*لماذا اختار كلمة صاحبة في قوله تعالى (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) الجن)؟ وهل كل امرأة تعد صاحبة؟(د.حسام النعيمى)
القاعدة
العامة التي نجدها في القرآن الكريم أن القرآن الكريم عندما يذكر الصاحبة
يذكر معها الولد. الآيات: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى
يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ
وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) الأنعام) (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) الجن)
(يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ
يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) المعارج)
(وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) عبس) لم يرد إلا في هذه المواطن الأربعة
صاحبة. لما يقول صاحبة يذكر معها الولد فكأنما هذا الاستعمال يشير إلى أن
الزوجة التي تسمى صاحبة ينبغي أن تكون قد صحبته مدة بحيث حصل منها ولد حتى
تسمى صاحبة لأن مجرد الزواج الزوجة قد لا تكون صاحبة أصلاً يعني يعقد عليها
ثم لا يدخل بها ولا يراها ويطلقها. لأنه بمجرد العقد هي زوجة. فالزوجة قد
تكون صاحبة وقد لا تكون. مع ملاحظة أن القرآن الكريم لم يستعمل لفظ زوجة
بالتاء بتاتاً وإنما استعمل كلمة زوج. والزوج هو أحد شيئين. نحن نقول
دائماً نظرية ابن جنّي في الاشتقاق الكبير التي لا توجد في لغة أخرى مسألة
التقليب ارتباط المعنى العام. فلما نقول الفقه حُسن الإدراك لأن عندنا فهق
الإناء إذا امتلأ وفاض فالفقيه يمتليء بالعلم ويفيض على الآخرين. فهنا
الزوج عندنا زوج وجوز: الجوزة تتكون عادة من فلقتين، هاتان الفلقتان تشكلان
جوز. الزوج والزوج كلاهما يشكلان زوجاً والعرب صارت تستعمل الزوج للواحد
من الإثنين المتلازمين وتستعمل الزوج لهما. تقول عندي زوجا حمام وتريد
ذكراً وأنثى وتقول عندي زوج حمام. طبعاً القرآن استعمل الصورة الأولى
استعمل كلمة زوج للمفرد الذي يكون معه نظيره (في سورة الأنعام ذكر ثمانية
أزواج (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ
اثْنَيْنِ) (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ)
يحسبها تكون ثمانية أفراد ملتصقة ببعضها: من الضأن اثنين ومن المعز
اثنين.ومن البقر اثنين ومن الإبل اثنين) ذكر أربعة أجناس وقال ثمانية
أزواج. هي زوجه وهو زوجها والقرآن استعمل بهذه الصيغة واستعمل كلمة زوج
للمذكر والمؤنث (وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ
الْجَنَّةَ) هنا المرأة و(فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ
بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) رجل. فالمرأة زوج والرجل زوج.
كلمة زوج وأزواج استعمل معها الذرية والأبناء والبنين والحفدة إذن كلمة زوج
أشمل من كلمة صاحبة. الزوج قد تكون منجبة وقد لا تكون وقد تكون مصاحبة وقد
لا تكون تطول صحبتها وتقصر بينما إذا أراد أن يذكر المرأة الزوج التي لها
إنجاب بذكر الولد يقول صاحبة وولد يذكرها وهي في القرآن كله في أربع آيات
في أماكن متفرقة ونقول هذا من دلائل النبوة وليس كلام بشر وإنما كلام الله
سبحانه وتعالى.
(وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) الجن)
السفه هو خفة العقل والجهل والشطط هو مجاوزة الحد. خفة العقل يعني ليس عميق المعرفة.
*ما دلالة تركيب الآية ولماذا لم يقل وأن سفيهنا كان يقول على الله شططا؟
أولاً
نسبة الصاحبة والولد إلى الله غاية الشطط والسفه يبقى السؤال عن تركيب
الآية التعبير القرآني أدل على عظم القول مما ذكرته. الأولى أنه جاء ضمير
الشأن في (وأنه) أقوى من (أن) ضمير الشأن يؤتى به في مواطن التفخيم والتعظيم، هذا أمر والأمر الآخر في الضمير المستتر في (كان) فيها ضمير الشأن (كان يقول سفيهنا)
ضمير شأن مستتر، أين إسم كان؟ ضمير مستتر، هذا ضمير الشأن. قد يُعتقد أن
سفيهنا إسم كان متأخر ويقول خبر كان متقدم باعتبار خبر كان يتقدم لكن هذا
التخريج ممنوع في النحو. لو قلنا بهذا أن سفيهنا إسم كان ويقول خبرها نلاحظ
الآية سفيهنا إسم كان معمول لكان ويقول خبرها يعني الآن صار خبرها واسمها (على الله شططا) معمول (يقول)، سفيهنا وقعت في الوسط هذا بين العامل والمعمول لأن سفيهنا معمول (كان)،
إذن فصلت بين العامل والمعمول بأجنبي وهذا لا يجوز إما ممنوع أو ضعيف
قطعاً. والتخريج يكون أن إسم كان مضير الشأن مستتر تقديره هو لا يعود على
سفيهنا وإنما يفسر بجملة، ضمير الشأن لا يعود على شيء معين وإنما يفسر
بجملة. إذن صار في الآية ضميري شأن يعني صار التفخيم مضاعفاً بينما لو قلنا
إن سفيهنا كان يقول ليس فيها ضمير شأن.
* يمكن أن نقول وأنه كان سفيهنا يقول على الله شططا؟
سفيهنا إسم كان والآية يكون فيها ضمير شأن واحد والآية أقوى لأن فيها ضميري شأن.
*هل يمكن أن نقول: وأنه كان على الله يقول سفيهنا شططا؟
هذا
التعبير فيه نظر, قدم الجار والمجرور وهذا يفيد التخصيص يعني يقول على
الله لا يقول على غيره شططا، هو سفيه هل يقول على الله شططا فقط؟ السفيه
يقول شططاً على الله وعلى غيره.
* إذن وضع الجار والمجرور في الآية الكريمة هكذا مكانه (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4))؟
يقول
على الله ويقول على غيره قطعاً لا يحصر الشطط على الله تعالى فقط. اجتمع
في هذا التعبير من أوصاف السوء الكثير أولاً القائل سفيه ثم أضاف السفيه
إلى ضمير المتكلمين أن هذا الشخص معروف بالسفه ومشهور به ثم ضمير الشأن
المتصل بـ (إن) وضمير الشأن المستتر بـ (كان)
ثم هذا السفيه كان يقول يفيد الاستمرار بالقول ولم يقله مرة واحدة، في
مجتمعهم كان هذا القول يكرر بينهم، إذا وقع فعل المضارع الذي يفيد التجدد
والاستمرار خبر كان يسمونه استمرار أو اعتياد. ليس هذا فقط وإنما جاء
بالمصدر (شططا)
والشطط مصدر يعني جعل القول هو شطط بعينه وهذا أقوى إذن في هذه العبارة
أكثر من ستة مبالغات: ضمير الشأن وسفيهنا وكان يقول للإستمرار وشططاً
التعبير بالمصدر.
*كم عام وأنت مع القرآن الكريم في لمساته البيانية؟
لا
أدري متى بدأت، في الخمسينات كنت أقرأ فيما كتبه السابقون بينما بداية
النظر التأليف فبعد الانتهاء من الدراسة الجامعية وكنت أقرأ وأرى في كثير
من الأقوال التكلف في التخريج في التفسير وأرى لو قيل الكلام بصورة أخرى
يمكن أن يجدوا له تبريراً آخر فقررت أن أدرس دراسة فاحصة وبدأت القرآءة في
الخمسينات. يجب أن يكون عندك معرفة أولية حتى تفهم ما يقوله المفسرون.
استطراد من المقدم:
في كل حلقة يزداد إعجابي الشخصي بكم وبعلمكم ونبدأ في أن نلتفت إلى نحونا
العربي ونفهمه جيداً لنكون قادرين على التعاطي والتعامل مع آي القرآن
الكريم ومن هنا نبدأ بفهم تراكيب اللغة وجمل اللغة ودلالات مفردات اللغة
وأحرف اللغة والموضوع ليس بالهين لكن على الجانب الآخر ليس مطلوباً من كل
مسلم أن يعلم هذا العلم وإنما يستمع لنا.
آية (5):
(وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5))
*تقديم الإنس على الجن في هذه الآية ما فحواه؟
الآية الكريمة (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) قدّم الإنس لأن هذا طبعاً كلام الجن لأنهم ذكروا سيئات الجن ومعاصيهم ما لم يذكروه في الإنس كما في قوله تعالى (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)) وقوله (وَأَنَّهُ
كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ
فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)) (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ
ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)) (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ
وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا
(14)) فقدّم الإنس على الجن باعتبار يرونهم
أبعد عن الكذب لأنهم ذكروا من معاصي الجن الكثير ولم يذكروا شيئاً عن معاصي
الإنس فكأن هؤلاء أبعد عن الكذب وأنأى عن الكذب وربما أنهم كانوا يحسنون
الظن بالإنس هذا احتمال لأن عالم الإنس غير عالم الجن يعلمون أن في جماعتهم
الصالح والطالح ودون ذلك وكانوا يرون في الإنس مظنّة الصدق على الله كما
أن الإنس أيضاً يرون في الجن مظنة الصدق الكهنة كانوا يحسنون القول فيما
يلقيه لهم الجن ويصدقونهم فيما يقولون. عالم غير عالمهم هم يرون في عالمهم
الشرور والكذب ويطنون الإنس أفضل منهم فقدّم الإنس على الجن.
*قال
تعالى (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى
اللَّهِ كَذِبًا) نكّر كلمة كذباً مع أن القرآن الكريم استخدمها معرفة كما
في سورة يونس (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ
لاَ يُفْلِحُونَ (69)) وآل عمران (فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ
مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94)) ما دلالة تنكير
الكذب أو تعريفه؟
نكّر
الكذب ليشمل كل كذب عام لأن المعرفة ما دلّ على شيء معين. الكذب يقصد
شيئاً معيناً بأمر معين (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ
الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (69) يونس) هنالك أمر في السياق يقصده فذكر
الكذب، فلما يقول الكذب فهو كذب عن أمر معين بالذات مذكور في السياق أما
عندما يقول كذب فيشمل كل كذب مثل قوله تعالى (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ
حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى
نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ
بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَىَ
عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ (94) آل عمران) الكلام عن الطعام، أمر معين، هو حرّم على
نفسه وكذب على الله وقال حرّم كذا قال فاتوا بالتوراة في هذه المسألة مسألة
الطعام فقال (فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ) لأن الكذب في
مسألة معينة محددة. (قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ
الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم
مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
(68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ
يُفْلِحُونَ (69) يونس) إذن هذا الكذب معرّف لأنه في مسألة معينة. (مَا
جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ
وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ
وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (103) المائدة) يتعلق بهذه الذبائح، هذا
التعريف.
التنكير:
(وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ
يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ
يُحَافِظُونَ (92) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا
(93) الأنعام) ليس هنالك مسألة معينة ذكرها فهذه عامة، كذب يشمل كل كذب
وليس الكذب في مسألة معينة (قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ
عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن
قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى
اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ
الْمُجْرِمُونَ (17) يونس) لم يذكر مسألة معينة حصل كذب فيها (فَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ
إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) يونس) الكذب عام. (أَمْ
يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ
عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ
بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24) الشورى) لم يقل ما
هو الشيء. (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا
نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) المؤمنون) إذن التنكير في اللغة يفيد
العموم والشمول. في الآية (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا)
في أي شيء لا في مسألة معينة لا يكذبون على الله أبداً كما يظنون، كان
ظنهم هكذا فإذن نكّر كذب ليشمل كل كذب وليس هنالك أمراً معيناً.
*ما
دلالة الصيغة (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ
عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) إذا قلنا وأنا لم نظن فما الفرق بين ما ظننت أن
يفعل وظننت ألا يفعل؟
هم ظنوا وهو أثبت الظن وأكد الظن. فرق بين أن تقول (ظننت أنه لا يفعل) هو حصل الظن أثبت الظن، (ما ظننت) نفيت الظن، (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا)
هم ظنوا ذلك. مثلاً (ما علمت أنه مسافر) لم تعلم، (علمت أنه غير مسافر)
علمت، إذن واحدة نفي العلم وواحدة إثبات العلم والأقوى إثبات العلم. إذا
قال وأنا لن نظن نفى عنهم الظن لكن هذه الصيغة آكد لأنها إثبات للظن. (ما
علمت أنه قادم) ليس لدي علم، (عملت أنه غير قادم) لدي علم بأنه غير قادم،
أيها الأقوى؟ علمت أنه غير قادم أقوى. (ما سمعت أنه ناجح) و(سمعت أنه غير
ناجح) هذا أثبت عدم النجاح. واحدة إثبات وواحدة نفي الظن وهؤلاء أثبتوا
ظنهم بالإنس والجن. (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) أثبت لهم حسن الظن وإذا قال وأنا لن نظن فهي نفي (أنا ظننا) أقوى وهذه الآية (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا)
ذكر فيها أبعد حالات الكذب على الله أولاً قال (إنا ظننا) ولم نقل إنا لم
نظن، والآخر نفى بـ (لن) المؤكدة (لن) تفيد توكيد نفي المستقبل وليس فقط
نفي المستقبل، ثم قال (على الله) لأنه أبعد من أن يُكذب عليه يمكن أن يكذب
أحدهم على شخص لكن لا يمكن أن يكذب على الله، إذا كذبت على شخص وقعت في
معصية فكيف إذا كذبت على الله؟ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى
اللَّهِ كَذِبًا (68) العنكبوت)، ثم نكر كذب ليشمل كل أنواع الكذب ثم وصف
بالمصدر (كذب) ولم يقل مكذوباً أو مكذوباً فيه والتعبير بالمصدر أقوى من
حيث الدلالة والتعبير. فإذن ذكر كل حالات البعد عن الكذب عن الله سبحانه
وتعالى.
آية (6):
(وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6))
*في
قوله تعالى (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ
مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)) ما معنى الرهق؟
الرهق هو غشيان المحارم، إرتكاب المحرمات والمآثم وتأتي بمعنى الذِلّة وليس مجرد التعب.
المعنى إذن أن الإنس استعاذتهم بالجن زادوهم كِبراً وكفراً وضلالاً.
والعرب يقولون كانوا إذا أمسى المساء في وادي قفر واضطروا إلى أن يبيتوا في
القفر (القفر صحراء ليس فيها زرع) خاف على نفسه فكان يقول أعوذ بسيد هذا
الوادي من سفهاء قومه يقصد الجنّ كانوا يرون أن الجن منتشرون في الأرض وهو
يخاف أن يمسه من الجن شيء فكان يقول أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه
يلجأ لسيد الجن حتى يمنعه من سفهاء الجن. (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ)
يعوذون بمعنى يستعينون بهه ويلجأون إليهم فهم كانوا يحتمون بهم. كيف
زادوهم رهقاً؟ أولاً من الذي زاد رهقاً؟ الجن أم الإنس زادوا رهقاً؟ كانوا
يستعيذون في بعض مسائلهم إذا خشوا على أنفسهم من الجن والجن إذا سمعوا ذلك
استكبروا وقالوا سُدنا الجن والإنس هذا من الرهق استكبروا وعتوا، إذن الجن
هم الذين زادوا رهقاً .واحتمال آخر أن الجن زادوا الإنس رهقاً بقوا
يستعيذون بهم وهذا ضلال فبإغوائهم واستعاذتهم بهم زادوا إثماً وضلالاً إذن
فيها احتمالين والإحتمالان قائمان ولذلك لم يذكر من الذي زاد، زاد فعل
والواو فاعل والضمير (هم) يعود على الجن والإنس معاً لأن الإنس ازدادوا
رهقاً بغشيانهم للمحارم واستعاذتهم بالجن وما إلى ذلك وغواية وضلالاً
وأولئك زادوا كبراً وقالوا سُدنا الجن والإنس فكلاهما ولذلك لم يذكر يعود
الضمير على من ليشمل كليهما الإنس والجن، الجن ازدادوا رهقاً وعتواً
وتجبراً والإنس زادوا ضلالاً وغواية وهذا من قبيل التوسع في المعنى لأنه
يريد المعنى إذن كلاهما وارد كون الإنس يستعيذون بالجن هذا ضلال وأولئك
يزدادون كِبراً وتجبراً ويرهقونهم أيضاً.
*الآية يستدل بها من كثير من المسليمن أن الإنس يحضر الجن والجن يطلب منه طلبات؟
يقال
أن الجن يطلب طلبات والإنس يطلب طلبات. (وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا
يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ
أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ
وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا (128) الأنعام) كلها
غواية، الإنس يزداد غواية وضلال والجن يزداد غواية وضلال ولذلك لم يقل
فأرهقوهم، هو قال فزادوهم رهقاً إذن الرهق موجود فكلما يستعيذ به يزداد
والاستعاذة بحد ذاتها رهق فكلما استعاذ يزداد ضلالاً على ضلال لم يقل
فأرهقوهم وإنما قال فزادوهم رهقاً.
*(وَأَنَّهُ
كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنّ) أخّر
الفعل يعوذون عن (كان) وفي آية قبلها (وأنه كان يقول سفيهنا)؟ ألصق يقول بـ
(كان) فلماذا؟
ذكرنا في الآية السابقة (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4))
قلنا فيها ضميران للشأن (أنه) واحد وفي (كان) هي ضمير الشأن (كان سفيهنا
يقول) وضمير الشأن يفيد التفخيم والتعظيم هذا حكم عام. إذن هناك بينا سبب
الصيغة والآن نأتي إلى الآية: إذن ضمير الشأن يفيد التفخيم والتعظيم وكلما
كانت ضمائر الشأن أكثر كلما كانت المسألة أهم. عندنا الآن مسألتين المسألة
الأولى (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا) كان يقول اتخذ صاحبة وولداً (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)) فرد عليهم (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنّ).
أيها الأكبر الشِرك أم هذه المسألة؟ الشِرك أكبر وقولهم اتخذ الله صاحبة
وولداً أكبر من هذه المسألة إذن هما ليسا بمرتبة واحدة لو قال (وأنه كان
يعوذ) سيصير مرتبة واحد ويصير فيها ضميران للشأن وهما ليسا بمنزلة واحدة
قطعاً لأن ذاك شرك واتخذا صاحبة وولداً، الشرك أكبر من هذا ولذلك في
الميزان البياني لم يساوي بينهما في المرتبة اللغوية من حيث الدلالة لأن
المسألة مختلفة من حيث العقيدة.
إذن
القرآن لا يوظّف الكلمة إلا في مكانها الصحيح، ميزان دقيق في البيان
والدلالة، ما يحتاج التأكيد يؤكد بمؤكد أو اثنين أو ثلاثة وما لا يحتاج لا
يؤكده.
ثم قال (يعوذون) فجاء بالفعل المضارع الذي يفيد التجدد ولم يقل عاذوا أو استعاذوا أو كانوا قد عاذوا والمضارع فيه تجدد وخاصة لما يأتي بعد (كان)، الفعل المضارع بعد (كان)
يدل على الاستمرار، (كان يفعل) يدل على الاستمرار فمعنى أنه كان يعني تجدد
ازداد الرهق لأنه لما كان الاستمرار في الاستعاذة صار الزيادة في الرهق،
هذا يستمر والرهق يستمر.
آية (7):
(وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7))
فكرة عامة عن الآية: هذا التعبير يحتمل أن يكون كلام الجن، كان قبلها الإنس والجن (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5))
فمحتمل أن يكون هذا كلام الجن يخاطبون قومهم أن الإنس يظنون كما تظنون
أنتم قسم منهم ينكر اليوم الآخر واحتمال أن يكون هذا مما أوحى الله به يقول
لكفرة قريش أن الجن يظنون كما تظنون أنتم، أنه مما قاله الجن أنهم الجن
ظنوا كما تظنون أنتم أيها الكفار أن لن يبعث الله أحداً وهذا إنكار اليوم
الآخر وقسم قال إنكار النبوات والرسل لكن يبدو أن إنكار اليوم الآخر أرجح
لأنه قال (أن لن) و(لن) للمستقبل، كان قال لم يبعث ولن يبعث هذا للستبقين
أنكرها، ألن يبعث هذا استقبال. ألن يبعث يعني بالمستقبل هذا هو الراجح
إنكار للبعث والنشور من أساسه. هم أنكروا هذا اليوم وأنكروا إرسال الرسل.
الجن قالوا سمعنا كتاباً من بعد موسى ولذلك الراجح أنه إنكار البعث. لكن
الآية تحتمل أن كلاهما قال الإنس والجن.
* هل ورد التنازع في القرآن الكريم؟
ورد
التنازع في القرآن الكريم في أكثر من موضع ومن ذلك قوله تعالى (هَاؤُمُ
اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) الحاقة) هاؤم هذا اسم فعل بمعنى هاتوا، اقرأوا
فعل أمر، كتابيه، هاؤم اقرأوا كتابيه، تنازعوا الكتاب، هاؤم اقرأوا الكتاب
هاتوا الكتاب واقرأوه وإسم الفعل يعمل عمل الفعل. (آتُونِي أُفْرِغْ
عَلَيْهِ قِطْرًا (96) الكهف) قطراً مفعول به هل هو للفعل آتوني أو الفعل
أُفرغ؟ النحاة يجيزون أي واحد منهم لكن الإختلاف فقط في الترجيح فعند
الكوفيين الأول هو الأولى في الإعمال وعند البصريين البصريين الثاني هو
أولى بالإعمال وعند الفرّاء كلاهما يعملان معاً. عند النحاة كلاهما جائز
لكن هناك مرجحات وكل واحد يحتج فالأول يقول الأول هو أولى باعتبار سابق
والبصريين يقولون الثاني لأنه أقرب ولو كان الأول لكان هناك فاصل بين
العامل والمعمول ولو كان كذلك لقال ربنا آتوني أفرغه عليه قطراً لأنه إذا
أعملنا الأول يجب أن نضمر في الثاني وفيها كلام طويل لكنهما متفقان على أنه
يجوز. في المعنى هو يعمل للإثنين لكن في الإعراب عند الكوفيين الأول هو
الأولى وعند البصريين الثاني هو الأولى وعند الفراء يقول سيان. أكثر من
عامل يشترك في معمول واحد وبدل أن يكرر جملة المعمولات (تسبحون ويحمدون
وتكبرون الله ثلاثاً وثلاثين بدل أن يقول تسبحون الله وتحمجون الله وتكبرون
الله فيجمعها كلها ويأتي بمعمول واحد لها يصلح لها جميعاً.، (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) الجن) خارج القرآن يقال أنهم ظنوا أن لا يبعث الله أحداً كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً.
آية (-(9):
(وَأَنَّا
لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا
( وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن
يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9))
*ما معنى لمسنا السماء؟
إلتمس
معناها طلب، ألتمس كذا ولمس أيضاً معناها طلب في اللغة. لمس هو الفعل
الثلاثي والتمس هو مزيد زيادة في الطلب مثل جهد واجتهد. لمسنا السماء أي
طلبنا واستماع كلام أهلها وليس المعنى الحسي للمس. لمسنا يعني طلبنا وأردنا
ذاك المزيد وهذا المجرّد، لمسنا السماء أي طلبنا الاستماع لما فيها، هم في
واقع الأمر لم يصلوا إلى السماء هو قال (فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9)) يعني
هم كانوا يستمعون والآن مُنِعوا، إذن طلبنا السماء والاستماع إلى أهلها
فوجدناها ملئت حرساً شديداً ملائكة مكلفين بحفظها ومملوءة بالحرس الشديد
ومملوءة بالشهب، كانوا يستمعون (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9)) يجد له مخصصاً شهاباً رصداً لم يقل فمن يستمع الآن يجد شهاباً وإنما يجد له.
رَصَد يعني معدّ له ليرجمه لأنه محتمل كلمة رصد تكون بمعنى إسم فاعل أي
شهاب راصد يعني يرقبه ومحتمل بمعنى إسم المفعول. رصد يرصد رَصْداً، رَصَد
بفتح الصاد (فَعَل) لها عدة دلالات بمعنى إسم المفعول مثل السلب بمعنى
المسلوب أو الهَمَل بمعنى مهمل، همل من أوزان إسم المفعول، قنص ويقنص هذه
من أوزان إسم المفعول. شهاباً رصداً أي معداً له أرصد له ليرجُمه ويحتمل أن
يكون بمعنى إسم فاعل يعني راصداً له فيحرقه إذن المعنى من يروم استراق
السمع يجد له شهاباً مرصداً له معداً له لا يتخطاه، يجد له يعني لن يفلت
منه أحد.
*بعض
آيات سورة الصافات تناولت نفس الموقف تحديداً لكنه قال فيها (إِلَّا مَنْ
خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)) ما قال هذا الموقف
في سورة الجن مع أن الموقفين متشابهين؟
لو
نقرأ آيات الصافات تبين لنا (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا
بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)
لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ
جَانِبٍ ( دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ
الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)) الفرق هو ذكر في سورة الجن
من الحراسة ما هو أشد، قال (مُلِئَتْ) ولم يقلها في الصافات ثم قال (مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا)
وفي الصافات لم يذكر أن فيها حرساً وإنما قال (وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ
شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)) ليس فيها ذكر للحرس وفي الجن ذكر الحرس الشديد وذكر
أنها ملئت بالشهب وفي الصافات قال (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ
الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ
مَارِدٍ (7)) لم يقل أنها ملئت بالشهب أو الحرس الشديد ثم ذكر أنه أُعِدّ
لكل من أراد الاستماع تحديداً شهاباً ولم يقل ذلك في الصافات، يعني يتعذر
في مثل هذا أن يصير حطفة وهناك لا يتعذر (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ
فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) وفي الجن لا يستطيع لأنه يجد له شهاباً. خطف
يعني استمع خبراً فخطفه وهرب.
*(يجد له) يجد له بالذات. يجد له هل توحي بأنه دُمِّر من قبل الشهاب؟
يتبعه
يحرقه، في الجن منع أن يقترب لكن هناك خطف ونزل وأتبعه شهاب. في الصافات
قال (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) هذا على العموم، في الجيش عندما
يهاجم يقذف لكن ليس بالضرورة القذف يصيب كل جندي في المواجهة، ترمى عليه
السهام هكذا لكن ليس بالضرورة أن كل أفراد الجيش سيصابون. هنا المسألأة
مختلفة، هنا لا يكفي وإنما يجد له على سبيل الخصوص (فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9)).
*مداخلة مع د.أحمد الكبيسى :
في
سورة الملك (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ
وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ﴿5﴾ الملك) وفي سورة الجن (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا ﴿8﴾ الجن)
نص القرآن الكريم في سورة الملك على أنها السماء الدنيا التي ملئت حرساً
شديداً يعني بالمعنى فإذاً لو كانوا رواد الفضاء قادرين على اجتياز السماء
الدنيا فإنهم لن يتأثروا بوسوسة الشياطين لأن الشياطين أو الجن لن يجتازوا
السماء الدنيا إلى السماء الثانية.
الإجابة:
أحسنت، رب العالمين يقول (فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ
﴿33﴾ الرحمن) الشياطين وسوسة وأوهام وإيحاءات باطلة هذا الذي طلع على
القمر وطبعاً القمر ليس سماء القمر أرض لكن حتى لو وصل إلى السماء بالعلم
هو السلطان (فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) أي سلطان
العلم وليس سلطان الوساوس والشياطين وكلامك صحيح.