إنَّ الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونعــوذُ باللهِ من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ...
أما بـــــــــعد:
السلام عليكم ورحمة الله
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
إخواني ,,, إخواتي
أهلا وسهلا بكم
فـي منتداكم و بيتكم الثاني
الحديث والسيرة النبوية
يسعدنا و يشرفنا أن نرحب بكم في رحاب منتدانا الغالي
حللتم أهلا و نزلتم سهلا...
سلسلة في السيرة || شذا العبير من سيرة البشير النذير || (4) ||
((بحث في السيرة النبوية العطرة))
لأم الرميصاء عبير بنت محمد جمال الدين محمد أبي السعود
المدرسة الثالثة: من المدارس التي اعتنت بالسيرة مدرسة العلماء والفقهاء وهؤلاء من المحدثين والفقهاء اعتنوا كثيرا أيضا بالسيرة فكتبوا السيرة مهتمين بما فيها من أحكام وما فيها من بيان للعقيدة وبيان للأحكام الفقهية وهذا ظاهر لك فيما اعتنى به أئمة الحديث كالبخاري وغيره، والأئمة من بعده أئمة المحدثين كالحافظ البيهقي في دلائل النبوة وكذلك من المتأخرين شيخ الإسلام ابن تيمية فإنّه نظر إلى السيرة نظرا فقيها وفصّل كلامه وما فرقه من الكلام على السيرة العلامة شمس الدين ابن القيم في كتابه ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) فإنه تناول السيرة بذكر التحقيق فيها وجمع بين ما جاء في القرآن وما جاء في السنة، وكلام أهل السير ونظر فيه نظرا فقهيا ونظر فيه نظرا عقديا وتبعه على هذه الطريقة الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وتلميذه وابنه عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب فإنّهم كتبوا في السيرة ناظرين إلى العلم وجمعوا فيها ما بين مقتضى العلم ومقتفى القصة أو مقتضى السيرة، ولا شكّ أنّ هذه المدرسة هي أنفع المدارس وأعظمها كما سيأتي بيانه إنْ شاء الله تعالى.
المدرسة الرابعة: المدرسة الدعوية المعاصرة، فإنّ المعاصرين من الدعاة على اختلاف انتسابهم في الدعوة اعتنوا بالكتابة في السيرة على مختلف المشارب وعنوا بكتابتهم في السيرة أنْ يأصلوا جوانب دعوية تهمهم وتهم الفئات التي ينتسبون إليها من طريق السيرة فإنّ في السيرة ما يمكن أنْ يكون دليلا بمجرده على مسائل كثيرة في الدعوة وقد يكون ذلك الاستدلال صوابا وقد يكون خطأ فظهرت في هذا العصر مدرسة كبيرة كتب في ((فقه السيرة)) وكتب في ((دروس وعبر من السيرة)) وفي ((دراسات في السيرة)) وأشباه ذلك من مدارس دعوية مختلفة في الاهتمام بالسيرة من وجهة نظر دعوية وكثير من هؤلاء لم يعتنوا بها من جهة ما صح من السيرة وما لم يصح وإنما جعلوا السيرة عبرة لما يريدون من الفوائد الدعوية سواء أصح ذلك أم لم يصح وسواء أثبت في العلم والفقه والعقيدة أو لم يثبت ذلك ولهذا تنوعت الكتب في هذا وهذه مدرسة أيضا من مدارس السيرة ويمكن تسميتها بالمدرسة الدعوية المعاصرة في تناول السيرة.
المدرسة الخامسة: من مدارس السيرة مدرسة الروايات والقصة فإنّ كثيرين من السابقين ومن المعاصرين تناولوا السيرة على أنها روايات وعلى أنها قصص بل وربما تناولوا الصفحة الواحدة والصفحتين في السيرة بشيء من التفصيل وشيء من الاستطراد الأدبي فجعلوها عشر صفحات وعشرين صفحة من جهة الاستطراد فقلبوا السير إلى قصصٍ متنوعة لتكون لمن يقرأها عوضا عن الروايات الهابطة وعن القصص الفارغة التي انتشرت في هذا العصر فقام عددٌ ممن يحرصون على الاسلام ممن فيهم ديانة وخير على أنْ يعوضوا الناشئة في مقابلة خِضم السيل الجارف بالروايات والقصص والحكايات بأنواع شتى وبعضها مترجم من الشرق وبعضها مترجم من الغرب فقابلوها بنقل السيرة إلى قصص وروايات وهذا لا شك أنه أفاد كثيرًا من الناشئة لكن له سلبياته ولو تناولها بعض طلبة العلم الذي يعلمون حدود ما أنزل الله على رسوله فكتبوها على شكل قصصي وعلى شكل روايات لا بأس لكن تكون معتمدةً على ما يقضي به العلم والتحقيق فإنّ فيها نفعا كبيرا للناشئة وللشباب والفتيات وللكبار أيضا، هذه جملة من المدارس القديمة والحديثة في تناول السيرة.إذا نظرنا لما كتب في كتب السير من أخبار النبي صلّى الله عليه وسلّم والحكايات وما حصل له عليه الصلاة والسلام وجدنا أنّ السيرة استدل ببعض أحداثها وببعض ما ذكر فيها على أمور عند أهل العلم من علماء السلف والمحققين من أهل العلم ممن بعدهم يرون أنّ تلك الاستدلالات ليست بصحيحة بل ربما كانت باطلة بل ربما كانت شركية وهذا يقودنا إلى تفصيل لهذا النوع وهو الذي يمكن أنْ تسميه أنواع من الاستدلالات الخاطئة بأحداث من السيرة وهي جديرة من بعض طلبة العلم المتفرغين أنْ يرصد نفسه لجمعها فيجمع أنواع الاستدلال الباطلة مما جاء في السير على أمور لا يقرها العلم الصحيح ولا يقول بها الأئمة والعلماء فمن ذلك مثلا ما جاء في كتب السير أنّ المسلمين في غزوة اليمامة كان شعارهم (محمداه) وهذه ذكرها الطبري وذكرها ابن كثير في ((البداية والنهاية)) وأشباه ذلك، فقال قائلون: أنّ هذا يدل على جواز الاستغاثة بالنبي صلّى الله عليه وسلّم بعد مماته لأنّ معنى محمداه يعني (يا محمداه) أو هو دعوة له عليه الصلاة والسلام ولا شك أنّ الاستدلال على مسألة عقدية بل على مسألة هي لُبُّ التوحيد وأصله وهو الاستغاثة بالله جلّ وعلا وحده دون ما سواه الاستدلال بمثل هذا على تجويز الاستغاثة بالنبي صلّى الله عليه وسلّم ضربٌ لنصوص الكتاب والسنة الكثيرة المتواترة لفظا ومعنًى ضرب لها بخبر جاء في كتب السيرة وقد استدل بهذا بعض المخرفين وبعض دعاة البدع والضلالات وهذا لا شك أنه ناتج من ظن أنه كل ما ذكر في كتب السيرة وكل ما ذكر عن سير الصحابة فإنه صحيح في نفسه وهذا غلط فإنّ فيها أشياء نسبت إليهم لا تصح بل هي غلط في التوحيد وغلط في العقيدة وغلط في السنة.
من مثل هذا المثال الذي ذكرته لك -ولو نظرنا- في تاريخ الطبري الذي يورد الأشياء بإسنادها لوجدنا أنّ اسناد هذه الحكاية التي ذكر فيها هذا الخبر مسلسل بكذاب ومجهول وضعيف وهذا كاف في إبطالها من أصلها والذي يعلم دين الرسول صلّى الله عليه وسلّم يبطلها ولو بدون النظر إلى الإسناد فإنّ الصحابة من كانوا ليستغيثوا بأحدٍ دون ربهم جلّ وعلا يعني ممن لا يقدر على الإغاثة وهم سادة هذه الأمة فلم يكونوا يستغيثوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته، هذا مثال لأنّ هناك أنواعًا من الاستدلالات العقدية الباطلة ببعض ما يورد في كتب السير وكتب المغازي وأحوال الصحابة بعده عليه الصلاة والسلام أيضا من الأخطاء في أنواع ما يورد في السير أن الناس انتشرت فيهم أحاديث ضعيفة لا يصح نسبتها للنبي صلّى الله عليه وسلّم بل وأحاديث ربما منكرة وباطلة لأنها أوردت في السير وقد قدمت لك
قول الحافظ العراقي: وليعلم الطالبُ أنّ السيرَا تجمع ما صح وما قد أُنْكِرَا
ففي ما ورد في السيرة منكرات وأشياء منكرة وقد علم أهل العلم كثيرا من هذه الأخبار بأنها ليست بصحيحة ولا يصح الاعتماد على السير فيها، فمن ذلك مثلا كثير من الحكايات في قصة ((بحيرى الراهب)) فإنّ أصل القصة صحيح من حيث الإسناد ومن حيث الرواية لكن ما جاء في كتب السير منها فإنّ فيه تفصيلات لا تثبت وإنما تروى هكذا بلاغا بلا إسناد وبعض جُمَلها صحيح فأصل القصة صحيح وكثير من المحاورات التي فيها ينقلها بعض الدعاة وينقلها بعض الخطباء وينقلها بعض الموجهين على أنها صحيحة وهي ليست بصحيحة وعليها اتكأ بعض أعداء الإسلام من المستشرقين وغيرهم في قولهم أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذ كثيرا من العلوم عن ((بحيرى الراهب)) وهي التي أوردها أو ذكرها عليه الصلاة والسلام وأصحابه وهذا باطل قطعا.