سميرة ، ماذا لو لم استطع شراء كبش العيد لهذه السنة؟
مستحيل ، لن ابقى عندك ثانية واحدة ،سأذهب عند أهلي ،أمضي العيد معهم و أنت ارحل حيث شئت و اقض عيدك مع أمك ،عمتك ، صاحبك ،لا يهمني، لكنني لن أمضي يوم العيد من دون كبش ، تدبر أمرك مثل الرجال ...ألست رجلا ؟ اقترض ، اسرق ، لا يهمني ، أريد كبشي ككل النساء و الا سأغادر .
يضحك عبود من تخيل هذا السيناريو بينه و بين زوجته حين سيخبرها أن الكباش هذه السنة باهضة جدا و كما قال أبوه : اذا غلى الشيئ صار حراما .
هو يعرف أنها لن تتفوه بهذه الترهات ، ليست هي أبدا من أولئك النسوة اللاتي يعذبن ضمائر أزواجهن ،حتى يقتلنهم ،فيصبح عبدا لها، يفعل ما تأمر، بغير رجعة الى عقل أو ضمير ،لكنه يعرف ان الامر سيحزنها ،و ان لم تبد له ذلك ،فقد أخبرته و هي الفقيرة في أهلها أنها لم تمض عيدا بحياتها كلها من غير كبش، فكيف سيخبرها أنه عاجز عن اقتناء واحد ،صغير، ضعيف ،بعد ان صار ثمنه يساوي راتبيه الشهريين و أزيد .
دخل البيت مهموما ،منكوش الشعر، لا يعرف كيف ينطق من غير احراج نفسه، و ابداء ضعفه ،و كيف يواسيها ،و يصبرها على اول ابتلاء لها، فراح يجس نبضها عن بعد:
- سميرة ، ماذا لو لم استطع اقتناء كبش العيد؟
- اعمل جهدك يا حبيبي ،و لن يكون الا خيرا، فان لم توفق ،فاشتر لحما كما يفعل الكثيرون ،فانه سيحز في نفسي رؤية الكل يذبحون ،و يشوون ،و يأكلون ،و نحن و الاولاد نتناول العدس في مثل ذاك اليوم.
. أتقصدين أن أشتري خروفا مذبوحا سلفا ؟
.أجل ، الفقراء يفعلون هذا ، المهم ان نقطع شهوة اللحم عنا ،كي لا يشعر الاولاد بالحرمان ،و انت تدرك حبي للحم فان لم تأتني به ذبحتك بدلا عن الكبش و أكلت كبدك كما فعلت هند بنت أبي عتبة ههههه.
شعر عبود ببعض الاطمئنان حين رأى سن زوجته الضاحك فتمادى و قال :
-.و ماذا لو لم استطع شراء الكبش المذبوح ،فهي غالية جدا ، التجار يعرفون ان أغلب ناس صاروا عاجزين عن شراء كباش للعيد، فيلجئون الى مثل هذه الحيلة و هم طبعا أكثر تحيلا منهم ،فيغبنون الناس في اقتنائها .
- ان كنت في ضائقة مالية أعطيك سوارا ذهبيا من أسورتي ،تبيعه و تستعين بماله لاقتناء كبش للاولاد، فانه سيؤلمني رؤيتهم منكسري الخاطر بينما غيرهم سعداء
- لا حبيبتي ،لن اقترب من أساورك من اجل هذا ،و انما... سمعت أن اللحم المجمد طيب الطعم ،و صالح للاكل، و زهيد الثمن ،فما رأيك به للعيد ؟
-هل تقترح كبش عيد مجمد ؟ههههههه
استرسلت سميرة في ضحك لا متناهي حتى احمر وجهها ،و انقطعت انفاسها ،و رأت رسم زوجها يتبدل ،فخافت غضبه، و كفّت .
-لست اضحك منك يا حبيبي ،و لكني تخيلت أن نجلب كبش العيد مجمدا في كيس ، ثم نستعين بمسجل صوت لكبش يبعبع ،فنشغله طول الليل لخداع الجيران .
امتزج بعض الخجل و الكثير من الضحك في قلب عبّود، فلم يتمالك نفسه هو الاخر، و انفجر ضاحكا .
-تصرف كما تراه مناسبا يا حبيبي، فأنت أدرى بما هو خير لنا ،و لا أمانع أبدا ان اشتريت لنا بعض كبش ،و ليس كله ،المهم أن يشبع أولادك لحما في ذلك اليوم و ما يليه ،فان لم يكلف الله نفسا الا وسعها أتظنني أتجبر ،و أستعلي ،فأكلفك فوق ما تطيق ؟.
زالت غمائم الحزن و الغم من على قلب عبّود ،و سرّ بزوجته ،و حمد الله كثيرا على أن منّ عليه بها بينما يتخبط غيره في الحياة لا يعرف كيف السبيل الى ارضائها حتى بات و ليس في قلبه مثقال ذرة شك أن كل النساء في الشر و الخبث سواء بسواء .