السلام عليكم و رحمة الله ، السلام عليكم و رحمة الله.
يستعجل المصلون تقبيل بعضهم للعودة الى بيوتهم ، فاليوم عيد .
الكل في الشوارع مبتهج ،جميل ،وديع ،بريء براءة الاطفال ، و كأن البشر صاروا ملائكة فوق الارض .
كل بخيل ينفق، كل عاص يرجع ،كل متخاصم يغفر ،و يصالح ،كل ذي رحم يصل رحمه .
اقترب من بيت والدتي شيئا فشيئا ،و انا أسلي نفسي ،و بصيرتي بكل ما أراه في الشارع من صياح الصغار في لهوهم ،و فرح الكبارمن الرضى بكل من حولهم و كأن الارض غير الارض ،و الناس غير الناس، و لكن قلبي لا يزال خائفا، متوجسا ،لا يرجو خيرا .
صار البيت يتراءى لي من مقامي ها هنا و قد استمسك بي أحد الجيران يقبلني في فرحة اشعرتني بالضيق و كأنني احسد الكل على هذه الطمأنينة التي أوتوها و التي لا ارتجيها .
يسألني الرجل عن حالي و حال أهلي و الاولاد ،عجبا هل في الحي احد لا يعلم انه لا اولاد لي؟ و ان ما أصابني به التعذيب في فترة العدوان منعني الانجاب الى الابد ؟ كيف يجرأ على توجيه هكذا سؤال لي ؟ لم يكن لي الا ان تحاشيته ببعض الكلمات بدل توجيه اللكمات و مضيت الى حال سبيلي ...الى الامتحان الاكبر.
ها قد بلغت باب البيت ،أأدق أم أرن ؟
أرن أولا، فان لم يفتح الباب لي ادقه من جديد ،فقد يكون الكهرباء مقطوعا ،فلا تسمعني امي ،و لا تفتح لي .
رننت ،و دققت، و ما من مجيب ...أعرف انهن هنا ،مجتمعات كلهن ، يرين ،و يسمعن ،و يعرفن لهفتي على أمي ،و لكنهن يستمتعن باذلالي و حرماني من غفرانها لي .
أطلب غفران أمي منذ أربع سنين عن ذنب لم ارتكبه و في كل مرة تختلق لي عذرا اقبح من ذنب حتى ظننت انني لست ابنا شرعيا لها و لو لم يشملني شبهي بوالدي و بعضه بها لأيقنت انها التقطتني من الشارع .
دخلت البيت من المرآب ،فلحسن الحظ لازلت محتفظا بنسخة من مفاتيحه .
سمعت ضجة خفيفة و كأنهن في حركة سريعة وقد تفرقن ،وددت للحظة أن أعود ادراجي حين تذكرت كل الاعياد التي خلت و أنا أتوسل لأمي و ارسل لها الوسائط لتسامحني على كوني نصرت الحق و لم أطلق زوجتي لانها لم تحبها هي و اخواتي اللاتي استمتعن طيلة سنوات باذلالها و امام عيني .
طلبت العفو لانني قلت لها أنها ظالمة و انه يجب عليها ان تتوب و لكنها البستني ثوب" دعوة الشر" الشهيرة التي ما ان ترمى على أحد الا خسر خسرانا مبينا في الدنيا و الاخرة .
قالت أنها الام و الجنة تحت اقدامها و أنني جاحد عاق و لم تعلم ان الوالد احيانا يكون عاقا لولده و يحاسب عليه في كل ما دق من شيئ أو كبر حتى العدل في الحب يحاسب عليه .
لست اخشى على نفسي بقدر خشيتي عليها أن توافيها المنية، و تلقى الله و هي على معصية ،و قد جاوزت حد قطيعة الرحم معي، و انا آتيها طيعا مسالما فتردني بالكلمة و الكلمتين لايقولهما الا سفيه، جائر ،عاص، قاس القلب بل متحجره ،و كأن امي ليست هي امي، و كأن الدنيا في البيت ليست هي الدنيا على بعد جدار.
أريد معاتبتها ،و سؤالها الرحمة ،و لكني مستيقن أن هذا لن يزيدها الا غرورا، و استعلاءا ،و تماديا في جرحي لأجل ارضاء بناتها أدق أبواب الغرف بابا ،بابا و ما من مستفتح.
انسحبت ذليل النفس أجر اذيال الخيبة ،و قلبي يعتصر غضبا ،و ألما، و حزنا، و أنا مدرك أن وراء كل هذا الجفاء اخواتي الكريمات اللواتي أعمتهن الغيرة فأفسدن قلب أمي علي ،و على زوجتي ،و ما لي في تبصرة الاعمى من سبيل .
خرجت أجر رجلي جرا ،و الارض لا تزال في بهرجتها ،و لكن عيوني لا ترى منها سوى الأبواب ،و القلوب الموصدة التي واجهتني و هي التي يجب أن تستقبلني و تحابيني و في فمي صرخة أني أبدا لن أرضخ أبدا لن أظلم أبدا لن أطلق ...فبأي جديد جئت بعد يا عيد؟؟؟