إنَّ الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونعــوذُ باللهِ من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ...
أما بـــــــــعد:
السلام عليكم ورحمة الله
لو قال قائل: إنَّ الله حَرَّم الخمر لأنها تصد عن ذِكر الله وعن الصلاة، فيقول: أنا أشرب بعد الصلوات الخمس ليلاً، أو يقول: أنا اشرب ولا أسكر.
أو يقول: إنَّ الله حَرَّم الزنى لاختلاط الأنساب، وأنا سأزني بإمرأة عاقر، أو يقول: أنا رجل عاقر لا يُولَد لي.
فكيف يُجاب عن هذا؟
الجواب: إنَّ الله عز وجل لم يُحَرِّم الزنى لمجرد اختلاط الأنساب وإنما ذلك مِن حكمة النهي، وإنما العلة هي: إيلاج فَرْج في فَرْج مُحَرَّم، فمتى حصل الإيلاج فقد وَجَبَ الحد، وهو الجَلد إنْ كان بِكراً أو الرجم إنْ كان ثيباً، وكذلك الله جَعَل علة تحريم الخمر هي الإسكار، وقال صلى الله عليه وسلم: ((كُل مُسكِرٍ خَمْرٌ وكُل مُسْكِرٍ حرامٌ..)) [أخرجه مُسلم (ح2003)]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما أسكر كثيره فقليله حرام)) [أخرجه أبو داود (ح3681)، والترمذي (ح1865)]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَن شرب الخمر فاجلدوه...)) [أخرجه أبو داود (ح4482، 4483، 4484)، والترمذي (ح1444)]، وأيضاً إنه يدخل في حكمة التحريم مع الإسكار الضرر العائد على الإنسان.
وكذلك الحال بالنسبة للرُخَص، فإنَّ الله تعالى أجاز لنا رُخَصاً في السفر. فأجاز لنا الفِطر وأباح لنا القصر والجمع، ونحو ذلك. فإذا سافر الإنسان فله أنْ يأخذ بهذه الرُخَص.
فإذا قال إنسان: ما الحكمة في الترخص في السفر؟ نقول: المشقة، فيقول: إني أسافر بالطائرة مثلاً ولا أجد مشقة، فكيف يجوز لي الترخص؟
الجواب: إنَّ العلة الني مِن أجْلها أبيح الترخص ليست المشقة، وإنما هي وصفُ السفر، وعليه فالمسافر في طائرة له أنْ يُفطِر وإنْ كانت الطائرة مريحة والمسألة ميسورة سهلة، في حين أنَّ غيره قد يسافر بالسيارة دون مسافة القصر ومشقته أشد، ومع هذا لا يُباح له الترخص، لأنَّ الأحكام الشرعية تتعلق بالعلة وليس بالحكمة.
فالعلة: وصفُ ظاهرٌ منضبط يُشرَع الحُكم لأجله.
فلا بد أنْ تتحرر علة الأحكام فيما يُعقَل معناه، لأنَّ هناك أحكاماً لا تتعلل بحكمة يدركها العقل، وذلك ككون الطواف سبعاً وكون الظهر أربع رَكعات، فهذه لا تُدرَك لها علة عقلية حتى يُقاس عليها.
أما الحكمة: هي وصفٌ قد يظهر وقد لا يظهر، قد ينضبط وقد لا ينضبط.
فالعلة في وجوب الرجم أو الجلد إيلاج فَرْج في فَرْج مُحرَّم، وليست العلة اختلاط الأنساب أو التعدي على الحقوق أو حصول ذلك بغير رضا، وإنما هذه حِكَم قد تُلتَمَس.