أخذ شهريار يتذكر سر حبه لقتل النساء وكيف وصل إلى هذه الحال وكيف أن السنون مرت
وكيف أن مر السنين يُغير القلوب ودارت بخلده أيام شقاؤه وكيفية تغير نسوته من وراءه
وكيف أن زوجته الأولى خانته ولم تُراعي غيبته
وكيف أن أخاه جاءه شاحباً
وأن امراته صاحبت عبداً آبقاً
وكيف سار مع أخاه فالبلاد
ينظر أحوال العباد
وهل في الارض مثلهما؟!!
ألمّ بِه ما ألم بهما؟!
فوجدا فتاة حسناء لها صاحبٌ من الجان
فراودتهما عن نفسها
وحكت لهما حكاياتها
فعلما غدر النساء وأنشدا
لا تأمنن إلى النساء ولا تثق بعهودهن
يُبدين ودًا كاذباً والغدر حشو ثيابهن
بحديث يوسف فاعتبر متحذرًا من كيدهن
أو ما ترى إبليس أخرج آدمًا من أجلهن
وأخذ شهريار عهدا على نفسه أنه لن يتزوج فتاة حتى يقتلها من ليلتها
وتزوج شهرزاد فخطفت لبه وعلمت سره
وعشقه للحديث والسمر
فالرجل مهما كبر
لا زال له قلب طفل
ومرت الليال سريعاً
وزال الهم اخيراً
قل لمن يحمل هماً إن همًا لا يدوم
مثل ما يفنى السرور هكذا تفنى الهموم
ومرت الليله الأولى بعد الألف
ولكن للرجال طبائع لا تختلف
إن الملل يتسرب إلى قلوبهم
فنظر بجانبه فوجد شهرزاد
وقال لها لقد رجعت عن العهد
ويجب أن تقصي لي حديثاً إن كان ليس الآن فإذن من الغد
فقالت : يا ملك الزمان وفريد العصر والاوان وما بال عهدك بأنك لن تعود الى القتل؟!
قال: لقد تذكرت شيئاً أثناني عن هذا الأمر
قالت وما بال أولادك مني ؟!
قال كم من ولدٍ قصصصت عليّ فارق أبويه؟!!
وعقهم كأن لم ينجباه
قالت شهرزاد على مضض : بلغني أيها الملك الرشيد صاحب العقل السديد
يُحكى أن في ذلك الزمن القريب وليس ببعيد أن هناك أمير قد أتاه الله الحسن والجاه .
..ولكن الله لا يؤتي كل شيء وعلى قدر مايؤتيك يأخذ منك!
...وعلى قدر ما يأخذه يكون مقامك !
وكان شأن ذلك الأمير عجيب ...قد ولد ببرصٍ في عينيه وقد أشفق عليه الجميع ...كان وجهه كفلقة القمر ...ولكن عيناه بهما عطب
لا يمكن إصلاحه ...وكان أبوه ملك تلك القرية قد نذر النذور ونحر النحور
ولكن لا جدوى وأرسل في كافة البقاع أن من يُصلح عطب عيناه سوف يأتيه من الكنوز ما ينوء به العصبة أولي القوة
وقد ذُكر أنه في أحد الأيام قد رأى رؤية قد حيرته أيما حيرة ..وذهبت بعقله أيما مذهب
لقد رأى في المنام أرنب وأسد وبومة وأن البومة قد صادقت الأرنب ومسحت على عيناه ثم مسك الأرنب بذيل الأسد ثم أداره عدة
دورات وأطاح به
فقام واحتار ولم يعرف معنى للنوم بليل أو نهار
وزادت همومه هماً وكروبه كرباً
ولمّا لم يجد تأويلاً لحلمه ...صبّ فكره على ابنه
وإذا به في صوانه وعلى مأدبته أن دخل رئيس الحرس مبشراً بقدوم أحد السحرة أولي العلم السفلي الذي لا يخيب
..
.ويبلغ جلالة الملك أن معه الدواء للعليل
والشفاء الذي لا يخيب ...فإذا باسارير الملك تنفرج ويأمر بإدخاله عليه
فدخل عليه شيخ وقور تبدو من ملامحه حسن السريرة
كما أن سيرته تسبقه كذلك ....فقال بعد أن ألقى السلام وقدم التحيات لصاحب الجلالة أن يا أيها الملك
أني استطيع أن أُبريء ولدك بإذن الله ؟؟
فتهلل وجه الملك وانبسطت اساريره
ولكنّ
آآآهٍ من ولكن ...من بعدها المصائب تتأتي تترا
...
ولكن جلالتك إني أرى ألا يرى ؟؟
ولما يا هذا قد جئت وقطعت البيداء والوعر من الطرق
لكي أحذرك يا مولاي
ارضى بما قسمه الله لك واذكر حلمك الذي حلمته البارحة
تعجب الملك عجباً شديداً وسأله عن كيفية معرفته بالحلم
فرد الرجل :أنه فضل الله يؤتيه من يشاء
ولكن الملك لم يعبأ بتحذيرات الشيخ ولا توسلاته
وقال في سره الولد غال ...أغلى من المال
فأحضر الحراس الأمير فأنار بطلعته البهية القاعة ومسح الشيخ بيده عينيه وتلى بضع آيات وابتهالات فبرء الغلام في الحل
...
فضج الحضور بالفرح والسرور
ومرت السنون وباختلافها تظهر النوائب وصعب الأمور
اشتد عود الغلام ....وكان أباه الملك من فرحته بعودة ولده ارسل في طلب المعلمين من شتى الأرضين
فاجتمع للغلام علم غزير
ولكنه وللأسف كان أسير القصر ...وقد بلغ السن التي يتوق فيها لرؤية الحياة وملاعب الفتيان
فكان يخرج مع رفاقه وكان منهم الصالح والطالح
والنفس إن لم تُغالبها غلبتك وكذلك فعلت بالأمير ...فأرشده أصحاب السوء إلى أماكن اللهو والغناء
وطعم الفتى الخمر والخمر هي مستصغر الشرر ومن بعدها يأتي الدخان
وفي غيبوبة الخمر واللهو رآى تلك الغانية تلهو فطار قلبه وأصبح أسير هواها ...ووقع في الشرك ..كعصفور حديث العهد بالطير
فأصبح يتردد عليها حتى وقع في الأمر غير المباح
ودخل عليهما في ذلك الوقت بضع من أهل الفتاة وسط الصرخات التي أذهبت عقل الأمير ...فتوسل إليهم أن لا يفضحوه
فقالوا له أنهم سيتركوه إن جاء لهم بسيف أبيه ...فحار الفتى وارتعدت أوصاله ...وتوسل أن يطلبوا طلب غير ذا الطلب
...ولكنهم أصروا وإلا الفضيحة على رؤوس الخلائق
فانصاع الفتى وسرق سيف أبيه ...وعندما استيقظ الملك ولمّا لم يجد سيفه أيقن بضياع ملكه ...وعلم تأويل الحلم ...ولكن بعد أن
فات الأوان
وقال في حسرة
دع المقادير تجري في أعنتها ... ولا تبيتن إلا خال البال
وأدرك شهرزاد الصباح فكفت عن الكلام المباح
