قصة قصيرة جدا بعنوان " الساذج والمتنكّر " .
من منبت شعرها حتى إخمص قدميها ، من البرقع حتى الجوارب الشتائية الصوفيّة الثقيلة ، تلتف حول جسدها وتطوّق به وتنسدل عليه لفافة قماشية سوداء على ظاهرها إمارات الإعتناء ، تروّضه وتحاصره جيداً لئلا يفلت إصبعاً من هنا أو ينكشف أمر أظفراً من هناك . من " دار السلام " وحتى " الملك الصالح " يتعقّبها أحدهم . لا يبدو من أولئك الذين إستبد بهم الهوس بالمغازلة ، بل من هؤلاء الكلفين بالتلصص على كل ما هو أنثوي . يُسرع في خطاه ، يسير بمحازاتها ، يقترب منها ، يدس يده بجيبه ، تسعُل ، يستوقفه الصوت الذي بدا مجهول المصدر ، تلك ليست أنثى وهذا ليس بأنثوي ! ( هكذا قال في نفسه ) ، تسعُل مجدداً ، يتقهقر متباطئاً ثم يفر إلى الخلف صارخاً في نفسه : ليست أنثى .. ليست أنثى على الإطلاق !
قصة قصيرة جدا بعنوان " رغبة " .
أدلف للداخل في إسراع متأبطاً سترة بدلته " اللمّيعه " ، داعب خصلات لحيته النصف مذهّبه مسدداً نظراته المتفحّصه لجسد زوجته صعوداً وهبوطاً كأنما يراه ويكتشف خريطته للمرة الأولى ، تتدخل قائلة بمكر وتظاهُر بعدم الإكتراث : " يعني مش كان كفاية إن الفرح معمول في " كونراد " ؟ إيه لازمة الرقّاصة ؟! " ، " أرأيتي كيف كانت تثني أصابع أقدامها بإنسيابية ؟! مقززة ! ألاحظتى كيف كانت تدفع خصرها بيدها في إتجاه حركتها ؟! الوضيعة عديمة الحياء ! أشاهدتى كيف كانت تدفع بجسدها دفعاً نحو ترابيزات المعازيم ثم تعاود إستكمال حركات عرضها في خفّة ؟! الوقحة ! ، تحملق زوجته به مشدوهة قبل أن يطلب إليها أن تنزع عن جسدها " السواريه " ، يخرج للصالون ثم يعود مساعداً زوجته في إرتداء تلك البدلة " المقلّمة " المختصرة قبل أن يثني جسده تاركاً الخلخال يعانق كاحلها الغضّ . ينسحب للوراء قليلاً ، تلمع عيناه ، يقترب ليطبع على قدميها قبلة إستجداء قبل أن يجذب ذراعها بعنف ليهوى بثقله عليها ! .
قصة قصيرة جدا بعنوان " ذو العين الواحدة "
- يوماً ما ، أدرك شاباً ما لم يكن لديه سوى عربة يد جائلة من هنا إلى هناك في بلدة ما تمتاز ببناياتها البيضاء الصغيرة وطرقاتها الملتوية العرجاء كائنةً في وسط دولة ما ، حاملة خضرواته وفاكهته التي إبتاع الكثير منها دونما سداد كافة أثمانها للحفاظ على أسرة دون أب تتكون من ثمانية أفراد ، أن الصراخ ما أضحت له من قيمة ، وأن الجسد ليس بمقدوره التعبير عن الرفض والتمرد بالرقص وحده ، وأنه لا يعلن عن تسلّطه بحركته فقط ، إنما في مقدوره التعبير عن كل شيء بفناءه على مَهل ، حتى يستحيل الصمت .. بل الصمت الأبدي إلى صرخة .. إلى أبلغ صرخة . حالما آمن بذاك راح ليبتاع عبوّة بنزين ، وقَف امام إحدى بنايات المسئولين ، سكَب البنزين على جسده ، وترَك جلده الذي أخذ في التآكل على مَهل يخبر الجميع بما تيسّر قوله من قبل ، وبما ما لم تعد هنالك من طرائق لقوله إلا تلك . ورّث هذا الحدث مزاجاً عاماً لم تنكسر حدّته ، أتبعته إنتفاضة ، فثورة . إنقلب كل شيء ، وهرَب الرأس الأكبر بالدولة . إنعطفت الموجة وهاجمت إحدى دول الجوار ، تنحّى رئيسها ، وإنقلب نظامها على رأسه . حازت جماعة ما الأغلبية ، وتقلّدت تاج السلطة . تُجرى قناة إذاعية ما حواراً مطوّلاً مع أحد المشايخ - المنتمين للجماعة والذي أصبح مسئولاً هاماً بالعصر الجديد بعد أن كان داعياً لا يعبأ بمثل تلك الأمور كثيراً - . يتدخّل مستمعاً ما - والذي بدا في غفلة من أمره - ليسائله : هل الإنتحار محرّم بكل أشكاله يا " شيخ " ؟ ، أصدر أحدهما صوتاً متحشرجاً بحنجرته قبل أن يجيب - الشيخ المسئول - في ثقة : الآية واضحة يا فندم : " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً " صدق الله العظيم .