لقد وطنت نفسي على الخسارة فإذا بي أربح كل شيء
!
كانت تلك الكلمات لفتاة صديقتي صارحتني بكل شيء بلا مداورة ولا كذب , وكانت تلك نهاية حديثي معها , كان منطقها ينسف أصنامٌ قد رسخت في عقلي حتى صارت حقائق والمنطق لا يكون حقيقة دائماً كما قيل
"كنت أنظر إلى ماضيي الفائت كأنه قطعٌ من الغيوم يتخللها ضوء الشمس الذي لا أتبينه .. أنت تعلم يا صديقي أن الفتاة في عشرينيات عمرها تحب وتريد أن تُحب ,وهكذا أنا , أُريد ذلك الحب سريعاً متدفقاً كسيل العرم حتى لو محى خضرتي وينوعتي , فقط أحتاجه , ولمّا تأخر الوقت أو هكذا خُيل لي وجهت بصري تلقاء ماضيي حيث كنت تلك الفتاة الغريرة المحبوبة من الجميع , الشعر الحريري ينسدل على كتفي , تلك الضفيرتين المعقودتين من الخلف والفيونكة على هيئة وردة على جانب شعري , كما أميرات الأحلام كنت , قبلات أبي وأمي وأخي الأكبر , كنت تلك الفتاة التي تحظى بكل الاهتمام في المدرسة , تلك النعومة التي تكتسبها تحت تأثير الاهتمام المبالغ والدلع من كل ما يُحيط بك , ولقد كنت يا صديقي نعم الفتاة حرة الأرادة ألهو كيف أشاء ! وأطير! آه يا صديقي كم أتمنى الطيران ؟!
هذا الفتى الذي كان في مثل سني ينظر إلي , يلهو معي , يقترب أو يحاول الاقتراب , لم أهتم .لم يتعد كونه صديق , ذلك اليوم الذي قد قاتل ذلك الفتى ثقيل الظل ضخم الهيئة وتلقيه الضرب دفاعاً عنّي , ويومها أصبح أيضاً صديق أُضيف له مُقرب
!
كان يتعمد أن يسير معي حتى بيتي كنت استشعر فيه الظل وقت الظهيرة , والعون وقت الضعف , والعلم وقت الحاجة , كان نعم الصديق
!!
قرر أبي الانتقال إلى تلك البلدة الجديدة ففرحت ! أودع أصدقائي ومنهم صديقي الفتى فلمحت ذلك الحزن الذي يعتري وجهه وتلك الدمعة التي انسابت
مرت الأيام وكنت خلال تلك الفترة وحيدة وكأني ربان زورق نفسي , ذلك الزورق الذي أقف في منتصفه أمام ذلك المحيط اللانهائي من الأفكار والموج الذي يُشتتها , كم أتمنى أن أرجع إلى شاطئي الساجع الغرير , لم يحلو لي النضوج , شعرت بأني وحيدة في دياجير الظلام , ذلك الظلام الأبيد السرمدي من الفكر , أُجاهد كي أصل إلى النور , فلا ألمس سوى الضباب
في الظل الأبدي ها هنا
هل تدري يا صديقي ذلك الشعور حينما تطغى هرموناتك وتهزك بشدة أنها تحتاج من تُفرغ فيه طاقاتها
أتدري يا صديقي حينما تحب الفتاة جياد و أحذية بل وسياسة وترهات أُخر , فقط كي تجد ما تُفرغ فيه حبها
ما الفتاة إلا حبٌ يا صديقي
!
كم صارعت يا صديقي لكي أجدف ضد التيار عائدةً إلى الشاطيء
ولكن الموج الخضم وأشباح الدياجي والمساء المدلهم كانوا خلف كل ضربة يكسرون مجدافي , كيف السبيل إلى الشاطيء البعيد
قل لي يا نجمي البعيد
!
الجامعة وسيل البشر والعلاقات الجديدة ولكن لا جديد , مازلت عالقة
ما أسخف التفكير حينما يشل حركتك ؟! ..أشعر بأني أُسحب من الحياة أتحول لرماد
آه يا صديقي يوماً قرأت بأن أقسى شيء تمر به الفتاة أن تكون زهرةٌ لا يشتهيها أحد أو عطرٌ لا يتنسمه أحد أو كنزٌ لا يطمح إليه انسان
ما نفع الثروة التي لا غنى منها
!!
في سكون المساء يبدأ الألم , لا تستهويني أحاديث الأصدقاء , أدفن نفسي وسط الكتب , أطوف بالذكريات , أشعر أن وريقات الكتب أيادي تكفكف أحزاني , لن أبحث بعد اليوم , كفى بحثاً وسعياً لحبٍ لن يأتي , فالحب كما قال القدماء نصيب
الآن أشعر فقط بالراحة بالسلام الجليدي
سوف أرسل قلبي للشمال فليتجمد حتى يجيء !
ويومها يا صديقي حدثت المعجزة لم يتجمد قلبي كما ظننت سنين وسنين
جاء بنظرته الحانية
تلك النظرة الملأى بالعاطفة , نظرة كفيلة بأن تُذيب كل ثلوج العصر الجليدي
لقد عاد فتاي الأول , ووجدت نفسي دون أن أدري
واقعةً في محراب حبه وكنت قربان
ما أجمل أن تكون قرباناً في محراب الحب
يومها
ربحت كل شيء
بعد
أن وطنت نفسي على الخسارة إذا بي أربح كل شيء
!!