رغم أن عائشة انتقلت لتوها الى المكتب الجديد و تصورت أنها ستجد صعوبة في الانسجام مع زميلات جديدات غير أنها تفاجأت باحتضان الفتيات السبع لها منذ ساعاتها الاولى معهن.
كانت لكل من فتاة ميزة خاصة :الأولى ذات شخصية قوية جدا و عصبية جدا و تفرض نفسها على البقية و كأنها المسؤولة عنهن ،الثانية فتاة يتملكها الخوف من كل شيء و كأنها تعاني من تخلف عقلي طفيف ،الثالثة فتاة متسلطة و محتالة لكنها لا تملك شيئا أمام القوة الاكبر منها عصفا ،الرابعة فتاة ملتزمة و لكنها اغترت بمظهرها فتطاولت علي البقية ،الخامسة فتاة متحررة لا تبالي بأحد و لا احد يقوّم سلوكها المنحرف ،السادسة فتاة جاهلة و الكل يعلم أنها حصلت على وظيفتها بفضل المحسوبية وهن لهذا لا يطيقنها على الاطلاق و السابعة أصغر الفتيات سنا و أذكاهن وأكسلهن.
تتذكر عائشة حين ولجت باب المكتب الجديد و اجتمعت الفتيات حولها و صرن ينظرن اليها بفرحة مريبة و حتى العصبية منهن بدت لطيفة جدا و هي توسع في ابتسامتها و كأنها تخفي مخططا ما .
لم تكن عائشة فتاة مميزة جدا غير انها كانت تملك من كل شيء حظا فهي الفتاة اللطيفة طبعا و لكن ان غضبت انفلتت اعصابها فصارت اعصار ياخذ كل ما يلي طريقه و هي الفتاة الذكية و المهذبة و النشيطة و لم تكن تتذمر من كثرة العمل و لا تبدي انزعاجا من كثرة حديث الا اذا تجاوز حد اللباقة
اجتمعت الفتيات حولها يحدثنها عن المسؤول عن مكتبهن شاب في مقتبل العمر سيء الخلق بذيء المنطق لا يفرق بين رجل و امرأة في المجلس و لا بين محترم و وقح.
بدون في أحاديثهن كأنهن يخشين عليها من شيء ما و هي لم تعرف انهن يخططن للتخلص من العمل معه بقذفها اليه فتكون كبش فداء عنهن .
لم تبال عائشة بأحاديثهن لانها تعتقد أن الاحترام يفرضه صاحبه "احترم نفسك يحترمك الناس " هو مبدأها في ميدان العمل و لأنها تحترم نفسها كثيرا جدا لم يخطر ببالها انها ستقع في المستنقع الذي اوقعت الفتيات انفسهن فيه .
مضى اسبوع على عمل عائشة في المكتب الجديد و حان وقت تقديم الملفات الى المسؤول للتوقيع عليها و الذي صار بنظر الكل وحشا.
طرقت عائشة باب مكتبه و دخلت و من دون أن تلتفت اليه ...وضعت الملفات فوق مكتبه و همت بالمغادرة فناداها بصوت قوي ان ارجعي .
حركت عائشة فمها الى اليسار في انزعاج و هي لا ترغب في مشادات مع مسؤولها و عادت بحركة تشبه العساكر و وقفت في شموخ رافعة رأسها بعزة الفتاة القوية لترى أمامها رجلا يقف على عكاز ، نظرت في وجهه و اذا فيه غلظة و حقد و كبرياء ...سألها أن تحول الملفات عنه الى قلب الخزانة ففعلت مشفقة في اعماقها على حاله ظانة انه قد يجد صعوبة في فعل ذلك .
حين عادت الى المكتب وجدت الفتيات بانتظارها لمعرفة ما حصل معها في اول لقاء بالوحش فأجابت ان الامر سار على ما يرام .
جاءت المتحررة يوما تبكي بسبب الوحش و قالت انه سبها و تلفظ امامها بكلمة ساقطة جدا و اقترحت عائشة حينها ابلاغ المسؤول عنه ليضع للسانه حدا و لو تطلب الامر رفع شكوى كتابية ليخضع لمجلس تأديبي لكن الفتيات جبنّ
شجعت عائشة المتحررة على الدخول على المسؤول الأول لابلاغه عما يصنع الوحش بهن ففعلت و لاقت دعم عائشة المطلق برغم كونها لا تزال جديدة و لم توطد علاقاتها معها بما يكفي لتخاطر بمصيرها من اجلها .
زاد هذا التصرف من حدة غضب الوحش فجاء بعد أيام يتمشى في غطرسة و كان الكل يرتعب من مجرد سماع عكازه يضرب به الارض ضربا عنيفا فيحدث في القلوب زعزعة تشبه ما يحدثه منكرا و نكيرا .
دفع باب المكتب بقوة و راح يفتش عن المنحرفة بعينيه اللتان كانتا تصبان من الغضب نارا و قد دفنت الفتيات وجوههن في الملفات فاتجه الى الفتاة واقفا امامها و بدأ يسب الذات الالهية .
قالت عائشة : يا الله ، لقد كفر .
وجّه الوحش نظرة نسر كاسر الى عائشة و قال : ماذا ؟ الم يرق الامر لعائشة ؟
حملت عائشة ملفا و اتجهت صوبا اليه و شزرته بنظرة قاسية و غادرت المكتب تاركة اياه غارقا في حيرته و ما ان التفتت حتى وجدت سرب الفتيات قد لحقها و تركنه ينبح لوحده ككلب حراسة...بقي للحظات ثم غادر .
بقيت المنحرفة في بكائها المرير حتى جفت دموعها و لم يجرأ احد الزملاءعلى الدفاع عنها و ايقافه عند حده و لم تجرأ هي على فعل شيئ غير البكاء .
جاء يوم جمع الامضاءات و شعرت عائشة بضيق شديد لانها ستقابل الوحش وجها لوجه منفردين من جديد.
تطلب الامر شجاعة بالغة لانها تصورت انه سيفاتحها بما فعلتع له أخر مرة .
طرقت باب مكتبه فلم ياذن لها فأعادت دقه بقوة و اقتحمته و لاحظ الوحش انزعاج عائشة و كانما انتشى بذلك و طلب منها العودة مساءا .
في المساء جعلها تقف امامه و تقلب الاوراق ليمضي هو على مهل و شعرت عائشة بالاهانة و لكنها لم تستطع فعل شيء سوى التأفف الى ان جاء زميل له الي مكتبه فراح يتباهى امامه بانه قد صار لديه خدم و حشم تلميحا الى ان عائشة صارت خادمته .
لم تشعر الا و قد قلبت كل الملفات فوق رأس الوحش و الضيف يشاهد و امرته مغادرة ان يعتني بجمعها ورقة ورقة .
صار وجه الوحش احمرا قانيا و كذلك وجه عائشة فحذفها بأداة الصاق الوثائق و اصابت رأسها فادمته .
حينها لم تتمالك نفسها فرجعت اليه و تشابكا بالايدي حتى اورقته ارضا و صارت تعض و تضرب فيه حتى انقذه الضيف من بين يديها .
حاول المسؤول الأول فتح محضر للتحقيق في الأمر لكن الوحش تنازل عن الشكوى بل و صار يتحاشى التحرش بالفتيات و يستبق القاء التحايا عليهن بكل ادب و لباقة فما كذب من قال ان المراة مدرسة .