بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سئل فضيلة الشيخ ابن عثمين - رحمه الله تعالى-:
هل الجن قد آمنوا برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وآمنوا بالرسل من قبل؟ وأيضاً هل الحج مفروض عليهم وإن كان كذلك فأين يحجون؟
فأجاب فضيلته بقوله:
الجواب على ذلك أن الجن مكلفون بلا شك، مكلفون بطاعة الله سبحانه وتعالى،
وأن منهم المسلم والكافر، ومنهم الصالح ومنهم دون ذلك، كما ذكر الله تعالى في
سورة الجن حيث قالوا: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا ) (1)
وقالوا:
(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا )(2) وقد صرف الله نفراً من الجن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستمعوا القرآن وآمنوا به،
وذهبوا دعاة إلى قومهم، كما قال الله تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) ) (3)
وهذا يدل على أن الجن كانوا مؤمنين بالرسل السابقين وأنهم يعلمون كتبهم لقولهم:
(كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) )
وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أكرم وفد الجن الذين وفدوا إليه بأن قال لهم:
"لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، تجدونه أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة فهي علف لدوابكم " (4)
ولهذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الاستجمار بالعظام، وعن الاستجمار بالروث وقال:
"إن العظام زاد إخوانكم من الجن " (5) ،
والظاهر أنهم مكلفون بما يكلف به الإنس من العبادات ولاسيما أصولها كالأركان الخمسة.
وحجهم يكون كحج الإنس زمناً ومكاناً،
وإن كانو قد يختلفون عن الإنس في جنس العبادات التي لا تناسب حالهم
فتكون مختلفة عن التكليف الذي يكلف به الأنس.
__________
(1) سورة الجن، الآية: 11.
(2) سورة الجن، الآيتان: 14- 15.
(3) سورة الأحقاف، الآيات: 29- 31.
(4) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن (رقم 450)
(5) انظر: الحديث السابق.