التسوية بين حدثنا وبين أخبرنا وذكر الحجة فيه
تأليف
الإمام المحدث الفقيه المفسر
أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي
239هـ -321هـ
بالاستفادة من تحقيق سمير بن أمين الزهيري
بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرنا الشيخ العالم المسند الأصيل شهاب الدين أبو المعالي أحمد بن الحافظ رفيع الدين أبي محمد بن إسحاق بن محمد بن محمد بن المؤيد بن علي الهمداني الأبرقوهي قراءة عليه ، وأنا أسمع في جمادى الأول سنة تسع وتسين وستمائة قال : أخبرنا الشيخ المعمر أمين الدين أبو المحاسن محمد بن أبي الفوارس فارس يعرف بابن أبي لقمة قراءةً عليه وأنا أسمع بقراءة أبي في ثالث ذي القعدة سنة عشرين وست مئة بدمشق المحروسة قال : أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل السوسي قراءة عليه وأنا أسمع في يوم الاثنين خامس شوال سنة إحدى وأربعين وخمس مائة أخبرنا أبو الفرج سهل بن بشر بن أحمد الإسفرايني قراءةً عليه وأنا أسمع في صفر سنة ست وثمانين وأربع مائة أخبرنا أبو القاسم سعيد بن محمد بن الحسن الإرديسي المروذي المقري قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن الحسن بن عمور الناقد قراءةً عليه في منزله بفسطاط مصر في سوق الأنماط ، فأقر به ، أخبرنا أبو الطيب أحمد بن سليمان الجريري قال : قال أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي :
اختلف أهل العلم في الرجل يقرأ على العالم ويقر له العالم به ، كيف يقول فيه ؟ " أخبرنا " أو " حدثنا " ؟.
فقالت طائفة منهم : لا فرق بين : " أخبرنا " وبين " حدثنا " وله أن يقول : " أخبرنا و " حدثنا " .
فممن قال ذلك بينهم أبو حنيفة ، ومالك بن أنس وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن .
1ـ كما حدثنا أحمد بن أبي عمران ، حدثنا سليمان بن بكار ، حدثنا أبو قطن قال :
قال لي أبو حنيفة : اقرأ علي ، وقل : حدثني .
وقال لي مالك بن أنس : اقرأ علي . وقل : حدثني .
2ـ وكما حدثنا روح بن الفرج ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال : لما فرغنا من قراءة الموطأ على مالك بن أنس قام إليه رجل : فقال له : يا أبا عبد الله ! كيف تقول في هذا ؟ فقال : إن شئت ، فقل : حدثني ، وإن شئت ، فقل : أخبرني ، وإن شئت ، فقل أخبرنا . قال : وأراه قد قال : وإن شئت فقل : سمعت .
3ـ وكما حدثنا سليمان بن شعيب ، عن أبيه ، أن أبا يوسف أملى عليهم هذه المعاني كما ذكرناه .
وقالت طائفة منهم : يقول في ذلك " أخبرنا " ولا يجوز أن يقول في ذلك :" حدثنا " إلا فيما سمعه من لفظ الذي يحدث به عنه .
قال أبو جعفر ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيما اختلفوا فيه منه ، فلم نجد بين " الحديث " وبين " الخبر " في هذا فرقاً في كتاب الله عز وجل ، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فأما في كتاب الله عزوجل ن فقوله عز اسمه : { يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها } فذكرها بالحديث عما وقعت عليها أمور بني آدم قبل ذلك ، فوجب بهذا : أن الحديث معناه معنى الخبر . وقوله عز ذكره : { قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم } وهي الأشياء التي كانت منهم .
وقوله عز وجل { هل أتاك حديث الجنود } أي ما كان من الجنود .
وقوله { ولا يكتمون الله حديثاً } أي ولا يكتمونه شيئاً .
وقوله عز وجل { الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً } وقوله تعالى { هل أتاك حديث الغاشية } وقوله تعالى { هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين } :
قال أبو جعفر : فكان المراد في هذه الأشياء المذكورة في هذه الآي التي تلونا أنه سمى في بعضها خبراً وسمى في بعضها حديثاً .
وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
4ـ كما حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا محمد بن عبيد بن حساب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي الخليل الضبعي ، عن مجاهد .
عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه : " أخبروني عن شجرة مثلها مثل المؤمن " قال فجعل القوم يذكرون شجر البوادي ، وألقي في نفسي ـ أو في روعي ـ أنها النخلة ، فجعلت أريد أن أقولها ، فأرى أسنان القوم ، فأهاب أن أتكلم ، فلما سكتوا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" هي النخلة "
قال أبو جعفر : فكان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الحديث :" أخبروني " في معنى قوله " حدثوني " .
5ـ وكما حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال : حدثني أسباط بن محمد ، عن الشيباني ، عن عامر عن فاطمة ابنة قيس قالت : بينما الناس بالمدينة آمنين ليس لهم فزع ، إذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى الظهر ، ثم أقبل يمشي ، حتى صعد المنبر ، ففزع الناس ، فلما رأى ذلك في وجوههم قال : " أيها الناس ! إني لم أفزعكم ، ولكن أتاني أمر فرحت به ، فأحببت أن أخبركم بفرح نبيكم ، إن تميماً الداري اخبرني أن قوماً من بني عم له ، ركبوا في سفينة في البحر " ... ثم ذكر حدث الجساسة بطوله : قال : فقليت عبد الرحمن بن أبي بكر ، فحدثته ، فقال : أشهد ان عائشة حدثتني بهذا . قال : فلقيت محرر بن أبي هريرة فقال : أشهد علي أبي أنه حدثني بهذا .
قال أبو جعفر : فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تميم الداري ما ذكره له بالإخبار ، لا بالحديث .
6ـ وكما حدثنا بكار بن قتيبة وإبراهيم بن مرزوق قالا : حدثنا أبو عاصم ، عن الأوزاعي ن عن حسان بن عطية ، عن أبي كبشة السلولي .
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن يكذب علي متعمداً ، فليتبوأ مقعده من النار " .
قال أبو جعفر : فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكون منهم من ذكر أمور بني إسرائيل بالحديث ، لا بالأخبار .
7ـ وكما حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، حدثنا شعيب بن الليث ن حدثنا الليث ، عن أبي الزبير عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال له أعرابي جاءه : إني حلمت أن رأسي قطع ، فإني أتبعه ، فزجره النبي صلى الله عليه وسلم وقال : " لا تخبر بتلاعب الشيطان بك في المنام "
قال أبو جعفر : فذكر ذلك بالخبر ، لا بالحديث .
8ـ وكما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي ، حدثنا حماد بن سلمة ن حدثنا ثابت وحميد ، عن أنس ، عن عبادة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أراد أن يخبرهم بليلة القدر ، فتلاحى رجلان ، فاختلجت منه ، فقال : " إني أدرت أن أخبركم بليلة القدر ، فتلاحى رجلان ، فاختلجت مني ، ولعل ذلك خير لكم ، اطلبوها في العشر الأواخر : في التاسعة والسابعة والخامسة " .
قال أبو جعفر : فذكر ذلك بالخبر ، لا بالحديث .
9ـ وكما حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني ، حدثنا أبو خالد الأحمر قال : سمعت حميداً .
عن أنس ، أن عبد الله بن سلام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أول أشراط الساعة ؟ فقال : " أخبرني جبريل عليه أن ناراً تحشرهم من المشرق "
قال أبو جعفر : فذكر ذلك بالإخبار عن جبريل ، لا بالحديث عنه .
10ـ وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ألا اخبركم بخير دور الأنصار ؟ ، قالوا : بلى قال " دور بني النجار ، ثم بنو عبد الأشهل ، ثم بنو حارثة " .
11ـ وكما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا عبد الله بن بكر ، عن حميد ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ألا أخبركم بخير دور الأنصار ؟ دار بني النجار ، ثم دار بني الأشهل ، ثم دار بني الحارث ، ثم دار الخزرج ، ثم دار بني ساعدة ، وكل دار الأنصار خير " .
قال أبو جعفر : فذكر الإخبار عن الدور ، لا بالحديث عنها .
12 ـ وكما حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا يزيد بن عبد ربه ، حدثنا بقية قال : حدثني عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، قال : حدثني رفاعة بن رافع بن خديج عن رافع بن خديج قال : مر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ن ونحن نتحدث ، فقال : " ما تحدثون ؟ " قلنا نتحدث عنك يا رسول الله ، قال : " تحدثوا ، وليتبوأ من يكذب علي مقعده من جهنم ".
قال أبو جعفر : فذكر ذلك بالحديث عنه ، لا بالخبر .
13 ـ وكما حدثنا يوسف بن يزيد ، حدثنا علي بن معبد حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن محمد بن قيس النخعي قال : سمعت أبا الحاكم البجلي يقول : دخلت على أبي هريرة ن وهو يحتجم ، فقال لي : يا أبا الحاكم أتحتجم ؟ فقلت: ما احتجمت قط . فقال أخبرنا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ؛ أن جبريل عليه السلام أخبره أن الحجم من أنفع ما يتداوى به الناس .
ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل ما ذكره له من ذلك الخبر ، لا بالحديث .
14ـ وكما حدثنا أبو أمية ، حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، حدثنا زيد بن وهب قال : حدثنا أبو ذر بالربذة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني جبريل عليه ، فأخبرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ".
قلت : يا رسول الله ! وإن زنى وإن سرق ؟ قال : " وإن زنى وإن سرق ". قلت :" يا رسول الله ! وإن زنى ، وإن سرق "؟ قال : " وإن زنى وإن سرق ".
15 ـ وكما حدثنا أبو أمية ، حدثنا عمر بن حفص ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش قال : حدثني أبو صالح ، عن أبي الدرداء نحوه .
قال : قلت : يا رسول الله ! وإن زنى ، وإن سرق ؟
قال : " وإن زنى وإن سرق ، وإن رغم أنف أبي الدرداء ".
16 ـ وكما حدثنا أبو أمية ، حدثنا روح بن عبادة ن عن حاتم بن أبي صغيرة ، حدثنا حبيب بن أبي ثابت ، أن أبا سليمان الجهني حدثه قال : حدثني أبو ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقيت الملك ، فأخبرني أنه من مات يشهد أن لا إله إلا الله كان له الجنة ".
فما زلت أقول : وإن ، وإن ، حتى قلت له : وإن زنى وإن سرق ؟
قال : " وإن زنى ، و إن سرق "
17ـ وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي ، حدثنا هشام بن أبي عبد الله ، عن حماد بن [ سلمان ] ، عن زيد بن وهب ، عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اخبرني جبريل لأمتي : أنه من شهد منهم أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله دخل الجنة ". قال قلت يا رسو الله ! وإن زنى ، وإن سرق ؟ قال : " وإن زنى ، وإن سرق " قال : قلت يا رسول الله ! وإن زنى ، وإن سرق ؟ قال :" وإن زنى وإن سرق ".
18 ـ كما حدثنا أبو أمية ، حدثنا عبد الله بن بر بن حبيب السهمي وعبيد الله بن موسى العبسي قالا : حدثنا مهدي بن ميمون ، عن واصل الأحدب ، عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له ، فلما كان بعض الليل ، تنحى ، فلبث طويلا ، ثم أتانا ، فقال : " أتاني آت من ربي عز وجل ، فأخبرني أنه ، من مات من أمتي لا يشكر بالله شيئاً ، دخل الجنة "
قال : قلت : وإزنى ، وإن سرق ؟ قال : " وإن زنى ، وإن سرق ".
قال أبو جعفر : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما كان جبريل عليه السلام قاله من ذلك بالخبر ، لا بالحديث .
19ـ وكما حدثنا بكار بن قتيبة ، حدثنا أبو داود الطيالسي ، حدثنا المسعودي ، حدثنا اسماعيل بن واسط البجلي ، عن محمد بن أبي كبشة الأنماري ـ أنمار غطفان ـ عن أبيه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فسارع الناس إلى أهل الحجر ، ليدخلوا عليهم ، فنودي في الناس : الصلاة جامعة ، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ممسك بعنزة ، فقال : ما يدخلون على قوم قد غضب الله عليهم ، فناداه رجل ـ متعجباً ـ منهم : يا رسول الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بأعجب ؟ " كأنه يعني من ذلك رجل من أنفسكم يخبركم بما كان قبلكم ، وما هو كائن بعدكم ، فاستقيموا ، وسددوا ، فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئاً ن ثم يأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئاً ".
قال أبو جعفر : فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يذكر لهم في ذلك من الأشياء الماضية بالإخبار عنها ، لا بالحديث عنها .
وفيما ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ما قد دل على أن الحديث عن الشيء هو الإخبار عنه ، وعلى أن الإخبار عنه هو الحديث عنه ، وعلى أن لا فرق بين حدثنا وأخبرنا في المواضع التي ذكرناها في أول هذا الباب ، وعلى أنه ما جاز أن يقال فيه : حدثنا ، فجايز أن يقال فيه : أخبرنا ، وما جاز أن يقال فيه :أخبرنا جايز أن يقال فيه : حدثنا .
وقد ذهب قوم فيما قرئ على العالم ، فأجازه ، وقبله وأقره ، أنه يقال فيه : قرئ على فلان ، ولا يقال فيه : حدثنا ، ولا : أخبرنا .
قال أبو جعفر : ولا وجه لهذا القول منه عندنا ، ولا بأس أن يقول في ذلك : أخبرنا ، وحدثنا ، وهو في معنى القراءة على العالم على من يأخذ ذلك عنه ، وجايز أن يقول في ذلك ما يقوله فيما قرأه على العالم عليه .
ألا ترى أن رجلاًَ لو قرأ صكاً على رجل ، فأقر له بفهمه ، ثم أشهده على ما فيه على نفسه ، أنه جايز له أن يقول : أقر عندي ، كما يجوز له أن يقول ذلك ، لو كان المكتوب عليه قرأه على نفسه عليه بنفسه ، فصار الإقرار بالشيء ، والتصديق به ، وإن كان المتكلم به غير المقر ، وغير المصدق ، في حكم المقر به ، والمصدق له ، لو كان هذا المتكلم به ، فكذلك يجب أن يكون ذلك في الحديث كذلك . والله أعلم بالصواب .
تم الفصل من كلام أبي جعفر الطحاوي ـ يرحمه الله ـ والحمد لله حق حمده ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً .