الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات
أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله
واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات
والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات
وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا
أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ
ثم أما بعد :
تحية طيبة لكل الإخوة مشرفين وأعضاء ورواد منتديات ستار تايمز وبالأخص منتدانا الحبيب
~ الدعوة والإرشاد~
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
الأدلة من القرآن على وجوب الحكم بشرع الرحمن
حملة تطبيق الشريعة الإسلامية
كتبه : محمد عبدالله الشيخ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه واستن بسنته وسار على طريقته إلى يوم أن نلقاه . أما بعد.
فهذه وقفات ، في عدة نقاط ، ليتعظ بها ذوو العقول من البريات ، وليعتبروا بمن فات، ويسارعوا لإرضاء رب الأرض والسموات ، فيعيشوا في الدنيا بلا آفات ، وفي الآخرة يدركوا الجنات.
فإلى هذه النقاط :ـ
-1 لابد لكل مسلم أن يعلم علم اليقين أن إسلامه وإيمانه لا يكون مقبولاً إلا إذا طبق أحكام الشرع على نفسه وعلى كل الناس ، وانقاد هو وكل الناس ، لرب الناس سبحانه وتعالى ، واتبع سنة خير الناس - صلى الله عليه وسلم-
فالإيمان لا يتحقق أبداً إلاّ بالإذعان لأمر الله تعالى وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - مع التصديق، فلو انفرد التصديق فقط لم يتحقق الإيمان، ولو انفرد الإذعان والعمل والتطبيق فقط لم يتحقق الإيمان، فلا بدّ في تحقق الإيمان اجتماع التصديق والإذعان، والقول والعمل والتطبيق ، قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} (النساء/65(
2- وليعلم كل مسلم أن عدم تحكيم الشريعة في حياة الناس جريمة دينية واجتماعية وسياسية ، فما ينبغي لمؤمن أبداً أن يخالف ما أمر الله تعالى به أو ما أتى به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهذا من أبطل الباطل وأبعد عن طريق الحق بعداً ظاهراً بيناً .
قال تعالى) : وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} (الأحزاب/36)
ولا يجوز بحال من الأحوال الفصل بين العقيدة والشريعة ، أو بين العلم بالدين والعمل به ، وإن كانت العقيدة تمثل جانب التصديق والإيمان، والشريعة تمثل جانب التطبيق والإذعان فلا انفصام ولا انفصال بين عقيدة المسلمين وشريعتهم، ولا بين الاعتقاد وبين الاحتكام، وهذا واضح بيّن لا يحتاج إلى كثير استدلال، وقد جمع القرآن بينهما.
قال تعالى : {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة / 285(
قال ابن كثير على هذه الآية : فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد أحد، فرد صمد، لا إله غيره، ولا رب سواه. ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء، لا يفرقون بين أحد منهم، فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، بل الجميع عندهم صادقون بارون راشدون مَهْديون هادون إلى سُبُل الخير، وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن الله، حتى نُسخ الجميع بشرع محمدّ صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي تقوم الساعة على شريعته، ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين.
وقال تعالى : {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلُيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } (النساء/173)
معنى الآية :أن الله تعالى يخبرنا أن الذين صَدَّقوا بالله اعتقادًا وقولاً وعملاً واستقاموا على شريعته فيوفيهم ثواب أعمالهم كاملاً لا نقص فيه, بل ويزيدُهم من فضله, وأما الذين امتنعوا عن طاعة الله تعالى, واستكبروا عن التذلل له بالتحاكم لشرعه سبحانه فيعذبهم عذابًا موجعًا مؤلمًا, ولا يجدون لهم وليًّا ينجيهم من عذابه يوم القيامة, ولا ناصرًا ينصرهم من دون الله سبحانه يوم لا ينفع مال ولا بنون.
وقال تعالى : {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة : 27]
أي إن الذين ينكثون عهد الله الذي أخذه سبحانه عليهم بالتوحيد والطاعة, وقد أكَّده بإرسال الرسل - عليهم السلام - وإنزال الكتب, ويخالفون دين الله كقطع الأرحام ونشر الفساد في الأرض, أولئك هم الخاسرون في الدنيا والآخرة.
وعلى ضوء ما سبق نعلم أن تطبيق تحكيم الشريعة الإسلامية، واجب في كل مناحي حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية جميعاً.
وهاكم الأدلة من القرآن(1) بما يقطع بلزوم تطبيق الشريعة ووجوب تحكيمها في حياة الناس كلها بل في كل مناحي الحياة.
أولاً: القرآن الكريم:
ما ترك الله تعالى أمر التحاكم إلى شرعه عز وجل إلا وبينه أوضح بيان وأكد عليه بشتى أنواع التأكيدات ، فمن ذلك.
1- قوله تعالى :{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ } (المائدة/48)
أي: وأنزلنا إليك -أيها الرسول- القرآن, وكل ما فيه حقّ يشهد على صدق الكتب قبله, وأنها من عند الله, مصدقًا لما فيها من صحة، ومبيِّنًا لما فيها من تحريف، ناسخًا لبعض شرائعها, فاحكم بين المحتكمين إليك من اليهود بما أنزل الله إليك في هذا القرآن, ولا تنصرف عن الحق الذي أمرك الله به إلى أهوائهم وما اعتادوه, فقد جعلنا لكل أمة شريعة, وطريقة واضحة يعملون بها. (التفسير الميسر/116(
2- قوله تعالى : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } (المائدة/44)
قوله تعالى :{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (المائدة/45)
قوله تعالى :{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (المائدة/47(
وتاركي التحاكم إلى شرع الله تعالى لهم أحوال مختلفة ، وهذه الآيات بينت هذه الأحوال على النحو التالي:.
الحالة الأولى : هم الذين يبدلون حكم الله الذي أنزله في كتابه, فيكتمونه ويجحدونه ويحكمون بغيره معتقدين حله وجوازه فأولئك هم الكافرون.
الحالة الثانية : وهو الذي لا يحكم بما أنزل الله في القصاص وغيره, فأولئك هم المتجاوزون حدود الله وأولئك هم الظالمون. وهذا هو الذي لا يحتكم إلى الشرع وإن اعتقد صلاحه ووجوبه، مع قدرته على الالتزام به.
الحالة الثالثة : وهو الذي يخالف ما أنزل الله تعالى لشهوة أو شبهة فأولئك هم الخارجون عن أمره تعالى العاصون له سبحانه وأولئك هم الفاسقون لأنهم متساهلون الاحتكام إلى الشرع.
3- قوله تعالى : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } (النساء/65(
أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة أن هؤلاء لا يؤمنون حقيقة حتى يجعلوك يا رسول الله حكمًا فيما وقع بينهم من نزاع في حياتك, ويتحاكموا إلى سنتك بعد مماتك, ثم لا يجدوا في أنفسهم ضيقًا مما انتهى إليه حكمك, وينقادوا مع ذلك انقيادًا تاماً, فالحكم بما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الكتاب والسنة في كل شأن من شؤون الحياة من صميم الإيمان مع الرضا والتسليم.
(التفسير الميسر/88)
4- قوله تعالى : {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } (الجاثية/18)
يقول سبحانه وتعالى : ثم جعلناك -أيها الرسول- على منهاج واضح من أمر الدين, فاتبع الشريعة التي جعلناك عليها, ولا تتبع أهواء الجاهلين بشرع الله الذين لا يعلمون الحق. وفي الآية دلالة عظيمة على كمال هذا الدين وشرفه, ووجوب الانقياد لحكمه, وعدم الميل إلى أهواء الكفرة والملحدين ، أي يجب على كل مسلم أن يلتزم بالشرع المبين ويخالف كل ما عداه من القوانين.
5- قوله تعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً } (الأحزاب/36)
هذه الآية نزلت في عبد الله بن جحش واخته زينب - رضي الله عنهما - التي خطبها النبي لزيد بن حارثة فكرها ذلك حين علما لظنهما قبلُ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطبها لنفسه ثم رضيا للآية فزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - لزيد.
فلا ينبغي لمؤمن ولا مؤمنة إذا حكم الله ورسوله فيهم حُكمًا أن يخالفوه, بأن يختاروا غير الذي قضى فيهم. ومن يعص الله ورسوله فقد بَعُدَ عن طريق الصواب بُعْدًا ظاهرًا.
6- قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } (الأنفال/24(
يقول سبحانه : يا أيها الذين صدِّقوا بالله ربًا وبمحمد نبيًا ورسولا استجيبوا لله وللرسول بالطاعة إذا دعاكم لما يحييكم من الحق, ففي الاستجابة إصلاح حياتكم في الدنيا والآخرة, واعلموا -أيها المؤمنون- أن الله تعالى هو المتصرف في جميع الأشياء, والقادر على أن يحول بين الإنسان وما يشتهيه قلبه, فهو سبحانه الذي ينبغي أن يستجاب له إذا دعاكم; إذ بيده ملكوت كل شيء, واعلموا أنكم تُجمعون ليوم لا ريب فيه, فيجازي كلا بما يستحق. (التفسير الميسر/179(
ففي هذه الآية الأمر بالاستجابة لله تعالى ولرسوله ، أي الاستجابة لكتاب الله تعالى ولسنة رسوله - صلى الله عليه سلم - أي التحاكم لما فيهما من أحكام ، التي أنزلها الله تعالى لإصلاح الأنام.
7- قوله تعالى : {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } (النساء/105(
يبين لنا سبحانه : إنه أنزل إلي الرسول- صلى الله عليه وسلم - القرآن مشتملا على الحق الواضح ، ليحكم بين الناس جميعًا بما أوحى الله تعالى إليه, وبَصَّره به, فلا تكن يا رسول الله للذين يخونون أنفسهم -بكتمان الحق- مدافعًا عنهم بما أيدوه لك من القول المخالف للحقيقة.
هذه بعض الأدلة من كتاب ربنا تدل على وجوب تطبيق الشرع على الخلق . وفق الله تعالى الجميع إلى ما يحب ويرضى ، وإلى صلاح الدنيا والآخرة.
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد و آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيراً