أقسامُ المياهِ: أقسام الماء ثلاثةٌ:
أحدُها: الطَّهور:
وهو الماءُ المطلقُ الباقيّ على خلقته التي خُلق عليها؛ سواء نبع من الأرض، أو نزل من السماء على أي لون كان. وهو طاهرٌ في نفسه مطهّرٌ لغيره؛ فيرفع الحدَث، ويزيل الخبَث؛ لقوله تعالى : ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: 11]. وقال صلى الله عليه وسلم : «اللهمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَ بالمَاءِ، والثَّلْجِ، والبَرَدِ» [متفق عليه]، وقال صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر: «هو الطَّهورُ ماؤُهُ، الحِلُّ ميتتُهُ» [رواه الخمسة: أحمد، وأبو داود، والترمذيّ، والنّسائي، وابن ماجه[.
أنواعُــه: وهو أربعة أنواع:
1- ماءٌ يحرمُ استعمالُه، ولا يرفعُ الحدثَ، ويزيلُ الخبثَ: وهو ما ليس مباحاً؛ كمغصوب ونحوه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ؛ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» [متّفق عليه[.
2- ماءٌ يرفعُ حدثَ الأُنْثى لا الرّجلَ البالغَ والخُنْثى: وهو ما خلت به المرأةُ المكلّفة لطهارةٍ كاملةٍ عن حدثٍ؛ لحديث الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنه : «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضّأ الرّجلُ بفضلِ طهورِ المرأةِ» [رواه الخمسة]. وقول عبد الله بن سَرْجَس رضي الله عنه : «توضأ أنت ها هنا وهي هاهنا؛ فأما إذا خلت به فلا تقربنّه» [رواه الأثرم[.
3- ماءٌ يكرهُ استعمالُه مع عدمِ الاحتياجِ إليه: وهو يرفع الحدث، ويزيل الخبث.
وذلك كماءِ بئرٍ بمقبرة، وماءٍ اشتدَّ حرُّه أو بردُه؛ لأنّه يُؤذي ويمنع كمال الطهارة، أو سُخّن بنجاسةٍ أو بمغصوبٍ؛ لأنّه لا يسلم غالباً من صعود أجزاءٍ لطيفةٍ إليه، وفي الحديث: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» [رواه الترمذي، والنّسائي، وقال التّرمذيّ: حديث حسن صحيح]، أو استُعمل في طهارةٍ لم تجبْ كتجديدِ الوضوءِ وغُسلِ الجمعةِ، أو تغيّر بملح مائيّ كالملح البحري؛ لأنّه منعقدٌ من الماء، أو بما لا يُمازجه كتغيّره بالكافور والدُّهن على اختلاف أنواعه؛ لأنّه تغيّر بمجاور، لا يمازج الماء، وكراهته خروجا من الخلاف. وفي معناه ما تغيّر بالقَطِران والزَّفْتِ والشَّمْعِ؛ لأنّ فيه دُهنيةً يتغيّر بها الماءُ.
ولا يكره ماء زمزم إلا في إزالة الخبَثِ؛ تعظيماً له.
4- ماءٌ لا يكرهُ استعماُله: كماء البحر، والآبار، والعيون، والأنهار؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قيل : يا رسول الله أنتوضأ من بئر بُضاعة وهي بئر يلقى فيها الحِيضُ ولحومُ الكلابِ والنَّتَن؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «الماءُ طَهورٌ لا ينجّسه شيءٌ» [رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن[.
ولا يُكره ماءُ الحمّام-مكان الاستحمام-؛ لأنّ الصحابة رضي الله عنهم دخلوا الحمّام ورخّصوا فيه؛ فعن عمر رضي الله عنه: أنّه كان يُسخّن له ماءٌ في قُمْقُم فيغتسل به. [الدارقطني، وصحّحه[.
ولا يُكره المسخّنُ بالشّمس؛ لعدم صحّة الحديث الذي ينهى عن ذلك، وأنّه يورث البرص.
ولا يُكره الماءُ المتغيّر بطول المكث -وهو الآجن-، وما تغيّر في آنية الأُدْم والنُّحاس؛ لأنّ الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسافرون وغالب أسقيتهم الأدم وهي تغير أوصاف الماء عادةً، ولم يكونوا يتيمّمون معها.
وكذلك ما يتغيّر بالرائحة من ميتة ونحوها، أو بما يَشُقُّ صونُ الماء منه؛ كالطُّحلب وورق شجر -ما لم يوضعا-، وكذلك ما تغيّر بمروره على كبريتٍ ونحوه، وما تلقيه الرِّيح والسُّيول في الماء من الحشيش والتِّبن ونحوهما؛ لأنّه لا يمكن صون الماء عنه.
الثاني: الطّاهرُ غيرُ المطهر.
ويجوز استعمالُه في غيرِ رفعِ الحدث وإزالةِ الخبث، ونحوِهما، وهو: ما تغيّر كثيرٌ من لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر غيّر اسمه حتّى صار صِبغاً أو خلًّا أو طُبخ فيه فصار مرقاً فيسلبه الطَّهورية؛ لأنّه أزال عنه اسم الماء فأشبه الخلّ.
فإن زال تغيُّرُه بنفسه عاد إلى طهوريّته.
ومن الطّاهر: ما كان قليلاً واستعمل في رفع حدث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صَبَّ على جابر من وضوئه [متّفق عليه]، ولكنّه غير مطهر؛ لأنّه أزال مانعاً من الصّلاة؛ فأشبه ما لو أزيلت به نجاسة.
ومنه: الماءُ القليلُ الذي انغمست فيه كلُّ يد المسلمِ المكلَّفِ النَّائمِ ليلاً نوماً ينقضُ الوضوءَ قبل غسلها ثلاثَ مراتٍ بنيّة وتسمية عند أوّل الغسل، وذلك واجب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا فإنّ أحدكم لا يدري أين باتت يدُه» [متّفق عليه[.
الثالث: النّجس:
يحرمُ استعمالُه إلا لضّرورةِ -كعطشٍ أو دفع لقمة غصّ بها-، ولا يرفعُ الحدثَ، ولا يُزيلُ الخبثَ، وهو: ما وقعت فيه نجاسةٌ وهو قليلٌ، أو كان كثيراً وتغيّر بها أحدُ أوصافِه: طعمه أو لونه أو ريحه؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهـما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من الدواب والسِّباع فقال صلى الله عليه وسلم : «إِذَا كَانَ المَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الخَبَثَ» [رواه الخمسة، واللّفظ للأربعة دون ابن ماجه، و الحديث صحّحه أحمد وغيره]. وفي لفظ ابن ماجه وأحمد: «لم ينجّسْه شيءٌ» يدلُّ على أنّ ما لم يبلغهما ينجس.
وما تغيّر أحدُ أوصافِه بنجاسة: نجسٌ إجماعاً.
فإن زال تغيّره بنفسِه، أو بإضافةِ طهورٍ إليه، أو بنزحٍ منه ويبقى بعده كثير: عاد إلى طهوريّته. والكثير: قلّتان، واليسير: ما دونهما.
وهما: خمسُمائةِ رطلٍ بالعراقيّ تقريباً، وثمانون رطلاً، وسُبُعان ونصفُ سبعِ رطلٍ بالقدسيّ، ومساحتهما: ذراعٌ وربْعٌ طولاً وعرضاً وعمقاً.
والقلتان تسعان خمسَ قربٍ تقريباً، وذلك يساوي بالتقريب: (160.5 لتراً).
فإذا كان الماء الطَّهور كثيراً ولم يتغيّر بالنّجاسةِ؛ فهو طهورٌ، ولو مع بقائها فيه؛ لحديث بئر بضاعة السابق.
وإن شكّ الشخص في كثرة الماء الذي وقعت فيه نجاسةٌ ولم تغيّره؛ فهو نَجِس .
وإن اشتبه الماءُ الذي تجوز به الطّهارة بماء لا تجوز به الطهارة: لم يَتَحرَّ فيهما، ويجتنبهما جميعاً، ويتيمّم بلا إراقة للماء؛ لأنّه اشتبه المباحُ بالمحظور فيما لا تبيحه الضرورة؛ فلم يجز التحرّي كما لو كان النجسُ بولاً، أو اشتبهت أختُه بأجنبيات.
ويلزمُ من علم بنجاسةِ شيءٍ من الماء أو غيره إعلامُ من أراد أن يستعمله في طهارةٍ، أو شربٍ، أو غيرهما؛ لحديث: «الدِّينُ النَّصِيحةُ» [رواه مسلم].