اسماء مدير المنتدى
عدد المساهمات : 4125 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 17/07/2012 العمر : 29 الموقع : https://ibde3nawa3im.yoo7.com
| موضوع: الإمام المجاهد عبد الله بن ياسين الخميس يناير 31, 2013 11:30 am | |
|
الإمام المجاهد عبد الله بن ياسين لقد كان الشيخ عبد الله بن ياسين نبراسًا أحال ظلمات المغرب العربي بل والأمة الإسلامية في عصره نورًا وهدى، بقلب ملأ الإيمان شغافه، وعقل صافٍ، وفطنة وحنكة، أقام بها أساس دولة المرابطين، ورفع كلمة الله عز وجل في العالمين، وصار في دعوته إلى الله على نهج الأنبياء والمرسلين. نشأته ومراحل حياته: ولد عبد الله بن ياسين بن مكوك بن سير بن على الجزولي، في أوائل القرن الخامس الهجري في المغرب، وينسب إلى قبيلة جزولة، وهى إحدى القبائل الكثيرة العدد، وأصله من قرية "تماماناوت" في طرف صحراء غانا. درس على فقيه السوس وجاج بن زلوا، ورحل إلى الأندلس فى عهد ملوك الطوائف وأقام بها سبع سنين, واجتهد فى تحصيل العلوم الإسلامية, ثم أصبح مِن خيرة طلاب الفقيه وجاج بن زلوا، حتى جاء الحدث الأهم في حياة الشيخ عبد الله بن ياسين، والذي كتب به أولى فصول حفظه لشريعة الله ودعوته لها. فعندما طلب أبو عمران الفاسي من تلميذه وجاج ابن زلوا أن يرسل مع زعيم قبيلة جُدالة يحيى بن إبراهيم فقيهًا عالمًا دينًّا تقيًّا مربيًّا فاضلًا، قال وجاج لابن اخيه: (يا عمر، اذهب مع هذا السيد إلى الصحراء، فعلِّم القبائل دين الله ولك الثواب الجزيل والشكر الجميل، فأجابه. ثم جاء من الغد فقال: (دعني من الصحراء فإن أهلها جاهلية، وقد ألفوا ما نشأوا عليه)، وكان من طلبة الفقيه رجل اسمه عبد الله بن ياسين الجزولي فقال: (أيها الشيخ أرسلني معه والله المعين) [تاريخ الإسلام، الذهبي، (1/3235)]، فوافق الشيخ لتبدأ مسيرة الدعوة المباركة للشيخ عبد الله بن ياسين. بداية الرباط في سبيل الله: دخل عبدالله بن ياسين مع يحيى بن إبراهيم فى مضارب ومواطن ومساكن طائفة تدعى "المُلَثَّمين" من قبيلة جُدالة فى عام 430 هـ/ 1038م فاستقبله أهلها واستمعوا له، وأخذ يعلمهم، فكان تعليمه باللغة العربية لطلبة العلم، بينما كان الإرشاد الدينى للعامة بلهجة أهل الصحراء البربرية. لاقى عبد الله بن ياسين كثيرًا من الصعوبات، فقد وجد أكثر المُلَثَّمين لا يصلون ولا يعرفون من الإسلام إلا اسمه، وعمَّ الجهل عليهم، وانحرفوا عن معالم العقيدة الصحيحة وتلوثت أخلاقهم وأحكام دينهم، واصطدمت تعاليمه بمصالح الأمراء والأشراف، فثاروا عليه، وكادوا يقتلوه. فأشار الأمير المخلص والتلميذ الوفي يحيى بن إبراهيم على ابن ياسين أن يذهبوا إلى جزيرة فى حوض السنغال ليتربى الأتباع فيها ابتغاء مرضاة الله والدار الآخرة. وقال له: (إن الجزيرة إذا حسر البحر دخلنا إليها على أقدامنا وإذا امتلأ دخلنا فى الزوارق، وفيها الحلال المحض الذى لا تشك فيه من الشجر البري وصيد البر والبحر من أصناف الطير والوحوش والحوت) [دولة المرابطين في المغرب والأندلس، سعدون عباس، ص(21)]. أول الغيث قطرة: وهناك وفي شمال السنغال صنع خيمة بسيطة له وجلس فيها وحده، ثم بعث برسالة إلى أهل جُدالة في جنوب موريتانيا ـ تلك التي أخرجه أهلها منها ـ يخبرهم فيها بمكانه، فمن يريد أن يتعلم العلم فليأتني في هذا المكان، وهكذا سنة الله تمضي فهو القائل: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف: 110]، فهذا حال من سار من الدعاة والمصلحين على درب الأنبياء والمرسلين. وهنا يأتيه الفرج من الله تعالى، وتبدأ أول قطرات الإصلاح في الهطول، فهناك في جُدالة بعض ممن تحرَّكت قلوبهم وفطرتهم السويَّة لهذا الدين، وتاقت نفوسهم إليه، فنزلوا من جنوب موريتانيا إلى شمال السنغال، وجلسوا مع الشيخ عبد الله بن ياسين ولم يتجاوز عددهم في بادئ الأمر الخمسة نفر. ذاق الرجال معه حلاوة الدين، ثم شعروا أن من واجبهم أن يأتوا بمعارفهم وأقربائهم وذويهم، لينهلوا من هذا المعين، ويتذوقوا حلاوة ما تذوقوه، فذهبوا إلى جُدالة - وكانوا خمسة رجال - وقد رجع كل منهم برجل فأصبحوا عشرة، ثم زادوا إلى عشرين، وحين ضاقت عليهم الخيمة أقاموا خيمة ثانية فثالثة فرابعة، وبدأ العدد في ازدياد مستمر. ولما زاد العدد وكثر التلاميذ، أصبح من الصعب على الشيخ توصيل علمه إلى الجميع، فقسمهم إلى مجموعات صغيرة، وجعل على كل منها واحدًا من النابغين، مهتديًا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية، حين قسم الاثنين والسبعين رجلًا من أهل المدينة المنورة إلى اثني عشر قسمًا، وجعل على كل قسم خمسة نفر منهم نقيبًا عليهم، ثم أرسلهم مرة أخرى إلى المدينة المنورة حتى قامت للمسلمين دولتهم. جهاده في سبيل تحكيم شرع الله: ولما صار المرابطون ألفًا من الرجال، قال لهم الشيخ رحمه الله: (إن ألفًا لن تغلب من قلة، وقد تعيَّن علينا القيام بالحق والدعاء إليه، وحَمْل الكافة عليه فاخرجوا بنا لذلك) [تاريخ ابن خلدون، (6/182)]. وبدأت مرحلة طويلة من الجهاد في سبيل إعادة القبائل التي انتشرت فيها البدع والشركيات إلى جادة الصواب، حيث تحرَّكت جموعُ المرابطين أولًا صوب قبيلة جُدالة، حيث اشتبكوا معهم فى معركة شرسة وأوقعوا بهم الهزيمة، وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، وانقاد الباقون لأحكام الإسلام. ثم سار ابن ياسين إلى قبيلة لمتونة فقاتلهم وانتصر عليهم، ودخلوا فى طاعة ابن ياسين، وبايعوه على إقامة الكتاب والسنة، ثم مضى إلى قبيلة مسوفة التى دخلت تحت لوائه وبايعوه على ما بايعته قبائل جدالة ولمتونة، فلما شهدت قبائل صنهاجة هذه الأحداث بادرت إلى مبايعة ابن ياسين على بذل الطاعة له، وقلدتها كثير من القبائل الصحراوية فى ذلك. وكان جهاده رحمه الله جهادًا راقيًّا؛ فكان لا يكتفي بفتح البلاد ودخولها في طاعته، بل كان يسعى أن يعلم أهلها شرع الله عز وجل، ووضع ابن ياسين خطة شاملة تركَّزت على توزيع النابغين من تلاميذه على القبائل التى دخلت فى دعوته ليعلموها القرآن وشرائع الإسلام، وبدأ ابن ياسين فى بذر بذور دولة المرابطين على أسس شرعية ربَّانية. جهوده في توحيد بلاد المغرب: في عام 447هـ/ 1055م، اجتمع فقهاء سجلماسة ودرعة وكتبوا إلى ابن ياسين يُرغِّبونَه فى الوصول إليهم ليخلص بلادهم مما تعانيه من الحكام الطغاة الظلمة، كأمير زناتة المغراويين مسعود بن واندين، فجمع ابن ياسين شيوخ قومه وقرأ عليهم رسالة فقهاء سجلماسة، فأشاروا عليه بمدِّ يد المعونة لهم. فخرجت جموع المرابطين فى شهر صفر سنة 447هـ إلى بلاد درعة، فتصدى لهم الأمير مسعود بن واندين بالقتال، وانتهت المعركة بهزيمة المغراويين ومصرع مسعود وتشتت جيشه، وأسرع ابن ياسين بدخول سجلماسة، وأصلح أحوالها، وقدم عليها عاملًا من لمتونة وحامية مرابطية ثم عاد إلى الصحراء. فى ربيع الثَّانِى سنة 448هـ/ 1056م، سار ابن ياسين مع المرابطين صَوْبَ بلاد السوس، ومنها إلى مدينة أغمات، والتي دخلها المرابطون عام 449هـ/ 1057م، وأقاموا فيها ما يقرب الشهرين، وتحركوا حركات حربية مُحكَمة للقضاء على فلول المُغراويين، واستطاعوا قتل أمير أغمات. ثم سار مع المرابطين إلى أرض برغواطة، ونشبت بين المرابطين والبرغواطيين وقائع ومعارك حامية الوطيس أصيب فيها العالم الربانى والمقاتل الميدانى والفقيه الموجِّه ابن ياسين بجراح أودت بحياته إلى الشهادة، نحسبه كذلك ولا نُزكِّى على الله أحدًا. منهجه التربوي: وكان الشيخ عبد الله بن ياسين يربي تلامذته ويجتهد في تعليمهم الإسلام من كل جوانبه، وكان يكثر من تعليمهم أنه إذا ما تعارض شيء مع القرآن أو السنة فلا ينظر إليه، وأنه لا بدّ من المحافظة على هذه الأصول، فالقرآن الكريم والسنة المطهرّة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام، وصدق قول يحيى بن إبراهيم حين قال عنه وهو يعرفه على قومه: (هذا حامل سنة الرسول عليه السلام) [تاريخ الإسلام، الذهبي، (1/3235)]. ومنذ أن كان في خيمته بجُدالة، وبمنتهى الصبر والأناة الشديدين أخذ الشيخ عبد الله بن ياسين يعلِّم تلامذته الإسلام كما أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وكيف أن الإسلام نظام شامل متكامل ينتظم كل أمور الحياة، وبدأ يعلمهم العقيدة الصحيحة، والجهاد في سبيل الله، وكيف يركبون الخيل ويحملون السيوف، وكيف يعتمدون على أنفسهم في مطعمهم ومشربهم، وكيف ينزلون إلى الغابات فيصطادون الصيد ويأتون به إلى الخيمة يطبخونه ويأكلونه ولا يستجدون طعامهم ممن حولهم من الناس. استشهاده رحمه الله: وأثناء جهاده لقبائل برغواطة عام 451هـ، أصيب الشيخ الجليل والعالم الفاضل والمربي العظيم عبد الله بن ياسين، وحُمِل على إثر تلك الجراح إلى مقرِّ القيادة فى معسكر المرابطين، وقبل خروج روحه جمع رؤساء وشيوخ المرابطين وحثَّهم على الثبات فى القتال، وحذَّرهم من عواقب التفرقة والتحاسد فى طلب الرياسة، ولم يلبث أن فارق الحياة، فعلى أمثال هؤلاء الرحمة والمغفرة والرضوان من الرحيم الواحد المنان. | |
|