بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله
( الجزء رقم :
- -ص 291- وقوله : وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ( الجزء رقم :
- -ص 292-
( الجزء رقم :
- -ص 291- الآية الثالثة : في العزة، وهي قوله : وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8].
هذه الآية نزلت في مقابلة قول المنافقين : لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [ المنافقون : 8]، يريدون أنهم الأعز، وأن رسول الله والمؤمنين الأذلون، فبين الله تعالى أنه لا عزة لهم، فضلا عن أن يكونوا هم الأعزون، وأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين .
ومقتضى قول المنافقين أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمؤمنين هم الذين يخرجون المنافقين؛ لأنهم أهل العزة، والمنافقون أهل الذلة، ولهذا كانوا يحسبون كل صيحة عليهم، وذلك لذلهم وهلعهم، وكانوا إذا لقوا الذين آمنوا، قالوا : آمنا، خوفا وجبنا، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا : إنا معكم، إنما نحن مستهزءون ! وهذا غاية الذل. أما المؤمنون، فكانوا أعزاء بدينهم، قال الله عنهم في مجادلة أهل الكتاب : فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [ آل عمران:64]، فيعلنونها صريحة، لا يخافون في الله لومة لائم.
وفي هذه الآية الكريمة إثبات العزة لله سبحانه وتعالى.
وذكر أهل العلم أن العزة تنقسم إلى ثلاثة أقسام : عزة القدر، وعزة القهر، وعزة الامتناع :
1- فعزة القدر : معناه أن الله تعالى ذو قدر عزيز، يعني : لا نظير له.
2- وعزة القهر : هي عزة الغلبة، يعني : أنه غالب كل شيء، قاهر كل شيء، ومنه قوله تعالى : فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ [ ص : 23]( الجزء رقم :
- -ص 292- يعني : غلبني في الخطاب. فالله سبحانه عزيز له بل هو غالب كل شيء.
3- وعزة الامتناع : وهي أن الله تعالى يمتنع أن يناله سوء أو نقص، فهو مأخوذ من القوة والصلابة، ومنه قولهم : أرض عزاز، يعني قوية شديدة.
هذه معاني العزة التي أثبتها الله تعالى لنفسه، وهي تدل على كمال قهره وسلطانه، وعلى كمال صفاته، وعلى تمام تنزهه عن النقص.
تدل على كمال قهره وسلطانه في عزة القهر.
وعلى تمام صفاته وكمالها وأنه لا مثيل لها في عزة القدر.
وعلى تمام تنزهه عن العيب والنقص في عزة الامتناع.
قوله : وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ، يعني : أن الرسول صلى الله عليه وسلم، له عزة، وللمؤمنين أيضا عزة وغلبة.
ولكن يجب أن نعلم أن العزة التي أثبتها الله لرسوله وللمؤمنين ليست كعزة الله، فإن عزة الرسول عليه الصلاة والمؤمنين قد يشوبها ذلة؛ لقوله تعالى : وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [ آل عمران : 123]، وقد يغلبون أحيانا لحكمة يريدها الله عز وجل، ففي أحد لم يحصل لهم تمام العزة؛ لأنهم غلبوا في النهاية لحكم عظيمة، وكذلك في حنين ولوا مدبرين، ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم، من اثني عشر ألفا إلا نحو مئة رجل. هذا أيضا فقد للعزة، لكنه مؤقت. أما عزة الله عز وجل، فلا يمكن أبدا أن تفقد.
وبهذا عرفنا أن العزة التي أثبتها الله لرسوله وللمؤمنين ليست كالعزة التي أثبتها لنفسه.
( الجزء رقم :
- -ص 293- وهذا أيضا يمكن أن يؤخذ من القاعدة العامة، وهي أنه : لا يلزم من اتفاق الاسمين أن يتماثل المسميان، ولا من اتفاق الصفتين أن يتماثل الموصوفان