الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات
أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة، وبراهين عظمته القاهرة، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله
واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر السماوات والأرضين، شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات
والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة، وأصحابه الفضلاء الثقات
وعلى أتباعهم بإحسان، وسلم تسليما كثيرا ~
أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،
وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار
ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ
طعم العافية ..!!
و هل للعافية طعم ؟؟!!...و ما هو طعم العافية ؟؟...و من يعرف طعم العافية ؟؟الغريب أن من يعرف طعم العافية هو من حرم منها ..يعرف تماماً كيف يكون طعمها ..و يعرف تماماً ما يتمتع به من وهبوا العافية ..لكن المحزن أن متقلبون فيها لا يعرفون طعمها و لا معناها و لا قيمتها رغم أنهم يعتقدون العكس ...ولذلك فهم لم يشكروا الله عليها كما ينبغي ..
نِعم الله عز وجل لا تعد ولا تحصى و ليست محصورة بالصحة و العافية
( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَتُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) [إبراهيم:34].
لكن هذه النعمة تحتاج منا لوقفة طويلة للتأمل ..
ربما نظن أننا شاكرون حامدون ولا داعي للتأمل ...لكن الله عز وجل يقول
( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ )[سبأ:13].
لذلك نحتاج للاجتهاد لنكون من هذا القليل و إلا كنا ممن قال فيهم سبحانه
( إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَايَرْضَىلِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) [الزمر:7].
و شكر نعم الله لا يعني أن نقول اللهم لك الحمد و الشكرونمضي واثقين بشكرنا له !!!...
شكر النعمة يعني أن نشكرها بقلوبنا و ألسنتنا وجوارحنا ...
شكرها بالقلب الاعتراف بنعم الله عز وجل و أنها من منه وكرمه و محبة من انعم علينا سبحانه و تعالى ..
شكرها باللسان هو الثناءعلى الله و شكره عليها كل حين و التحدث بها قال الله تعالى:
( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى:11].
شكرها بالجوارح أن لا نستعمل نعم الله عز وجل علينا إلا بما يرضيه و أن لا نستعملها في معصيته قال الله تعالى: ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً ) [سبأ:13].
فإن عرفنا ما هو شكر النعمة ...فهل نعرف تلك النعمة و نعرف قدرها و طعمها ....؟؟العافية !!
قال الإمام ابن القيم:
(النعم ثلاث: نعمة حاصلة يعلم بها العبد., ونعمة منتظرة يرجوها ,و نعمة هو فيها لا يشعر بها)
و العافية هي نعمة لايشعر بها المرء و هو فيها مهما قال انه يعرفها...لأنها من تلك الأمور التي لو فقدت لتبين للإنسان وزنها و أهميتها التي لم يحسب لها حسابا ً.
العافيةلايعرفها إلا من حرم منها , و لا يقدرها "حق القدر" إلا من فقدها.
ولوتفكر الإنسان في أبسط مرض يصيبه لعلم قدرها , و لعلم أي نعمة غفل عنها ..
و لوأصيب بأي مرض ..لرأى العافية تاج على رؤوس الآخرين ..لرأى ما فقد..
و لرأى أي نعمة هُم فيها ..و لأحس بطعم العافية الذي خسره..
طعم العافية ..
أذكر أني كنت أستغرب في نفسي ممن يشكو من ذلك المرض (...)...و أعتبره مرض عادي و بسيط (لجهلي )..و شاء الله عز وجل أن أصاب فيه ..و أن يزداد علي ...حتى استيقظت ذات صباح أبكي وسط ذهول من حولي ..أبكي على جهلي ..و أبكي على تقصيري بشكر خالقي ..
أبكي على الصحة و العافية ..
فلما شفاني الله عز وجل منه , و أحسست بالصحة و العافية تسري في جسدي .... عندها ....تذوقت طعم العافية ..و أيقنت أن لها طعم و حلاوة ..!!
أسأل الله أن لا يحرمني و إياكم منها و أن يمتًعنا بأجسادنا و جميع حواسنا و يرزقنا ذكره و شكره و حسن عبادته ..
فيا للإنسان ما اجهله ..هل نحتاج لمرض يسري في أجسادنا لنعرف حجم ماخسرنا ؟؟ ..
ألا يكفينا التفكر في حال من أصيب بأمراض خطيرة ؟, ألا يكفينا التفكر فيمن شل أو فقد احد حواسه ؟
فرحم الله من اتعظ و لم يكن عظة لغيره ..
ما دامت النعم بمثل شكرها , و لا أحس الإنسان بقيمتها بمثلا للتحدث عنها
( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) [الضحى:11].
نسال الله العفو والعافيه ,اللهم لك الحمد والشكر,