معظم حالات الإعاقة الذهنية في معظم الدول العربية ناتج عن زواج الاقارب
زواج الأقارب مفضّل فى بعض المجتمعات خصوصاً الشرقية منها لأسباب كثيرة منها الرغبة في الاحتفاظ بالثروة داخل الأسرة
نسبة الحالات المرضية نتيجة للحمل وتوابعه تزداد عند السيدات المتزوجات من أقاربهن ونسبة التعرض للعمليات القيصرية تزداد كذلك
ظاهرة زواج الأقارب تتعارض مع حرية الاختيار والحب العاطفي الحقيقي ومبدأ الاندماج والتثقيف والتوعية يلعبان دوراً كبيراً في الحدّ من تلك الظاهرة
يكثر زواج الأقارب (زواج بين أثنين تجمعهما رابطة الدم) في كثير من المجتمعات ومنها مجتمعنا العربي، وكثر الحديث عن علاقة زواج الأقارب بالأمراض الوراثية في الذرية وذلك نتيجة للتقدم العلمي في علوم الوراثة في عصرنا الحاضر وما صاحب ذلك التقدّم من اكتشاف كثير من الحقائق العلمية لم تكن مفهومة في العصور الماضية. وترجع أهمية هذا الموضوع الى أن زواج الأقارب مفضّل فى بعض المجتمعات خصوصاً الشرقية منها لأسباب كثيرة منها الرغبة في الاحتفاظ بالثروة داخل الأسرة، وصغر السن عند الزواج وما يصاحبه من عدم النضج العاطفي وانفراد الآباء بالقرار ، وتحتم التقاليد في بعض القبائل العربية ألا يتزوج البنت إلا ابن عمها . وبينما يرى الباحثون أن ظاهرة زواج الأقارب تتعارض مع حرية الاختيار والحب العاطفي الحقيقي ومبدأ الاندماج، إلا أن التثقيف والتوعية يلعبان دوراً كبيراً في الحدّ من تلك الظاهرة.
أمراض وراثية من الآباء إلى الذرية
حتى نفهم هذا الموضوع فهماً علمياً، نحاول أن نفهم أولا الأسس العلمية التي على أساسها تنتقل الأمراض الوراثية من الآباء إلى الذرية. تتكوّن المنطقة في الرحم من أمشاج الذكر والأنثى وتحمل تلك الأمشاج العوامل الوراثية من كل من الأب والأم وهكذا تنتقل الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء والأحفاد ، ولا يتغير النظام الوراثي في الإنسان ومهما حدثت من طفرات وراثية، فإن ذلك إن كان يغيّر بعض الصفات الخلقية إلا انه لا يغير مطلقاً النظام الوراثي في الخلية البشرية . وبوجود العوامل الوراثية السائدة والمتنحية التي تحمل الصفات الوراثية، تظهر تلك الصفات في الأبناء فمنهم من يشبه الأم ومنهم من يشبه الأب أو العم أو الخال ، وإننا إذا افترضنا وجود مرض وراثي في أحد الوالدين ينقله عامل وراثي سائد فإنه يعبر عن نفسه في نسبة معينة من الأبناء ولا يظهر في الآخرين، أما في حالة العوامل الوراثية المتنحية فلا بد أن تكون موجودة في كل من الأب والأم معاً، ليظهر المرض في نسبة معينة من الأبناء ولا يظهر في الآخرين ، يظهر فيمن يجتمع لديهم عاملان وراثيان متنحيان ولا يظهر فيمن ينتقل اليه عامل وراثي متنح واحد ، وليست العوامل الوراثية السائدة أو المتنحية ، تحمل صفات غير مرغوب فيها أو أمراضاً فحسب فقد تحمل صفات مرغوباً فيها أيضاً .
هل هناك مشكلة صحية في زواج الأقارب؟
لا بد من معرفة ذلك من فهم كيفية تكون الخلية الملقحة. فالجنين يتكوّن من اتحاد خلية ذكرية مع خلية أنثوية. تحتوي كل خلية على 23 كرموسوم (صبغيآ). يتكون بعد الاتحاد ما يسمى بالخلية الامشاج التي تحتوي على 46 كروموسومآ نصفها من الأب والنصف الآخر من الأم . وبذلك فإن كل صفة من الصفات الوراثية التي تنتقل إلى الجنين يحدّدها مورثان : الأول من الأم والآخر من الأب.
يحدث المرض الوراثي إذا كان هناك خلل في تركيب واحد أو أكثر من هذه الكروموسومات أو الصبغيات. إذا حدث الخلل نتيجة خلل بمورث واحد من الأثنين سمي المرض سائدآ ، أما إذا لم يحدث المرض إلا بوجود خلل في المورثين معآ سمي المرض متنحيآ. يشترك الأخوة الأشقاء بنصف عدد المورثات، وتقلّ هذه النسبة لتصل إلى الربع مع الأعمام والأخوال وإلى الثمن بين أبناء وبنات الأعمام والأخوال، وبذلك فإنه عند وجود جين معيب في الأسرة، فإن إحتمال إنتقاله إلى أبناء الأقارب المتزوجين تكون كبيرة.
المشكلات الصحية المنتشرة بين أطفال الأقارب
- فقر الدم المنجلي وأنيميا البحر الأبيض المتوسط.
- يزداد معدل الولادة المبكرة بين أطفال الأقارب مقارنة بغيرهم من الأطفال.
- تزداد نسبة حدوث الامراض الخلقية و المشكلات الوراثية.
- وجد أن نسبة الحالات المرضية نتيجة للحمل وتوابعه تزداد عند السيدات المتزوجات من أقاربهن، كما أن نسبة التعرض للعمليات القيصرية تزداد كذلك.
علاقة زواج الأقارب وحالات التخلف العقلي
إن زواج الأقارب يعدّ السبب الرئيسي في ظهور الإعاقة الذهنية والتخلف العقلي .واكدت دراسات عربية أن معظم حالات الاعاقة الذهنية في معظم الدول العربية ناتج عن زواج الاقارب. ان الأمل في الشفاء من الأمراض الوراثية يتمّ عن طريق أخذ المورثة المسببة للمرض بعد معرفة مكانها واستبدالها بمورثة أخرى سليمة قادرة على القيام بالوظائف الطبيعية، وذلك عن طريق الخريطة الجينية واكتشاف المرض والقضاء عليه قبل ظهوره. أشهر الأمراض الناتجة عن زواج الأقارب مرض الفينيلكيتونيوريا وهو من امراض التمثيل الغذائي الذي ينتج عن نقص في أنزيم معين مسؤول عن تكسير مادة الحامض الأميني أو الفينيل آلانين فتزداد نسبته في الدم ويسبب التخلف الذهني وصغر حجم الرأس وتشنجات عصبية واصفراراً في لون الشعر . وبلغت عدد حالات الضعف العقلي فيما يعرف بالطفل المنغولي،الذى ينتج عن خلل في انقسام الصبغيات، 14 حالة بين 3989 زيجة بين الأقارب، مقابل 6 حالات بين 7463 زيجة بين الأباعد، مما يدلّ على أن هذه الحالة تتأثر بمورث متنحي، وعلى ذلك يزيد حدوثها بين زيجات الأقارب.
أسباب أخرى لحالات تشوّهات الجنين
كما أن ارتفاع سن الإنجاب لكلا الزوجين الرجل والمرأة يأتي في المرتبة الثانية للاصابة بهذه الأمراض بعد زواج الأقارب، فارتفاع سن الإنجاب يعطي الفرصة للتعرّض أحد الزوجين لبعض التغيير أو الانحراف في الجين الوراثي. كما يأتي تناول الأدوية خلال فترة الحمل للزوجة بدون إشراف طبي في المرتبة الثالثة لظهور حالات التخلف العقلي أو تعرضها للإشعاعات أو الالتهابات الفيروسية والتي قد تؤدي إلى تشوهات في الجنين.
لذلك يجب لذلك يجب التركيز على التوعية الصحية وإجراء فحوص ما قبل الزواج والفحوص الوراثية أثناء الحمل إلى جانب المسح والفحص الدوري الشامل على المواليد وأطفال المدارس وتشجيع إجراء البحوث التطبيقية والمتخصصة في مجال الإعاقة الذهنية، والعمل على الحد من ارتفاع نسبة زواج الأقارب في المجتمعات العربية وارتفاع سن الإنجاب سواء للمرأة أو للرجل وتطبيق برامج المسح الشامل للمواليد للعمل على الاكتشاف المبكر للأمراض، مما ينعكس بشكل إيجابي علىصحة الأجيال المقبلة.
الولادات المبكرة
وأظهرت المسوحات أن نسبة حدوث الولادات المبكرة وظهور بعض الأمراض الوراثية كانت أعلى في زيجات الأقارب عنها في زيجات الأباعد، وكان متوسط وزن المولود في زيجات الأقارب أقل منه فى زيجات الأباعد. ورغم خطورة الأمراض الوراثيّة وآثارها السّلبيّة على الفرد والمجتمع، فإنّ الوقاية منها وتفادي ظهورها وانتشارها ممكن، شرط الوعي بضرورة ذلك، وبناء على أن "الوقاية خير من العلاج"، دعا الأطباء إلى ضرورة تبنى الاستشارات الوراثية قبل الزواج وقبل الحمل، واعتماد التثقيف الصحي فيما يخصّ زواج الأقارب، كجزء من برنامج الصحة الإنجابية فى المدارس الإعدادية والثانوية. لا بد من الإشارة إلى ان زواج الأقارب ليس شراً دائماً ، وليس هو سبب إنتشار الامراض الوراثية دائماً، وإنما يمكن أن تنتشر الأمراض الوراثية في المجتمع بين أطفال غير الاقارب، ويكون اطفال الأقارب أصحاء، وهذا يعتمد على نوعية المرض الوراثي وعلى طريقة إنتشاره وعلى نسبة إنتشاره . لذلك ينصح دائماً بإجراء الفحص الطبي قبل الزواج عند الرغبة بالزواج من الاقارب كإبن العم أو ابن الخالة و ابن العمة ، وكذلك عند وجود امراض وراثية منتشرة في المجتمع مثل فقر الدم المنجلي و الثلاسيميا ، أو أي مرض وراثي آخر .