يجلس معتداً بياقته ناصعة البياض وقميصه الأزرق ورابطة عنقه الزرقاء , يتحدث في ثقة وكأنه حاز الكون ودنت له الشمس وسارت من تحته الأنهار
يجمعنا حوله كما تجمع كبار النجوم الكواكب حولها , يضحك فاغراً فاه كملكٍ يضحك من سباياه , يُحرك يده يميناً ويساراً كملحن في أوبرا إيطالية ذائعة الصيت .
أجلس على يمينه أرقبه بنظرةٍ مُحايدة فآولئك المعتدين بأنفسهم ليسوا سوى كائنات ضعيفة تتلمس في ضعف من حولها القوة ,حينما يحتاجه البشر يشعر بنفسه ويخرج من قمقمه .
طاولته المستديرة تجعلنا على مسافة بعيدة منه نتحلق حوله كما الجياع حول صحن اللحم المشويّ , يشعر بالانتشاء لمجرد التفكير أننا في حاجةً إليه , يتحدث عن شئون البلاد ,
وعن معارفه من المستشارين وعن مركزه الشاهق الذي يجعل الناس تتهافت حوله كما السمك يتهافت على الطعم قبل موته .
كانت ساقيه تهتز , أبتسم الآن في سخرية , فالرجل ضعيف بعد كل هذا , لما هذا التوتر الذي يُصيب مفاصل ركبته فتهتز كما بندول الساعة .
يلمح نظرة السخرية في عيني ثم ينظر إلى ساقيه فيعتدلا ولكنهما يُعاودان الارتعاش بعد هنيهة ,ينظر لي تارةً أُخرى كما لو أني استعد للأنقضاض عليه .
سألته في مباغتة عن تحيزه لعائلته في تحقيق الطلبات , فعلم صدق حدسه أني مُهاجم جيد , فقال لي وقد علت نبرة صوته فاتضح للجمع ضعفه فتسائل :وما دخلك أنت ؟! .
قلتُ : الكل يعلم سيدي بمحابتك للأقربين من عائلتك , فغير دفة الحديث في براعة قائلاً لفتاة تجلس في آخر الطاولة : يبدو أنك مرهقةً تعالي واجلسي بجانب المكيف فالجو ها هنا أنقى .
أصاب ذلك الموقف الأبوي الجمع في مقتل فأصابتهم الراحة الزائفة نحوه .
قال لبعض الفتية : ما رأيكم في أحوال فرق الكرة في بلدنا وكيف ننهض بها ؟! , تسابق الفتية للأجابة عن سؤاله في مرح وضحك وحبور .
بينما هو ينظر تُجاهي مردداً في خاطره : دورك قادم يا أبله , انظر كيف أفرقهم ككور البلياردو ؟!.
اتجه ببصره لرجلين يضعا العوينات : أما أنتما فلكما وضعٌ خاص أريدكما أن تتركا هاتفيكما عند السكرتارية لكي نتشاور في العديد من المشروعات الهامة فأنا أرى فيكما حُسن العقل ! .
تعالت أصوات الجمع في الضحك فقد نال كلاً منهم نصيباً من الأبوة الحانية وخرجوا جميعاً منتشيين في زهو , حاولت التسلل معهم بعد أن أفسدت موقفي
فشاور لي في قوة أن تعال ,ثم قال لي في شماتة : ماذا كنتَ تُريد يا صديقي ؟