خيانة
يطالعني دليل الخيانة في حضوره. شعرة شقراء تتعلق كغريق بكم معطفه، عطرها يغلفه، لماذا تعود إلي؟ لماذا تلطخ بصورتك الثملة عينيَّ؟
أما عدت أنا طفلتك المدللة؟ أما عدت أنا حبيبتك المفضلة؟ رغبة عارمة في الرحيل تسيطر على كل حواسي فتحرمني النوم و تحرمني الحب و تحرمني المنطق.
أجري إلى خزانتي أخرج أثوابي، سأرحل، يطالعني الثوب الوردي الذي تحب و الأسود الذي تعشق و الأزرق الذي تهوى ، أقمع الدمع في عينيَّ و أسجن أنفاسي بين رئتيَّ، لن تثنيني عن الرحيل ألوانك
تقتحم غرفتي و عطرها مازال يفوح من راحتيك كجواد جامح، أرى نظرتك المستغربة إلى كومة الفساتين المعذبة "ماذا تفعلين؟"
و أجيب بصوت مستكين "أفكر في الثوب الذي سأرتديه للعشاء"
*****************************************
سيليكون
هربت منها، هذا هو الحل الوحيد،الهروب، جنونها أضحى بحرا لا أقدر على التعامل معه، أتذكر نظرتها لي، أتذكر التشوه الذي أصاب وجهها جراء عمليات التجميل، لا أريد دمية عبثت بها مشارط جراحي التجميل، لا أريد انتفاخات سيليكونية و لا أنوفا مستقيمة ولا شفاها مثيرة، كل هذا لا يعني لي شيئا، فهمك الخاطئ للحب أوصلك إلى هنا و أوصلني إلى هناك.
أنظر ورائي و ألهث، الحمد لله، ابتعدت عنها ما يكفي، ابتعدت عن وجودها المقبض و أنفاسها الثقيلة.
ما زلت ألهث، أجري، أقفز و أصرخ و العرق يملأ جبيني و أراها بابتسامتها المرسومة بيد جراح خبير، تنظر إلي، و تمسح العرق عن جبيني و لسان حالها يقول لي ساخرا "لا مهرب مني يا حبيبي"
*****************************************
حرب نووية
أخرج من محفظته كيسا ورقيا مليئا بحبات التمر، وضعها تحت الطاولة بينه و بين زميله، بدآ يلوكان حبات التمر الحلوة في استمتاع و يقذفان الأستاذ بالنوى، تكررت القذائف و أضحى القصف العشوائي الذي خلقاه جحيما للأستاذ الذي قارب الكهولة.
استدار ألف مرة يبحث عن مصدر القذائف النووية لكنه عجز تماما عن تحديد المصدر المسؤول.
اشتد المرح و وصل إلى الأوج عندما أصيب الأستاذ بالجنون و جلجل صوته في الفصل و توالت الشتائم النابية و التي تتوعد الفاعل بجحيم مشتعل.
عم الصمت الفصل و استدار ليتم كتابة الدرس على السبورة و عاد القصف لينال منه، استدار و جحظت عيناه من خلف نظاراته السميكة و علت ابتسامة لزجة محياه و هو ينظر باتجاههما، أخذ يتقدم نحوهما و عيناه تتوعدهما بعقاب ستخلده الأساطير.
انكمشا كفأرين علق ذيلاهما في مصيدة حديدية، واصلا النظر إليه و هو يتقدم، تجاوزهما ليمسك أحمد الجالس خلفهما من قفاه و هطلت الشتائم من فيه بين انفلتت منهما ضحكة هامسة و هما يلوكان ما بقي معهما من تمر.
*****************************************
رجولة
"أهبل"خرجت الكلمة من فمها و هي ترمق ذلك الفتى الوسخ بنظراتها المحتقرة، كان متسخ الثياب تشي طلته بفقر مدقع، له جبهة عملاقة تبتلع ملامحه و تفوح منه رائحة السمك النتنة من احتفاظه بنفس الثياب التي يعمل بها في الميناء، مد يده يمسك ذراعها و قال بصوت خافت متوسل "أعطني فرصة واحدة"
بدت عليها علامات الإزدراء و سحبت ذراعها من قبضته بعنف و تشوه شكل فمها ليعبر عن الكم الهائل من القرف الذي يعتريها، تركته و انصرفت بخطوات سريعة، دست جسدها الممتلئ في سيارة فاخرة، هذا هو ما يطلق عليه اسم "رجل"، فتنة و علم و مركز اجتماعي، ابتسمت له فأجابها بحركة وقحة صدمتها، تراجعت تبغي الخروج من السيارة، لا جدوى الباب مقفل، اجتاح بركان الخوف روحها، صرخت و أنفاس "الرجل" تهاجمها
تكسر الزجاج، صراخ، عويل، ثوب ممزق، و ذو الجبهة الواسعة ينتشلها من بين ذراعي الذئب، لملمت أطراف ثوبها و هي تنتحب، رفعت رأسها لتشكره لكن الدروب المظلمة كانت قد ابتلعته بين طياتها.
*****************************************
حامل
تعب كبير استولى على حواسه، كيف لساعديه اللذين أحرقتهما الشمس أن يوفرا عيشا كريما لأربعة أفواه صغار و والدتهم، كيف لعمله العضلي المحض أن يخلق فضاء مناسبا لحياة سعيدة، أكل، شرب، ملبس، مسكن، دواء، مدارس، أعياد...
أصابه الدوار و هو يتأمل يديه و قد حفرت فيهما الأعمال اليدوية أخاديدا عميقة
لم يدر كيف مر اليوم، غارق في العرق و الغبار و في كفه مبلغ زهيد هو يوميته التي أرهق جسده و أنهك ساعديه من أجلها، بضع دراهم لا تشبع و لا تسمن، أنفقها كلها على أرغفة الخبز و عاد محملا بها إلى الأفواه التي تمني النفس بما لذ و طاب
لاقته زوجته الذابلة عند الباب و همست في أذنه قبل أن يلج البيت "أنا حامل"
*****************************************
مساواة
"هل أظنني الجارية التي تركها لك أبوك السلطان؟"
هكذا صرخت في وجهه حينما عرض عليها ترك عملها، لم تهز ثورتها العاتية شعرة من رأسه، ظل هادئا يراقب غيظها بصمت، عادت للصراخ و قد استفزها صمته و هدوءه، ذكرته بإنجازاتهم العظيمة، بالمكانة التي وصلت إليها، بمصاريفهما الخرافية التي شاركته فيها يدا بيد، بمدرسة اللغات التي ترتادها ابنتهما و و و ....
تنفست بعمق و سألته "هل أنت قادر على كل هذا وحدك؟"
لم يستطع منطقها الحسابي أن يخرجه من هدوئه و لم تقو براهينها على النيل من رباطة جأشه و عندما تكلم كان كل حرف من كلامه سوطا يجلد روحها
"هل تعلمين أن ابنتك تنادي الخادمة ماما؟"
*****************************************
سياسة عليا
دم!!!! ألم لا يطاق مزق كتفه، أحس بالسائل الساخن يغرق ذراعه، ظل مختبئا و هو يتمنى أن ينتهي كل هذا، بدأ شريط طفولته يمر أمام عينيه، كان يتمنى أن يكون جنديا ليحمي أرضه، إنه من القلائل الذين استطاعوا تحقيق حلمهم، لكن مع تعديل بسيط، فبدل أن يحمي أرضه هو اليوم يقتل أهله، ترتجف يداه على زناد البندقية، يتردد ألف مرة، لكنه لا يملك حق الإعتراض، لقد أقسم على الطاعة و تنفيذ الأوامر و لو كان في ذلك إزهاق روحه و ها هو اليوم يفي بالوعد و جواب واحد يجده أينما ولى وجهه "لا تسأل فهذه سياسة عليا"
*****************************************
نهاية
"هنا، احفر هنا"
كان العرق الغزير يتصبب من جبهتيهما، هي لاهثة و تعبة و هو متوتر و خائف، ماذا لو رآهما أحد؟ ماذا لو اكتشف أحد فعلتهما بطريقة أو بأخرى؟
واصل غرس معوله في الأرض، و كان يختلس النظر إليها، شعرها متعرق ملتصق بجانبي رأسها، بدت خالية من الجمال، قتلت زوجها و دعته ليساعدها في دفنه مقابل مال كثير إضافة إلى حضنها الدافئ، كان العرض مغريا جدا، لم يستطع رفضه خاصة و أنه عانى الكثير في حياته
كانت الحفرة تزداد توغلا في الأرض كلما لمسها معوله، دحرج الجسد داخلاها و هم بردم التراب عليه عندما قاطقه صوتها الرفيع
"انتظر، هناك شيء يجب أن أفعله قبل ذلك"
نظر إليها متسائلا، أحس بالجواب مرفوقا بألم صادح، كان خنجرها الصغير مرشوقا في صدره واخترقت مسامعه جملتها الهادئة "ها قد تخلصت من الشهد الوحيد"
سقط فوق جثة سيده و الروح لم تفارقه بعد، و جحظت عيناه و هما ترمقان أكوام التراب تنهال على وجهه
*****************************************
خطيرة
"هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية"
تكررت اللقطة أمام عيني كثيرا في قناة "الشهيرة" حتى فقدت معناها و صارت إعلانا تفصل به بين الخبر و الخبر، كنت أحتسي قهوتي و أشاهد ما تجود علي قريحة "المنيرة" به من أخبار، و رأيته، رجل بائس أشيب الشعر يعبر عما يحس، مزيج من الحزن على ما ضاع و الفرح بما هو آت، أضحى صدقه و ألمه وصلة تذاع ألف مرة في الدقيقة، تنهد قلبي يعاتب "الأميرة" على عبثها بالقلوب و على لعبها بالصور، كفي يا أيتها الخطيرة عن التلاعب بآلام الناس، كفي عن التلفيق، كفي عن المتاجرة بالوجع، أرتشف القهوة الباردة و حقدي عليها يتضاعف، أصبحت روحي تتمنى أن ترحل بعيدا عن هذا الزمن الذي صار فيه حامي الحمى هو المغتصب و الذي صار فيه الإعلام وسيلة للكسب المشروع و غير المشروع، أتمنى أن أبتعد أنا و فنجاني، أن نرحل إلى أرض لا قنواة فضائية تغزوها، ربما جزيرة معزولة، أقلت جزيرة؟؟؟ سحقا
*****************************************
يقظة
هبت ريح هوجاء رجت شراعه رجا، بدأ الخوف يتسلل إلى قلبه، ضل مركبه الطريق و ما عاد يعرف الوجهة التي عليه سلكها ليعود أدراجه، ما كان عليه رفض مساعدة البحار العجوز، لكن غروره تحكم به و تكلم مكانه، ادعى المعرفة و الخبرة و ها هو الآن عاجز عن توجيه القارب، بل و عاجز حتى عن ابقاء يديه تابثتين، أصابعه ترتعش و معدته تقلصت بفعل الخوف العارم الذي يهاجمها بلا هوادة، أدار عينيه المرعوبتين في المكان، لا شيء إلا البحر، يحيطه من كل الجهات، خيل إليه أن صوت الأمواج شبيه بصوت ضحكة ساخرة، البحر يدرك جهله و خوفه و ارتباكه، يدرك أن مثواه في أعماقه، عادت الريح تهاجم المركب بشراسة، سمع صوت تهشم العمود الذي ثبت عليه الشراع، حاول تفاديه، لكن لا مهرب في مساحة القارب الصغيرة، سقط عليه العمود الخشبي فأفقده الوعي.
"وصلنا" أيقظته الكلمة من سباته و طالعه وجه البحار العجوز و هو يوقف المرب بحنكة على الضفة