إهداء
لقمرالمشاعر الجميلة
غريم الموسيقار
شد الموسيقار أوتار القيثارة وتراً يلو الآخر واختبر الرنّات , رنّة برنّة , فأطمأنت جوارحه وخمد جوع روحه عندما أحسّ بنفسه مستعداً لأسترسال الألحان مرّة أخرى , نقرَ على خشبها الأملس المصقول ووضعها جانباً على سريره حيث مجلسه الذي تركه وهَرعَ لطباخ المطبخ وعليه ابريق القهوة يحتج صفيراً .
تلك المعزوفات التي أطربت الطيور والبلابل التي جلست على أغصان شجرات الحديقة , لم يعزفها ومنذ أشهر , وحتى منزله الذي جلس الغبار على أثاثه لم يكن فيه ومنذ ذلك الحين .
مكوث تسعة أشهُرٍ في سجن المدينة ,عليه كان قاسياً , حٌرم من حريته , من موهبته ..
ابتسم وهو ينظر قي قعر الأبريق حينما رأى ظلام القهوة الفائرة من ثوان غدت وتذكر صديقه الجديد سقراط الفيومي , ذلك الكهلُ السجين الذي سيقضي عمره خلف الأسوار العالية عندما قال له يوماً وهما يحتسيان قهوة أعطاها لهما الحارسٌ الودود,
أنظر يارفيقي .. صديقتي اليونانية كانت عيونها كهذه , وهو يُريه ماتبقى من القهوة في الفنجان ..
كانت تلك اليونانية التي غرم بها في حقل الزيتون , في سنة الحصاد تلك , بأيام ربيع الشباب يوماَ , فرحه وغصته وعلته الدائمة .
أديالا ميراكيس .. وَشَمَها على ذراعيه وصدره ودونّها بكل الحياطين .
في الليل ذرف الدمع , وإن عاش , فعاش بتلك الذكريات, قتلها أبن عمها واثنين ممن معه عندما أنتهيا من عقد القران بينهما عند أمامٍ مصري عاش في ميناء تسالونيكى , هجموا عليهما وهما يسيران متشابكي الأيدي ويحدقان في غبطة راقصة سرت ببعضهما البعض نحو الفندق وكما الوحوش , القوا عليهما نيران بارودات صيد صوبوها فأتت زوبعة منها وهشمت تلك البسمة لبقع من الدماء الطرية والمالحة التي طبعت نفسها عليه والتصقت بأسنانه الضاحكة قبل أن يسقط في الطريق مغشياَ من وابل انتزع لحم فخذه تبعه ضربات أعقاب البنادق برأسه, مخضباً بدماءٍ ماقتلته نزفها .
بعد أشهرٍ من تلك الواقعة حضر سقراطٌ مجنونٌ , مغنياً, عند شرطة المقاطعة ليعترف بأنهاء حياة ثلاثة قرويين وأبيهم , عٌرِفوا بتهريب السلاح والمخدرات وقتل المواطنين بحسب الطلب وجرائم أخرى عجزت المباحث الصاقها بهم.
أعتبره القانون مختلاً ولكنه لم ينج حكماً بالحبس المؤبد.
وضع الموسيقار غطاء الأبريق بمكانه وصب منه قهوة فنجانه وذهب لخارج منزله القرميدي المطل على بساتين الكروم وحدّق في بيت أبيضٍ من منازل قرية انتشرت على التلال البعيدة .. هناك ستعزف مزامير العرس وسط حلقات دبكات المدعوين بعرس حبيبة سرقت منه.
في الغرفة .. تناول من الحائط بندقية معلقة كانت لجده لم يستعملها يوماً وأخذها معه لمكان أكثر نوراً
, تفحصها وهو يقلبها , أرسل بصره من خلال الباب المفتوح حيث أجزاء من تلك القرية اللعينة بانت ظاهرة وقائلاً:
- غداً , نعزف سوية سمفونية الفيومي الشهيرة.
غنى وعزف حتى اِشراقة شمس الصباح التالي.