إمتحان الحب
نزلت السلالم مسرعة تقفز درجتين أو ثلاث بدل الواحدة ، وهي تطير كالفراشة...ألقت نظرة أخيرة على وجهها و هندامها ، رتبت ملابسها و أضافت بخات أخرى من عطرها....أخيرا و صلت إلى طرف الشارع حيث ستراه ...ذلك الرجل الوسيم الأنيق الذي تعودت - و منذ شهر تقريبا – أن تجده بانتظارها بكل لهفة ،فيرمقها بنظراته الحنونة ، ثم يلاحقها بخطواته الخفيفة الواثقة من منزلها حتى مكان عملها ، وفي المساء تجده أمام مكان عملها ليوصلها إلى المنزل بنفس الخطوات دون أن ينبس ببنت شفة.... لم تعد تتخيل أنه سيمر يوم واحد دون أن تجده ، فهو دقيق جدا في وقته ، لقد ألفت وجوده و أصبحت تحس بالأمان كلما مشى خلفها....ورغم أنه لم يقل لها شيئا ، إلا أن عيناه الخجولتين كانتا توحيان بكل شيئ ، بالحب و الأمان و الشوق....كانت تحس بدقات قلبه المتسارعة مع كل خطوة من خطواته خلفها ، أصبح فارس حياتها و أحلامها ، لا يفارق عينيها نهارا ، و لا يغادر أفكارها و أحلامها ليلا....كانت تنتظر تلك اللحظة ، حيث سيكلمها معلنا أنه يحبها و يريدها...لم تكن تحب العطلة الأسبوعية لأنها تحرمها من رؤيته ليومين كاملين، و من شدة شوقها أرادت أن تتكلم عنه مع صديقتها ، هاتفتها ............. وبعد سؤال سريع عن الأحوال قالت :
- أريدالتحدث عنه ، أنا مشتاقة له.
- من؟حبيبك المجهول ؟
- نعم و من غيره ؟
– أي حب هذا يجعلك تشتاقين وبعد يومين فقط لشخص لاتعرفينه ولم تسمعي حتى صوته
-ربما يخجل
- - هذا ليس عذرا عزيزتي، بما أنه يحب لابد أن يرمي الخجل جانبا...ههههه
- أنت لا تفهمين ،و لن تفهمي ما في نفسي حتى تجربي هذا الشعور المميز ....و على كل حتى و إن لم يصارحني بحبه لا يهم ، إذ يكفيني أن يرمقني بتلك النظرات...أجل إنها تكفيني.... ، و أغلقت الهاتف مستاءة جدا. –في هذا الصباح الماطر استيقظت نشيطة كعادتها ، حضرت نفسها ، ...و نزلت مسرعة و جدته هناك واقفا مرتديا معطفا رماديا ،واضعا حول رقبته وشاحا أسودا زاده و قارا و قوة....ابتسمت لنفسها و قالت :" إنه حبيبي ،حتى السماء مطرت اليوم فرحا لأجلي..."..... مشت ، تبعها كعادته..و لما ابتعدا قليلا عن المنزل، أحست أن خطواته تقترب منها أكثر.... دق قلبها أسرع ، برقت عيناها أكثر عندما و جدته واقفا أمامها معترضا طريقها بابتسامة حنونة..و دون أن يقول شيئا، أخرج ورقة من جيبه و سلمها لها بيدين مرتعشتين و غادر.....أمسكتها دون وعي و خبأتها في جيبها،و ما إن ابتعدت قليلا حتى فتحتها و التهمت كلماتها التهاما ....دمعت عيناها ، ضغطت على تلك الورقة بشدة ، و أرادت رميها لكنها لم تستطع....
– في صباح اليوم التالي ارتدت ثيابها دونما اهتمام ، نزلت السلالم بخطى ثقيلة ، نظرت إلى مكانه دون لهفة ، لم تجده "و هل سيملك الجرأة ليأتي ؟؟" قالت في نفسها.....في المساء أيضا لم تجده بانتظارها و لم تهتم لذلك...أو هكذا اعتقدت بداية ، حيث أنه و لما طال غيابه لمدة أسبوع بدأت تقلق عليه و تشتاق له ، كما أنها نسيت كلمات تلك الرسالة ...أصبحت حياتها مملة فارغة، ومزاجها عصبيا متقلبا...لم تعد تحس بذلك الأمان الذي كان يحيط بها......... أرادت أن تتصل به ، لكن كيف ، فهي لا تعرف له عنوانا ؟ - هذه الليلة استعادت ذكرياتها السعيدة معه رغم صمتها ، و رأت كيف تبدلت حياتها بعده ، بكت كثيرا لأنه رحل دون أن ينتظر جوابا ،هل علم أنها سترفض...؟ فتحت حقيبتها و أخرجت تلك الرسالة ،و بدأت بقراءة حروفها المبعثرة للمرة الألف : " لست كثير الكلام ، و لست خبيرا في رسائل الحب،كل ما يمكنني قوله أنك زهرة حياتي بل فراشتي ،أنت كل الألوان الزاهية في حياتي...في صحراء قلبي أزهرت أنت....لم أستطع التكلم معك قبلا ليس خوفا أو خجلا ، بل لأني لا أستطيع...أجل لا يمكنني الكلام أبدا ، فأنا أ ب ك م......لكني و رغم كل شيئ أريدك زوجتي و ملكتي، هل أكون وقحا بطلبي هذا؟؟"......دفنت رأسها في وسادتها و غرقت في البكاء استيقظت هذا الصباح بصعوبة ، لم ترد أن تمر على نفس الطريق ، لا تستطيع أن تتحمل رؤية زاويته تلك فارغة......مشت بخطوات بطيئة ، لم تنظر لمكان وقوفه المعتاد ،....أحست بخطى تلاحقها ،التفتت....إنه هو ، تمنت لو تستطيع ضمه و البكاء على كتفيه فرحا ، لكنها احتفظت بهدوئها ...نظر إليها بنفس العينين الدافئتين كمن ينتظر جوابا ، لم تتردد أكثر ،وضعت يدها في يده مبتسمة....إنه حبيبي و أماني ، فما نفع كل الأشياء الأخرى بجانبه.... ؟؟
- تمت -