224) .
وقال أيضا :
"أي : لا يكمل إيمانه ؛ إذ من يغش المسلم ولا ينصحه مرتكب كبيرة ، ولا يكون كافراً بذلك ؛ كما قد بَيَّنَّاه غير مرة .
وعلى
هذا : فمعنى الحديث : أن الموصوف بالإيمان الكامل : من كان في معاملته
للناس ناصحاً لهم ، مريداً لهم ما يريده لنفسه ، وكارهاً لهم ما يكرهه
لنفسه" انتهى .
"المفهم" (1/227) .
ويدل
على أن المراد من النفي في هذا الحديث نفي كمال الإيمان ، أنه قد جاء
الحديث عند ابن حبان بلفظ : (لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما
يحب لنفسه من الخير) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1780) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"والمراد بالنفي : كمال الإيمان ...
وقد
صرح ابن حبان - من رواية ابن أبي عدي عن حسين المعلم - بالمراد ولفظه :
(لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان) ومعنى الحقيقة هنا الكمال ، ضرورة أنَّ مَن لم
يتصف بهذه الصفة لا يكون كافراً" انتهى .
"فتح الباري" (1/57) .
وقال ابن رجب رحمه الله :
"(لا
يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير) هذه الرواية
تبين معنى الرواية المخرجة في الصحيحين ، وأن المراد بنفي الإيمان نفي
بلوغ حقيقته ونهايته ، فإن الإيمان كثيرا ما يُنفَى لانتفاء بعض أركانه
وواجباته ، كقوله صلى الله عليه وسلم : (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ
يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ
مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) ،
وقوله : (لَا يُؤْمِنُ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ) " انتهى .
"جامع العلوم والحكم" (120) .
ومعنى
نفي كمال الإيمان هنا : أي : الكمال الواجب ، فمن لم يحب لأخيه ما يحب
لنفسه كان مقصراً يما يجب عليه من الإيمان ، مرتكباً شيئاً محرماً ، يستحق
عليه العقاب .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
"لمَّا
نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، دل
على أن ذلك من خصال الإيمان ، بل من واجباته ، فإن الإيمان لا يُنفَى إلا
بانتفاء بعض واجباته ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (لَا يَزْنِي
الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ) الحديث ، وإنما يحب الرجل لأخيه
ما يحب لنفسه إذا سلم من الحسد والغل والغش والحقد ، وذلك واجب" انتهى .
"فتح الباري" (1/41) .
والله أعلم .